مصر و«حماس»: «حدود» الأزمة محمد صلاح عكس رد الفعل المصري السريع والغاضب في آن على تصريحات بعض قادة حركة «حماس» بمعاودة اقتحام خط الحدود مدى الانزعاج المصري من ذلك «الصداع» الذي يبدو أنه تحول إلى مرض مزمن على الجانبين، وبات على مصر و«حماس» أن تتعايشا معه. تعاني مصر صداعاً آخر داخلياً يؤرقها ويزعجها، لكنها وجدت الطريقة المثلى للتعاطي معه، ويبدو أن الحكومات المصرية المتعاقبة حسمت العلاقة مع جماعة «الإخوان المسلمين» واعتمدت أسلوباً يقوم على توجيه ضربات إجهاضية كل فترة إلى الجماعة وتجفيف منابع التنظيم واستبعاده من كل سباق سياسي بعدما قفز «الإخوان» وحققوا نجاحاً ملفتاًَ في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام 2005 بحصول الجماعة على 88 مقعداً في البرلمان، وتؤكد كل الشواهد ومختلف الفعاليات السياسية التي جرت منذ ذلك التاريخ أن الأمر لن يتكرر وأن ما جرى في انتخابات مجلس الشورى ثم انتخابات المحليات مروراً بقضية «تمويل الإخوان» التي تنظر فيها محكمة عسكرية وعشرات الحملات التي استهدفت ناشطي الجماعة يمهد الأجواء لتغييب «الإخوان» عن الانتخابات البرلمانية التي ستجري عام 2010. لكن الأمر بات مختلفاً حين تدير الدولة المصرية العلاقة مع حركة «حماس». وليس سراً أن المسؤولين المصريين يرصدون سلوك الحركة وإيقاع عملياتها سواء صوب إسرائيل أو في الاتجاه المصري ويعتقدون أن بصمات سورية لم يعد من الممكن اخفاؤها عند تحليل التصريحات الصادرة عن قادة «حماس» أو أفعال قادتها. وتجد القاهرة نفسها في موقف بالغ الصعوبة فهي دائما تسعى إلى فرض حركة «حماس» على أي معادلة لحل القضية الفلسطينية وكذلك حين يجري نقاش حول خلاف الحركة مع السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس (أبو مازن) أو حتى في جهود التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو عند الحديث عن الحل النهائي للقضية. وفي كل مرة يؤكد المصريون أن الحركة صارت أمراً واقعاً لا بد من التسليم به والتعايش معه حتى وإن اختلفت الرؤى حول أفكارها ومبادئها أو سلوكها، وفي الوقت نفسه فإن الريبة في نيات الحركة وعلاقتها المباشرة وغير المباشرة بجماعة «الإخوان المسلمين» ومخاطر تصدير أفكارها إلى بعض المصريين في سيناء بما يهدد الأمن هناك ويؤثر على حال السياحة في شبه الجزيرة، وتكرار التهديدات باقتحام الحدود، كلها معضلات يجد المسؤولون المصريون أنفسهم مضطرين للتعاطي معها عن طريق ملفات أمنية أكثر بكثير من الأبعاد السياسية. وظلت العلاقة بين حركة «حماس» ومصر جيدة حتى سيطرة الحركة على قطاع غزة في حزيران (يونيو) الماضي، ولم تؤثر على حُسن التعامل بين الطرفين العمليات الإرهابية التي وقعت في سيناء والتي سعت بعض الشخصيات المصرية إلى الربط بينها وبين ناشطين في «حماس» في غزة بالحديث عن علاقات بين الأصوليين المصريين الراديكاليين وبين بعض أفراد الحركة داخل الأراضي الفلسطينية. غير أن التدهور في العلاقات المصرية - السورية على خلفية الأزمة اللبنانية أثّر بشدة على تلك العلاقة وباتت القاهرة تعتقد أن «حماس» تعمد في بعض الأحيان إلى «تسخين» الأجواء لتخفيف الضغوط عن دمشق تارة أو للضغط على القاهرة تارة أخرى. ويسود اعتقاد في العاصمة المصرية بأن «حماس» التزمت سلوكاً هادئاً قبل وأثناء القمة العربية لمساعدة دمشق على تمريرها وعقدها من دون معضلات في ظل غياب الرئيس المصري حسني مبارك والملك عبدالله بن عبدالعزيز. كما ربط بعض المصريين بين الموقف المصري من القمة وإطلاق تهديدات بالعودة إلى اقتحام الحدود مجدداً. ويبدو أن الأسابيع المقبلة ستشهد مزيداً من الضغط في علاقات مصر بحركة «حماس»، إذ لا يبدو في الأفق حل سريع للأزمة اللبنانية وليس هناك أمل في توافق مصري - سوري قريب يحل التناقض بين مواقف البلدين في شأن الأزمة اللبنانية والدور الإيراني في المنطقة، كما أن المواجهة بين الحكومة المصرية وجماعة «الإخوان المسلمين» في الداخل في سبيلها إلى التصاعد وكلها أمور تزيد من احتمالات تزايد التوتر بين الحركة ومصر التي توعدت بردود حاسمة إذا ما انتهكت الحدود مجدداً. وبحسب كل تلك المعطيات يبدو أن مشهد اختراق الحدود سيتكرر، لكن رد الفعل سيكون مختلفاً لأن حدود الأزمة تتجاوز مجرد حدود غزة. عن صحيفة الحياة 13/4/2008