خمس سنوات على الاحتلال حوّلت العراق إلى نموذج لفيديرالية الطوائف والفوضى، بدلاً من منارة لديموقراطية وعدت بها الإدارة الأميركية قبل الحرب التي يقدر عدد ضحاياها بمليون عراقي وحوالي أربعة آلاف جندي أميركي وكلفتها ثلاثة بلايين دولار، ودمار شامل في البنية التحتية وتفكيك الدولة والمجتمع العراقيين. لكن الرئيس جورج بوش أكد أمس أن كل ذلك كان يستحق التضحيات وأن الحرب كانت «خياراً صائباً». واعترف بأن «المكاسب التي تحققت ما زالت هشة». لكنه شدد على أن «الانتصار الاستراتيجي الكبير ممكن». وإذا كان الرئيس الأميركي لا يرى أي خطأ في الحرب أو ما بعدها، فإن العراقيين منقسمون حول هذه المسألة. رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، مثلاً، قال ل «الحياة» إنها «أدت الى إسقاط أعتى نظام استبدادي دموي. وفتحت الطريق أمام عراق ديموقراطي تعددي فيديرالي وهو في طريق التكوين»، لكنه أكد أن «لا قرار الحرب ولا قرار الاحتلال ولا عشرات القرارات التي اتخذتها إدارة بريمر كانت معبرة عن خياراتنا أو كان في مقدورنا الحيلولة دونها». وغني عن القول ان جهات عراقية أخرى، بما فيها بعض المستفيدين من الحرب والاحتلال، ترى رؤية بارزاني، والبعض يراها فعلاً اجرامياً دمر العراق خدمة للمصلحة الإسرائيلية. وكثيرون حملوا السلاح وانضموا الى المقاومة. وما زال كثيرون منهم يقاتلون حتى الآن. أما المراقبون الدوليون غير المنحازين فيرون أن الحرب كانت خطأً فادحاً وعرضت المنطقة كلها، وما زالت تعرضها للفوضى الشاملة وانتشار التطرف والإرهاب. وفي هذا الصدد يقول المستشار السابق للأمين العام للأمم المتحدة في العراق غسان سلامة: «الحرب مثّلت، على المستوى الاقليمي هدية استراتيجية لإيران وعزّزت التيار المحافظ فيها ومكّنتها من تصدير ثورتها إلى خمس ساحات: العراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان وبعض مناطق البحر الأحمر». ورأى أن «ما حصل في السنوات الخمس الماضية في العراق ليس، في إطار جهل الإدارة الأميركية شؤون المنطقة فحسب، ولكن أرجح أن يكون هناك في الولاياتالمتحدة وأيضاً في إسرائيل مَن يسعى إلى تفكيك الدولة والمجتمع العراقيين». وأضاف ان «معظم الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية كانت قبل بداية الحرب، وان الاحتلال جاء ليؤكدها. فالخطأ الأول كان تهميش الخبرات الأميركية في المنطقة وتسليم صناعة القرار إلى أعضاء في الإدارة ينتمون إلى المحافظين الجدد الذين لا يملكون أي خبرة في العراق وفي المنطقة، ثم الخطأ الثاني كان الاستهتار بمبدأ الشرعية مع تركيزها على مجموعة من الأكاذيب نفتها لاحقاً مثل علاقة النظام العراقي ب «القاعدة» وأسلحة الدمار الشامل ونشر الديموقراطية... الخ». أما بوش فقال أمس إنه على رغم الثمن «المرتفع» الذي تم دفعه فإن «إطاحة صدام حسين كانت القرار الصائب. وهذه معركة يمكن لأميركا ان تربحها ويجب ان تنتصر فيها». وحذّر في خطاب ألقاه في البنتاغون، من ان المكاسب التي سجلت منذ 2007 في العراق «هشة ومعرضة للتغير» وانه لن يسمح بأي شيء يهددها. واعتبر ان استمرار الجدل يمكن «تفهمه»، لكنه كرر ما يقوله عادة: «على الأميركيين ان يحاربوا القاعدة في العراق كي لا يحاربوها في الولاياتالمتحدة، والانسحاب بشكل سريع جداً سيؤدي الى الفوضى ويشجع الارهابيين» وإيران. وأشار خصوصاً الى التقدم الذي انجز منذ السنة الماضية حين كانت أعمال العنف تهدد بأن تبلغ «مستوى الابادة» بفضل استراتيجية جديدة وارسال حوالي 30 ألف اميركي اضافي. وقال ان هذا التغيير «أدى الى قلب الوضع في العراق، لقد فتح الباب امام انتصار استراتيجي كبير في الحرب الأشمل ضد الإرهاب»، مشيراً الى «أول انتفاضة عربية واسعة النطاق» ضد «القاعدة». وهاجم «الذين ما زالوا يدعون الى التراجع»، واتهمهم بالحديث الآن عن الكلفة المالية للنزاع لأنهم «لن يحظوا بصدقية بعد الآن اذا قالوا اننا نخسر الحرب». الى ذلك، تتضارب الاحصاءات حول ضحايا خمس سنوات من الاحتلال في عموم العراق. وبين نحو مليون ونصف مليون قتيل، ومثل هذا العدد من الجرحى حسب احصاءات مراكز بحوث ومؤسسات عراقية ودولية، تصر الحكومة العراقية على ان عدد الضحايا لا يتجاوز 150 ألف قتيل وضعف العدد من الجرحى. احصاءات الوقف السنّي تشير الى حرق وتدمير نحو 1000 مسجد. واحصاءات الوقف الشيعي تشير الى إحراق نحو 1000 حسينية وجامع. منظمات حقوق الانسان تقدر وجود مليون أرملة، واغتيال نحو 4000 من الكفاءات العلمية، وتهديم أو إحراق آلاف المنازل. احصاءات وزارة التربية تشير الى ان نحو 40 % من التلاميذ لم يتسن لهم اكمال دراستهم او تخلفوا عنها، واحصاءات وزارة العمل تشير الى نسبة 65 % من العاطلين عن العمل. منظمات نسائية تؤكد مصادرة حقوق المرأة العراقية، وأصبح ارتداؤها الحجاب اجبارياً، وتشير الى مقتل النساء تحت بند التبرج والسفور، واستخدام أخريات في اعمال مسلحة. نقابة الصحافيين أعلنت مقتل 233 صحافياً واعلامياً في أسوأ مجزرة للأسرة الصحافية. منظمات حقوقية تؤكد وجود عشرات آلاف المفقودين، وسجلات مقبرة الجثث المجهولة الهوية تشير الى نحو 10 آلاف قبر. الجيش الاميركي يؤكد أنه يشرف على 23 ألف معتقل في سجونه التي شهدت فظائع كان لها صدى عالمي، كما في سجن أبو غريب. والحكومة العراقية تؤكد انها تعتقل نحو 16 ألفاً في سجونها، فيما تشير مصادر اخرى الى وجود أكثر من 25 ألف معتقل في تلك السجون. خمس سنوات على احتلال العراق والواقع على الأرض يؤكد عجز الأميركيين عن تشكيل نظام يمثل كل العراقيين، والتمرد لم ينته، والنفوذ الايراني يتأكد يوماً بعد يوم، ومخاوف تركيا من انفصال الأكراد تتزايد... والانقسام الطائفي والمذهبي يتكرس. أما الانسحاب الأميركي فلن يتم قبل سنوات طويلة، على ما يقول غير مسؤول في ادارة بوش.