الأميركيون والفاتيكان عاطف عبد الجواد الرئيس الأميركي لا ينتظر احدا على الإطلاق. لا يذهب الى المطار لاستقبال احد من الزوار الأجانب ، مهما كانت منزلة هذا الزائر. الآخرون ينتظرون الرئيس. قد يقصر انتظارهم الى دقائق ، وقد يطول الى ساعات. لكن هذا الأسبوع شهدنا استثناء تاريخيا عندما وقف الرئيس بوش ينتظر قداسة بابا الفاتيكان في المطار. ولحسن الحظ وصل البابا بنديكس السادس عشر مبكرا بربع ساعة عن موعده، فلم يقف الرئيس بوش واسرته ينتظرون طويلا. وبعد استقبال البابا في قاعدة اندروز الجوية في منطقة واشنطن، وقف الرئيس بوش الى ان غادر موكب البابا المطار ، ثم غادر الرئيس بعده. ولعل تفسير هذا الاستثناء التاريخي يعود الى ثلاثة اسباب شخصية وانتخابية وسياسية. السبب الشخصي هو أن الرئيس بوش رجل متدين ، وإن كان لا ينتمي الى الطائفة الكاثوليكية التي يتزعمها بابا الفاتيكان. ألم يقل الرئيس بوش إنه استهلم قرار غزو العراق من ارادة سماوية عليا؟ والسبب الانتخابي هو ان حزبه الجمهوري في حاجة ماسة الى اصوات الكاثوليك في الولاياتالمتحدة ، وعددهم ستون مليونا، للاحتفاظ بالبيت الأبيض واستعادة الأغلبية التشريعية في انتخابات نوفمبر المقبل. الكاثوليك يشكلون خمس عدد السكان في اميركا. والسبب السياسي هو ان سياسات حكومة بوش تتفق مع تعاليم الفاتيكان بشأن عدد من القضايا المثيرة للجدل مثل الإجهاض. هناك اختلافات بين البيت الأبيض والفاتيكان بشأن قضايا اخرى، مثل الحرب في العراق التي عارضها البابا منذ البداية، ولكن البابا اثناء زيارته لمدينتي واشنطنونيويورك، لم يتحدث عن هذه الحرب، لأن هناك اليوم من الهموم التي تواجه الفاتيكان في اميركا ما هو اخطر على الكنيسة من العراق. تحدث البابا عن حقوق الإنسان في كلمة القاها امام الأممالمتحدة، وهذا موضوع مناسب امام محفل دولي مناسب. وتحدث ايضا عن المهاجرين غير الشرعيين المتدفقين على الولاياتالمتحدة من اميركا الجنوبية. ولعل السبب في اهتمام البابا بنديكس السادس عشر بأمر هؤلاء المهاجرين هو انهم من رعاياه الكاثوليك. وكلما فتحت الولاياتالمتحدة ابوابها امام هؤلاء، وسمحت لهم بالإقامة الشرعية فيها، كلما زاد عدد رعايا الفاتيكان في الولاياتالمتحدة وزاد نفوذه فيها. غير ان اهتمام البابا بأمر المهاجرين يعود ايضا بدون شك، ولو جزئيا، الى اهتمامه بالأوضاع الإنسانية التي تواجه الناس بصورة عامة في انحاء العالم. معظم الأميركيين يريدون وقف تدفق الهجرة غير المشروعة وتشديد الحراسة على الحدود الأميركية وعدم اعطاء المهاجرين غير الشرعيين امتيازات المهاجرين الشرعيين. لكن المحنة الكبرى التي واجهت بابا الفاتيكان في اميركا، كانت الفضائح الجنسية التي اقترفها قساوسة الكنيسة الكاثوليكية مع رعاياهم من اطفال وفتيات ونساء، بل وذكور في مقتبل العمر. هؤلاء وضعوا ثقتهم بالقساوسة، وسلموهم زمام حياتهم، وعواطفهم، ومستقبلهم، فاكتشفوا انهم استأمنوا الذئب على الغنم. وكانت هذه الفضائح، ولا تزال، اكبر مصدر لتمرد كاثوليكي اميركي على الكنيسة الكاثوليكية، يضاف الى عوامل التمرد التقليدية الأخرى، التي جعلت الكثير من الكاثوليك الأميركيين يتباعدون عن الفاتيكان. من بين هذه العوامل رغبة الكاثوليك الأميركيين باستقلالية سياسية عن الفاتيكان، الذي هو حكومة اجنبية مقرها روما، يفترض انها تحكم مواطنين اميركيين ولو دينيا. ومن بين هذه العوامل ايضا ان كثيرا من الكاثوليك الأميركيين اليوم اكثر ليبرالية من التعاليم الكاثوليكية التقليدية بشأن الزواج والطلاق والإجهاض وخلايا الأجنة، بل وبشأن مراسم وشعائر ومظاهر يرى فيها كثير من الكاثوليك الأميركيين تناقضا مع مبادئ المجتمع الأميركي القائمة على المساواة والتكافؤ وتلاشي الطبقية. لكن بابا الفاتيكان جاء الى الولاياتالمتحدة تسبقه سمعته كمحافظ متشدد صدرت عنه اقوال وأفعال قللت من حرارة الترحيب به مقارنة بسلفه يوحنا بولس الثاني. احتشد في الاستاد الرياضي 42 الفا من الناس لحضور القداس الذي اقامه البابا في الهواء الطلق تحت شمس دافئة وطقس معتدل هذا الأسبوع. في العام 1979 احتشد تحت المطر 400 الف من الناس لحضور القداس الذي اقامه سلفه البابا السابق يوحنا بولس الثاني. من بين الذين رحبوا بزيارة بنديكس السادس عشر الكاثوليك والإعلام والمسلمون في اميركا. ومن بين الذين تباعدوا عنه ايضا بعض الكاثوليك والإعلام والمسلمون في اميركا. بعض كاثوليك اميركا تباعدوا عن البابا بفعل مرور الأجيال. عبر عن هذا التباعد المؤلف الكاثوليكي بيتر مانسو، عندما قال إن والدته كانت تأخذه وهو في الخامسة، وتلفه في ملابس ثقيلة لحمايته من البرد والمطر، لكي يشاهدوا موكب البابا وهو يمر في شوارع المدينة كلما جاء لزيارة اميركا. ووصف ابتهاجه الكبير وهو طفل بمرأى لمحة سريعة من سيارة البابا، دون ان يرى البابا نفسه. أما اليوم فقد كان المؤلف مع ابنته الصغيرة في السيارة عندما مر بالصدفة موكب البابا في شوارع المدينة. وعندما قال لها: انظري. هذا هو البابا، ردت ابنته متساءلة: ومن هو البابا؟ الصحف الأميركية بعضها نشر صورة وصول البابا في الصفحة الأولى، مثل واشنطن بوست، والبعض الآخر، مثل نيويورك تايمز في الصفحة قبل الأخيرة المقابلة لصفحة الوفيات. وبعض الصحف لم ينشر شيئا عن وصوله. أما كيف استقبل المسلمون في اميركا وصول البابا، فهذا موضوع آخر. عن صحيفة الوطن العمانية 23/4/2008