نصر للوحدة العراقية هيوا عثمان فتحت حملة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الصارمة على الميليشيات في البصرة فصلا جديدا في السياسة العراقية، معطيةً الجيش العراقي زخما وقوة دفع جديدة ومستعيدةً درجة من الثقة العامة في قدرة الدولة على فرض حكم القانون. ولكن تعزيز هذا النجاح سيعتمد بدرجة كبيرة على خطوة المالكي القادمة، أي عملية تنظيف مدينة الموصل في شمال العراق من تنظيم " القاعدة " في العراق ذي المسلحين البعثيين. عندما تم شن العملية المسماة " مهمة الفرسان " في البصرة في بداية شهر أبريل الماضي، رآها كثيرون كلحظة فاصلة لرئيس الوزراء العراقي وللجيش العراقي. وإعلان المالكي عن أنه سيتعقب " الخارجين على القانون " حتى النهاية أكسبه حلفاء جدد وحشد قادة البلد السياسيين وراءه. فقد هلل معارضوه من السنة، بوجه خاص، للهجوم على المجموعات شبه العسكرية التي سيطرت بفعالية على البصرة بوصف ذلك خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح. كانت الكتلة السياسية السنية الكبرى، وهي " جبهة الوفاق " قد انسحبت من الحكومة، ولكنها أشارت إلى رغبتها في العودة إلى الحكومة كنتيجة لعملية البصرة. وكما أوضح زعيم " جبهة الوفاق " عدنان الدليمي، فإن أحد مطالب الكتلة هو " تعقب وتفكيك الميليشيات ". وأشار زعماء السنة منذ ذاك إلى أن حكومة المالكي تواجه مخاوفهم بدرجة كافية تسمح لهم بإنهاء مقاطعتهم. ومكسب آخر لرئيس الوزراء العراقي هو تقاربه مع نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، وهو واحد من أبرز وأقوى الشخصيات السنية في العملية السياسية في العراق. وكانت العلاقة المتوترة غالبا بين الرجلين واحدة من العوامل التي أدت إلى مقاطعة السنة للوزارة. لقد دعم الهاشمي علانيةً هجوم البصرة، ويجلس الآن مع رئيس الوزراء في حجرة عمليات إدارة الأزمات والتي تدرس كيفية التعامل مع المسألة القادمة في أجندة المالكي - وهي الموصل. لقد فاز المالكي أيضا بدعم ومساندة أوسع انعكست في إعلان أصدره " المجلس السياسي للأمن القومي "، وهو هيئة من 19 عضوا تضم معا أعضاء الرئاسة الثلاثة ( الرئيس ونائبيه ) ورئيس الوزراء ونواب رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ونوابه ورؤساء الكتل المختلفة في المجلس التشريعي ورئيس إقليم كردستان ورئيس الهيئة القضائية العراقية. والوثيقة، التي تبرز المبادئ التي يجب أن يعمل بناءً عليها النظام السياسي العراقي، داعمة بشكل كبير للمالكي. والتحفظات الوحيدة عبر عنها بدرجة كبيرة الصدريون، أي أنصار المرجع الشيعي مقتدى الصدر الذي كان فصيله المسلح، " جيش المهدي "، واحدا من الجماعات المستهدفة في البصرة. ومن منظور عسكري، يتفق المحللون وقادة الجيش العراقي على أن عملية البصرة تم الإعداد لها على نحو هزيل. ومع ذلك، وبوصفها أول اختبار حقيقي للجيش العراقي الجديد، فهي إجمالا تُعد نجاحا لا بأس به. وعلى العموم، فإن الجنود أطاعوا الأوامر بقتال رجال الميليشيا حتى عندما كانوا يتشاطرون نفس الانتماء الشيعي. وكان هناك آبقون هاربون من الجندية كارهون للقتال ضد بني جلدتهم وزملائهم من الشيعة والصدريين. غير أن العدد الصغير نسبيا من الآبقين من جملة قوة قوامها 30.000 مقاتل يمكن أن يُنظر إليه على أنه غير ذي أهمية. وحتى مصادر الدفاع في بغداد رحبت بعمليات الهروب من الجندية. وكما قالها مصدر مقرب من وزارة الدفاع، فإنها " كانت طريقة جيدة لفرز العناصر السيئة والجنود غير الاحترافيين". وفي الوقت نفسه، أبرزت عمليات الفرار من الجندية حاجة الجيش العراقي لتدريب أفضل وكذلك نظام فرز واختيار مناسب صحيح خلال عملية التجنيد. على أن العملية مثلت إجمالا خطوة مهمة نحو تأسيس جيش وطني احترافي حقا. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تسيطر الآن على مناطق كبيرة من البصرة، بما فيها مناطق الميناء، إلا أن هناك أجزاءً من المدينة مازالت بعيدة عن نطاق الوصول إليها، كما أن كثيرا من قادة الميليشيا مازالوا طلقاء. وبعد البصرة، أمر رئيس الوزراء العراقي بعمليات مماثلة، ضد الميليشيات الشيعية في أجزاء أخرى من العراق، أمام دعاوي متكررة - موجهة إلى حد كبير من قبل إيران - بإنهاء الحملة. وإذا أراد المالكي أن يحافظ على مستوى دعمه الحالي، فإنه سيتعين عليه أن يظهر عزيمة مستمرة لتعقب الميليشيات أينما كانت. وهذه لن تكون مهمة سهلة، حيث أنها ستكون غير محبوبة في أوساط دائرة رئيس الوزراء الشيعية. في الماضي، كانت صفات قيادة المالكي - سواء كرئيس للوزراء أو كقائد عام للقوات المسلحة - يتم التساؤل حولها والتشكيك فيها. وإلى حد ما، أخمدت عملية البصرة تلك الأسئلة. والآن، يحتاج المالكي لإظهار نفس العزيمة بشن عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على الموصل. وبهذه الطريقة، يمكن أن يظهر أنه حقا رئيس للوزراء لكل العراقيين. وهو يحتاج إلى أن يظهر أن " الخارجين على القانون " من الشيعة والسنة يتم التعامل معهم بنفس الطريقة تماما. والاحتفاظ بدعم السياسيين السنة في نفس الوقت الذي يتم فيه شن عملية عسكرية في مدينة تُعتبر مرتعا للإسلاميين السنة والقوميين العرب لن يكون سهلا. وفي الموصل، العدو أقل قابلية للرؤية والظهور كثيرا، وأكثر كفاءة بقدر كبير من جيش المهدي في البصرة. ولكن مثل تلك العملية هي السبيل الوحيد الذي يمكن أن يظهر به رئيس الوزراء العراقي والجيش العراقي أن العراق لديه حقا جيش وقائد عام للجيش ملتزم بجلب حكم القانون إلى البلد بأكمله. وهجوم الموصل سيكون أيضا اختبارا لما إذا كان السنة سيكونون مستعدين أيضا للمشاركة في مثل ذلك الهدف. نشر في صحيفة " إم سي تي " ونقل من صحيفة " الوطن العمانية " 5/5/2008