كلية التمريض بجامعة قناة السويس تعلن فتح باب التسجيل لبرامج الدراسات العليا    لقاء موسع بين "الصحة" والأكاديمية الوطنية للتدريب لدعم الاستثمار في العنصر البشري    تحرك عاجل من "سلامة الغذاء" بشأن شكوى مواطن من مطعم بالبحيرة    لتطوير الكوادر الصحية.. تعاون يجمع الأكاديمية الوطنية للتدريب ووزارة الصحة    ارتفاع معدل التضخم في بريطانيا إلى 3.8% خلال يوليو الماضي    وزير التعليم يلتقي أعضاء البرلمان الياباني على هامش "تيكاد 9" لبحث تعزيز الشراكات    ارتفاع أسعار النفط مع تجدد المخاوف بشأن إمدادات الخام الروسي    تيسيرًا للمواطنين.. تصميم وتنفيذ بوابة جديدة لمدينة الشروق    تغيير اسم مطار برج العرب إلى مطار الإسكندرية الدولي    محافظ الغربية: دعم كامل لمصنع تدوير المحلة.. وملف المخلفات على رأس الأولويات    المؤتمر: رفض إسرائيل للمبادرة المصرية القطرية تعنت يكشف نواياها    فصائل فلسطينية: هاجمنا موقعا عسكريا إسرائيليا جنوب شرقي خان يونس    رئيس الوزراء يلقي كلمه مصر بجلسة السلم والاستقرار بمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية    "سى إن إن " تبرز الجهود الانسانية والإغاثية والطبية التى تبذلها مصر لدعم الأشقاء الفلسطينيين فى غزة    الأزهر للفتوى: العمل الإنساني الحق يبدأ من غزة ودعم صمود شعبها واجب ديني وأخلاقي    تراجع سعر عمر مرموش فى فانتازى الدوري الإنجليزي بعد أول مباراة مع سيتى    وصول نجوم الكرة جنازة والد اللاعب محمد الشناوى بكفر الشيخ    صلاح بعد تتويجه بأفضل لاعب: هذا أفضل موسم لي على الإطلاق    "أمر غريب".. رد ناري من الزمالك على بيان وزارة الإسكان بسحب الأرض    نقل 3 مصابين في انهيار عقار بالزقازيق إلى المستشفى الجامعي    الأرصاد تحذر من ارتفاع الموج على البحر المتوسط    كشف ملابسات مقطع فيديو يظهر استعراض سيارتين بالشرقية    اتهامات بالفيديوهات وغسيل الأموال.. تجديد حبس التيك توكر محمد عبد العاطى    إصابة 16 شخصا إثر حادث تصادم بين سيارتين ميكروباص بطريق سفاجا - قنا    ضبط عامل صور السيدات داخل الحمام في كافية بالنزهة    إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب تروسيكل بالشرقية    انطلاق مهرجان يعقوب الشاروني لمسرح الطفل    أغانٍ ينتظرها جمهور ويجز في حفله بمهرجان العلمين الجديدة فى دورته الثالثة    مصادر: رئيس هيئة الكتاب يتقدم باستقالته لوزير الثقافة    ريهام عبدالحكيم ل أنغام: كلنا بندعيلك من قلبنا    التضامن: التدخل السريع يتعامل مع حالات مسنين بلا مأوى في محافظات القاهرة والجيزة والغربية والدقهلية    ما بين إلغاءه واستئناف تصويره.. القصة الكاملة لأزمة فيلم «طلقني»    بعد نجاح «قرار شخصي».. حمزة نمرة يستعد لطرح ألبوم ثاني في 2025    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    «الإفتاء» تكشف حكم التهادي بحلوى المولد النبوي بين الناس    هل اتباع النساء للجنائز جائز أم مكروه شرعًا؟.. الإفتاء تجيب    الإسكندرية تستعد لتطبيق التأمين الصحي الشامل باعتماد المستشفيات الجامعية    العقارب تلدغ طفلين في أعمار حرجة بالفرافرة وسط موجة حر قاسية    وزير الشئون النيابية يزور مستشفى الناس: شاهدت صرح طبى نفخر به فى مصر    طريقة عمل الناجتس، أكلة مميزة وتوفر في الميزانية    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    رئيس وزراء أستراليا يرفض اتهامات نظيره الإسرائيلي بأنه ضعيف لاعترافه بالدولة الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد لرئيس الوزراء اللبناني دعم مصر الكامل لاستقرار لبنان    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 وعدد الإجازات الرسمية المتبقية في العام    الموجة 27 وتزيل 29 حالة تعدى على أراضى الدولة والزراعة بالشرقية    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    صلاح: التتويج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج بعمر 33 إنجاز مذهل    بعد تداعيات الجراحة الثانية.. شقيق أنغام يدعو لها بالشفاء    الأهلي يوفر أتوبيسًا للاعبي الفريق لتقديم واجب العزاء في والد محمد الشناوي    الموعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والقادسية في كأس السوبر السعودي    فانتازي يلا كورة.. انخفاض سعر عمر مرموش    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    "حياة كريمة" تقدم خدماتها الطبية المجانية ل 1200 مواطن بالمنيا    رعاية القلوب    ذات يوم 20 أغسطس 1953.. إذاعة صوت العرب تحرض المغاربة ضد نفى الاحتلال الفرنسى للسلطان محمد الخامس.. و«علال الفاسى» يبكى أثناء تسجيل كورال أطفال نشيد «يا مليك المغرب»    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025    طلاب الثانوية العامة بالنظام الجديد يؤدون امتحان الدور الثاني في الرياضيات البحتة    "مكانش بيسيب فرض"..جيران والد حارس الأهلي في كفر الشيخ يكشفون اللحظات الأخيرة في حياته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلام والمعتقل / علي عقلة عرسان
نشر في محيط يوم 03 - 05 - 2008


الإعلام والمعتقل
علي عقلة عرسان
صحوت صباح اليوم على سامي الحاج ، مصور الجزيرة ، نزيل سجن غوانتانامو ، ابن السودان ، طليقاً يتحدث من الخرطوم بعد اعتقال تعسفي على الطريقة الأميركية استمر ست سنوات ونيف ، بتهم لم يحاكم عليها تمتد من الإرهاب والانتماء إلى القاعدة إلى الجريمة " الإعلامية " المنظمة الهادفة إلى كشف الحقيقة للناس بالصورة.
ست سنوات ونيف ذاق خلالها الحاج ومن معه من نزلاء ذاك السجن الأسطورة لطخة العار في جبين الولايات المتحدة الأميركية وما يسمى العالم المتحضر صنوف العذاب ولحقت به وبأسرته/ بهم وبأسرهم، المآسي والويلات.
كنت في الخرطوم والجزيرة عدة مرات فهل تراني رأيت هذا الرجل؟ أستبعد ذلك، لكنني أشعر أن حالته لازمتني وبأنه قريب إليّ بوصفه إنساناً يحمل رمزية عذاب وظلم ووحشية وقهر تمارسها دولة أصبح ديدنها التهديد والعدوان والكذب والابتزاز..
ليس هذا المصور حالة فريدة فكم في هذه الدنيا من أشخاص تحملوا أضعاف ما تحمل هو من جزائريين في عهد الاستعمار الفرنسي وفلسطينيين في العهد العنصري الصهيوني وفيتناميين وروس.. إلخ ولكن لم يقرّبهم الإعلام إلينا كما قرّب هذا الرجل .. فالإعلام يصنع وقائع وحقائق ويكشف المخفي منها أيضاً.
تمر بك لحظة نادرة تسترعي اهتمامك زمناً وتصبح لحظة طاغية تلخص زمناً.. ولحظة هذا المصور أصبحت طاغية ، وقد صنعها الأميركي الطاغية والإنسان الضحية والإعلام المثابر ، وهي لحظة موحية تقرأ من خلالها أحداثاً ووقائع ومشاعر بشرية بلا ضفاف ..
وتجعلك تغوص في روايات متناقضة عمن يصنع الإرهاب ويمارسه ومن يتهم آخرين به ، وتدخل عالم تجار الحروب والسياسة وأصحاب المشاريع العدوانية الكبرى ، وتتعرف على معاناة لا توصف وخضم مشاعر بشرية زاخر ، وتواجه نفسك ومن حولك بأسئلة لا أجوبة مقنعة لها، أسئلة من نوع: ما هو الإنسان؟
كم يحتمل من الآلام وكم يتجدد احتماله لها ، ولماذا يتعرض لذلك؟ ولم يكون أشد وحشية من كل وحش ويفسد كمستنقع آسن ينشر الوباء في حالات، ويتجلى طاقة روحية وجسدية وإنسانية نقية تواجه الوحشية والفساد والإفساد والوباء في حالات أخرى؟
إن الألم الذي يسببه جرح أو داء وبيل أو حادث يصيب عضواً أو أعضاء من الجسد، يضع الإنسان أمام معاناة حادة ترهق جسمه وأسرته، أما الألم الناتج عن تعذيب وظلم وحجز للحرية فيضيف إلى آلام الجسد آلام روح ونفس، ويغرق الإنسان في قهر لا يجد له مسوِّغاً، ويفتح أمامه صفحات أسئلة وصفحات حساب تعتمل في النفس وتنشد الاقتضاء..
وفي الأحوال جميعاً يدفع هو أو الآخر الثمن، ويستمر فعل ورد فعل قاتمان مؤلمان داميان يسممان حياة الإنسان ولا يليقان بكرامته..
ويجر كل ذلك على أبرياء عواقب وخيمة قد يدفعون فيها حياتهم لا لشيء إلا لأنهم بمتناول العراك بهذه الصورة أو تلك. والمضحك المبكي أو أول ما ينسى وأكثر ما ينسى هم الضحايا الأبرياء.. وقد يرفع المجرم قبعته في نهاية سنة أو عقد أو قرن من الزمن ليقول: نأسف لأنهم ماتوا من دون سبب..
وقد يرفض المجرم حتى أن يفعل ذلك شأن الاستعمار الفرنسي وضحاياه في الجزائر وشأن الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني الذي ارتكب ويرتكب آلاف المجازر من هذا النوع ليس آخرها قتل أم وأربعة أطفال لها في بيت حانون ولا حصار كامل لمليون ونصف مليون إنسان في غزة يسبب الألم والقهر والموت.
هل يمكن تجنب الألم؟ لا.. لا أظن ذلك، الألم مواكب للحدث ، والحدث المؤلم كما الحدث المفرح يلازمان حركة الأحياء، والحياة حركة .. والحركة منتج من منتجات الحياة ودليل عليها وعامل حيوي في الاستمرار والتغيير.. ومن ثم قد يكون الألم إحدى ضرائب الحياة وبعض مستلزماتها.. من ألم الحب إلى ألم القلب والموت قهراً. ولكن الألم المقترن بالإهانة والظلم والتعذيب ومصادرة الحرية والافتراء.. ألم فظيع.
ليس المعتقل الذي أشرت إليه بدعة في بابه أو أسطورة ساهم التخييل في تضخيمها أو حالة نادرة لا نظير لها في عالم المعتقلات والسجون ، ولا هو كذلك في من يجلب إلى المعتقلات من أنحاء العالم من المظلومين والمضطهدين والمقهورين أو المقاتلين من أجل الحرية ممن قالوا ويقولون للإدارة الأميركية ..
لا، فهناك عشرات الآلاف ممن قضوا سنوات مرة في سجون أميركية مثل " أبي غريب وغوانتنامو وسواهما كثير"، ومن تحملوا ما لا يطاق مدة ثلاثين وعشرين سنة ونيف في سجون النازية الجديدة في فلسطين المحتلة، سجون الكيان الصهيوني، وبعض أولئك خرج من المعتقل إلى المقبرة..
وهناك في الذاكرة معتقلات وسجون يعرفها الجزائريون الذين قاتلوا فرنسا من أجل الحرية، ويعرفها الفيتناميون والروس وغيرهم وغيرهم كثير.
وهناك سجون تتكاثر في طول بلدان العالم وعرضها، ولكن سجناء الحرية لمعاناتهم طعم مختلف والموقف من قضاياهم متمايز عن سواه، والنظرة إليهم يجب أن تكون مغايرة في المعيار والتقدير والحكم..
ومعتقلات الصهاينة في فلسطين المحتلة والأميركيين في أنحاء من العالم تعج بمعتقلين هم مناضلون من أجل الحرية، طلاب استقلال وكرامة لبلدانهم وشعوبهم، مقاتلون ومقاتلون محتملون يدافعون عن أنفسهم ويدفعون العدوان عن أنفسهم وأطفالهم.. يعملون على حماية مقومات وجودهم..
وتلك معتقلات لا نظير لها إلا معتقلات النازية مع فارق كبير جداً لا يؤخذ بالاعتبار ولا بد من ملاحظته والتركيز عليه، وهو إن سجون النازية ومعتقلاتها دامت ثلاث سنوات ونيف في ظل حرب عالمية ومعتقلات الصهاينة في فلسطين تستمر منذ ستين سنة ويقضي فيها الشخص أكثر من ثلاثين سنة، ولا يسمع بقصته أحد ولا يتحرك ضمير بالاحتجاج على هذا الوضع الذي لا يطاق.. بينما يتراكض رؤساء دول حاليين وسابقين من أجل إطلاق سراح جندي صهيوني يكلله عار العدوان ويداه وأيدي قادته ملطخة بدم الفلسطينيين.. فأي عالم وأي عدل وأية إنسانية؟؟
قد يكون السجن ضرورة لأن المجتمع يحتاج إلى حماية من مجرمين أياً كانت درجة إجرامهم فهي ضارة به وخطرة على أمنه واستقراره وتقاليده وحياة أفراده وممتلكاتهم، ولكن الاعتقال التعسفي والتعذيب والقهر والتحقير والإزراء بالإنسان لا يمكن أن يكون لأي منها ضرورة، سواء أكان ذلك في حال الاعتقال السياسي وصراعات السلطة والمعارضة أو في حالات أخرى يرى وجاهتها أولو الأمر والنهي ممن قد يضعون أنفسهم فوق الإنسان..
ولكن الاعتقال التعسفي وأخذ الناس على الشبهة، وإبقاء الأشخاص قيد الاعتقال لأشهر أو سنوات من دون محاكمة..
ثم تقديم ذرائع لهذا التصرف لا تقنع حتى أصحابها ولا تعوض من وقع عليهم الظلم هو عار بذاته يتجرع كأسه أناس ثم يديرون الكؤوس مع الزمن، فيشرب العلقم بدورهم مستحقون وأبرياء.. وتبقى غصة السؤال الكبرى: ما ذنب الأبرياء، وكيف نعوضهم عن معاناتهم الفظيعة.. وهي تمتد من الضحية إلى أصوله وفروعه في بعض الحالات؟
سمعت عن لحظات نادرة تجمع أباً بابن أبعدهما المعتقل أحدهما عن الآخر ولم يستقر بهما المقام معا وقتاً كافياً ليغرف أحدهما صورة الآخر ويتشربها ويتمثَّلها ويسكِنها قلبه وذاكرتَه ووجدانه.. وسمعت عن معتقلين مات ذووهم ولم يتمكنوا من المشاركة في تشييعهم، وسمعت وسمع الناس قصصاً ومآسي اجتماعية نتيجة تلك الأوضاع..
مما جرى ويجري بسبب الاعتقالات والتعامل مع المعتقلين في معتقلات بصرف النظر عن أماكن وجودها وهويتها.. هذه ليست حالات نادرة، ولا حال ابن سامي الحاج السوداني وزوجه الأذربيجانية حالة نادرة هي الأخرى..
ولكن سلاح العصر الإعلامي قدمهما على هذا النحو فصارا ندرة موقف وحالة وصورة.. إن وفاء الجزيرة لمنتسبيها يستحق التنويه به، ولكن من واجب الإعلام أن يقدم ما في المعتقلات والسجون الكبرى من معاناة وأن يناصر من لا يصل صوتهم ولا يعرف الناس حقيقة قضاياهم، وأن يقف مع العدل والقيم والحرية والإنسان..
فتلك رسالة تستحق أن تُجنَّد لها الأقلام والقدرات والأموال ، وأن يتجنّد الأفراد والمؤسسات لخدمتها .. فهل نتطلع إلى عام أو عقد من الزمن يخصص للإعلام والمعتقل؟
عن صحيفة الوطن العمانية
3/5/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.