لا يكتمل حديث عن الإصلاح في الشرق الأوسط من دون عرض الدور الأميركي فيه، وهو دور أجد أنه اكبر عقبة في طريق الإصلاح الوعر أصلاً.
إدارة بوش، في رأيي الشخصي، تعرقل الديموقراطية والحرية والإصلاح في العالم العربي وهي تزعم انها تعمل لها. الديموقراطية رغبة عالمية أو حلم وليست أجندة أميركية، ولكن، أسألكم من منكم لا يزال يذكر مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط التي أعلنها وزير الخارجية في حينه كولن باول في سنة 2002؟ كان يفترض ان توفر هذه الشراكة فرص تعليم، وتروج لليبرالية اقتصادية وتطوير القطاع الخاص، مع دعم المجتمع المدني وحكم القانون. أين هي هذه المبادرة؟ كانت محاولة لإدخال إسرائيل علينا من الباب الخلفي، لذلك كان مصيرها الفشل.
إدارة بوش عادت فأحيت مشروع الديموقراطية والحرية في الشرق الأوسط بعد تعثر الحرب في العراق. وعلى سبيل التذكير فالحرب بدأت لأن العراق يملك أسلحة دمار شامل وعلاقة مع «القاعدة». ولم توجد الأسلحة ولم تثبت العلاقة، وأصر آية الله علي السيستاني على إجراء انتخابات وعارض الأميركيون ثم وافقوا على مضض، فأصبح الهدف الأميركي جعل العراق منارة حرية وديموقراطية تضيء الطريق للشرق الأوسط كله. وانحدر العراق نحو حرب أهلية فأصبح المشروع الأميركي الديموقراطية والحرية في الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.
المشكلة هي ان لا ثقة إطلاقاً بهذه الإدارة الأميركية، فقد خطفت السياسة الخارجية فيها عصابة إسرائيلية تعمل بأجندة واحدة هي تأييد إسرائيل ضد دول المنطقة كلها، والعالم إذا اقتضى الأمر. إذا كان رأي القارئ في الإدارة الأميركية مثل رأيي فأنا أطمئنه الى انه ليس متحاملاً أو أصولياً أو إرهابياً، فهذا رأي العالم في الولاياتالمتحدة الآن. قبل سنة نشر استطلاع مشهور في الدول الأوروبية أعلن فيه الأوروبيون ان الولاياتالمتحدة خطر اكبر على السلام من إيران أو كوريا الشمالية. وهذا الشهر نشر استطلاع بريطاني أظهر ان غالبية كبرى تعتبر جورج بوش خطراً اكبر على السلام من محمود احمدي نجاد أو كيم جونغ-ايل. وإذا كان هذا رأي الشعوب التي لم تهاجمها الولاياتالمتحدة فإننا نفهم رأي العربي أو المسلم الذي رأى في الصيف إسرائيل تدمر قطاع غزة بأسلحة أميركية مع ان الولاياتالمتحدة تعتبر الرئيس محمود عباس رجل سلام، ثم رأى إسرائيل تدمر بالأسلحة نفسها البنية التحتية للبنان وإدارة بوش تعارض وقف إطلاق النار 33 يوماً من دون أن تتهم، هي أو إسرائيل، حكومة فؤاد السنيورة بأي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بخطف الجنديين الإسرائيليين. إذا كانت إدارة بوش تفعل هذا بحلفائها فكيف يمكن أن يثق بها المواطن الضحية، ناهيك عن الخصوم والأعداء؟
الواقع أن القلق من السياسة الأميركية ممتد الى الشعب الأميركي نفسه، فمعي نتائج استطلاع أجرته مؤسسة Public Agenda بإشراف مؤسسها ومديرها دانيال يانكلوفيتش، وهو من ابرز خبراء الرأي العام في بلاده. الاستطلاع، كما نشر في الموقع الإلكتروني للمؤسسة وقع في 35 صفحة أختار منها بضعة اسطر، فهو اظهر ان 90 في المئة من الأميركيين يرون ان النظرة السلبية من العالم الخارجي للولايات المتحدة تمثل تهديداً للأمن القومي، وان ثلثي المشاركين قالوا ان العالم ينظر بسلبية كبيرة أو نسبية الى الولاياتالمتحدة، وان 80 في المئة يعتقدون بأن هناك خطراً على الولاياتالمتحدة والمواطنين الأميركيين في العالم الخارجي. لاحظوا معي «العالم» وليس أي عرب أو مسلمين فقط. وهناك مجموعة تقارير للاستخبارات الأميركية تقول إن الإرهاب زاد منذ أعلنت إدارة بوش الحرب عليه، ما يعني فشلها في العراق وعالمياً، إلا أن الرئيس بوش يعيش في عالم من صنعه ولا يرى شيئاً من هذا.
الاستطلاع (وكل معلق وخبير قرأت له ربط كل هذه السلبية بالحرب على العراق ونتائجها) كانت له ترجمة عملية على الأرض، ودفعت إدارة بوش الثمن بالخسارة الكبيرة التي مني بها الجمهوريون في الانتخابات النصفية الأميركية التي انتهت بسيطرة الديموقراطيين على مجلسي الكونغرس.
سيطرة الديموقراطيين على السلطة التشريعية لا تعني كثيراً، فمن ناحية يظل الرئيس، أو السلطة التنفيذية، أقوى بحسب الممارسة السياسية الأميركية، ومن ناحية أخرى ليس للديموقراطيين برنامج واحد ازاء العراق، بل أفكار، وهم حتماً لم يطلعوا بعد باقتراح واحد يتجاوز الحرب في العراق، الى نشر الديموقراطية كما يزعم الرئيس. ويبدو انهم يدركون ان الرئيس لن يستطيع ان ينفذ وعوده، وربما كان الأمر انه لا ينوي تنفيذها أصلاً، لذلك فهم امتنعوا حتى الآن عن تقديم وعود كاذبة مماثلة أو مناقضة.
أجد إدارة بوش، بعد شهرين من الانتخابات، وحوالى أربع سنوات من الحرب على العراق، غير قادرة على ان تتعلم الدرس وتغير أسلوبها، فالرئيس بوش «ماض في مسيرته»، والوضع سيسوء اكثر قبل ان يتحسن، هذا اذا تحسن. واكمل غداً. الحياة