حروب أمريكية جديدة أو الإفلاس إميل أمين في إطار الاستعدادات لفصل جديد من فصول الحرب، سربت وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية CIA الأيام الفائتة صورًا لأهداف إيرانية مرصودة للانقضاض عليها ضمن سيناريو يتجاوز تأخير سعي إيران في امتلاك السلاح النووي ليصل إلى فكرة إعادة إيران عدة قرون للوراء. هل هذا حديث جديد؟ بالمطلق لا، في حين يبقى التساؤل من يقف وراء إذكاء نيران الحروب في الشرق الأوسط خاصة، وحول العالم كافة، بصورة تكاد تكون منتظمة وإن تسارعت وتيرتها مؤخراً، فعوضاً عن حرب كل عشر سنوات تم اختصار الفترة إلى خمس سنوات تقريبا؟ الجواب هذه المرة عند الكاتب والمؤلف الفرنسي الشهير فرانسوا ميسان وعبر كتابه المثير “شبكة كارلايل.. ممول الحروب الأمريكية"، ماذا عن تلك الشبكة؟ باختصار غير مخل هي إحدى أذرع الحكومة الأمريكية الخفية التي تدير الولاياتالمتحدةالأمريكية لحسابها ولا تغدو أي إدارة رسمية جمهورية أو ديمقراطية إلا كالدمى بين أيديها مما يعود بنا بداية وقبل الحديث عنها إلى ايزنهاور وخطاب الوداع. كان ذلك في صبيحة السابع عشر من يناير من العام 1961 قبل تركه منصب الرئاسة بثلاثة أشهر، وفيه أشار بالتصريح لا بالتلميح للمخاوف الحقيقية المحدقة بأمريكا والمتمثلة في حصول “المجمع العسكري الصناعي" على نفوذ غير مشروع في البلاد، واعتبر الرجل أن ظهور قوة على هذا النحو أمر كارثي، واستمراره يعني الإجهاز على الحريات المدنية والعملية الديمقراطية، ولن يكون العسكر وقتها سوى أدوات الأذرع الخفية لمصانع الأسلحة وتجمعات صناع القرار والأفكار بشأنها. والناظر بعين العناية لأحوال الولاياتالمتحدة منذ العام 2000 يجد أن إنذار ايزنهاور قد ذهب سدى، فالسلطة سمحت إن لم تكن شجعت البنتاجون على أن يضع نفسه بين أيدي الشركات الخاصة لصناعة السلاح وجماعات المال التي تديرها مثل شبكة كارلايل والتي تعتبر جهاز تأثير وآلة مضاربة مالية في الداخل الأمريكي، وتقضي خطة صندوق الاستثمارات المالية لها بأن يحتل قطاع الصناعات العسكرية مركز الصدارة بين أولوياتها. وبحسب المعلن عنه وهو قليل بجانب الخفي في مسيرة شبكة كارلايل فإن أعضاءها من علية القوم في المجتمع الأمريكي، مديرون عامون لشركات تصنيع السلاح، ومسؤولون عن شركات المرتزقة، وشخصيات من وزارة الدفاع الأمريكية. أما العدد الأكبر فهم محامون ومستشارون للرئيس بوش في مختلف المجالات، ما يؤكد أن الشبكة أكبر بكثير من مجرد شركة استثمار مالي، إنها نادٍ يضم العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين، الذين يمتازون بشدة تهافتهم على تحقيق أكبر المكاسب في أقصر الآجال، وقد اختاروا لهذه الغاية أحسن المصادر، النفط وتجارة السلاح، ولهذا كان من الطبيعي أن ينصب اهتمامهم الحالي على الخليج العربي وإذكاء نيران الحروب في الشرق الأوسط. أما المؤسسون لتلك الشبكة فهم أربعة تدلل أسماؤهم على عمق علاقاتهم الخفية بالاليجاركية والصهيونية العالمية المالية منها والسياسية، “ستيفن نوريس" و"ديفيد روبنشتاين" و"دان دانييللو" ثم “ويليام كونواي" وكل منهم أسطورة في عالم المال وول ستريت، وقد أشعلت نجاحاتهم الشخصية السريعة والمتتالية نار جشعهم إلى درجة أن قرروا توحيد كفاءاتهم ودفاتر عناوين عملائهم واختاروا في العام 1987 اسم الفندق الشهير “كارلايل" الواقع في “جادة ماديسون" في نيويورك عنواناً. وفي أقل من عام على التأسيس كانت الشبكة تحتل مكانها بين المؤسسات الخمس الأولى في عالم المال والاستثمار بنيويورك، خاصة وأن هذه الشركة الوليدة لا تعرف حدّاً، لا في كمية ولا في طبيعة ما تبيعه، من الدبابة إلى الشقة السكنية الفاخرة، ومن شبكات الهاتف إلى خطوط أنابيب النفط الخام. وبحسب فرانسوا ميسان فإن زبائنها تنوعوا من وزارة الدفاع الأمريكية إلى كوريا الجنوبية، وفي هذه السياقات لا توجد شبهة مبالغة في القول إنها تحتل مركز القرار السياسي للولايات المتحدةالأمريكية، وبالتالي أصبحت قريبة من مركز الإعصار الذي ينفث باستمرار نحو البيت الأبيض منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. والشاهد أن الشبكة قد حرصت ونبهت أعضاءها إلى ضرورة البعد كل البعد عن وسائل الإعلام على الأقل في السنوات الأولى لنشأتها، وحتى لا تفتح الملفات المغلقة عن علاقاتها الثلاثية المشبوهة ما بين عائلة الرئيس بوش والمقربين منها وأطراف عربية وشرق أوسطية، ورغم ذلك فإن العديد من البرلمانيين ورجال السياسة والاقتصاد الأمريكيين كانوا قد بدأوا يلحون في طرح تساؤل حول العلاقات المثيرة للشبهة والجدل بين صناعة السلاح الأمريكية والسلطة المركزية من جهة وبين مساهمين شرق أوسطيين وبعض الأطراف الدولية الأخرى. غير أن زلزال عام 1989 وسقوط حائط برلين دعا لتأجيل النقاشات، ذلك لأنه في تلك السنة أعلن وزير الدفاع الأمريكي ديك تشيني اقتطاع 180 مليار دولار من ميزانية البنتاجون، والسبب واضح لم تعد هناك حرب باردة بعد. كان الأمر مدعاة جذرية لأن يسيطر القلق على إدارة كارلايل، غير أن وجود أحسن الأصدقاء في أعلى المناصب وكون آل بوش يقطنون البيت الأبيض، وتشيني رجل هاليبرتون يسيطر على مقدرات البنتاجون، جميعها كانت مكاسب كبيرة كافية لتبديد مخاوف الشبكة، وجاءت حرب العراق وعاصفة الصحراء عام 1990 لتنقذ أعمال الشبكة من حالة الكساد، بعد أن أضحى النفط العربي قاب قوسين أو أدنى من سيطرتها، وباتت مصانع السلاح تعمل ليل نهار لتعويض الفاقد ولتدور عجلة الاقتصاد الأمريكي على أحسن وجه، فيما يحقق الشركاء أعلى نسب أرباح في تاريخ المجموعة في ظل برميل نفط ثمنه لا يتجاوز 12 دولاراً ما جعل إدارتي بيل كلينتون تشهدان ازدهاراً اقتصادياً غير مسبوق. هل التاريخ يعيد نفسه؟ الكساد والانهيار الاقتصادي يكاد يضرب أركان الإمبراطورية المنفلتة بحسب تعبير المؤرخ البريطاني “اريك هوبسبوم"، وديك تشيني رئيس الظل يطوف في المنطقة الشرق أوسطية، والأساطيل البحرية لأول مرة منذ عام 2003 تتواجد على ذلك النحو المنذر بالحرب. هل تم اتخاذ القرار؟ يبدو أن شبكة كارلايل وأذرعها الأخطبوطية بالتعاون مع شبكات مماثلة قد وضعت خارطة جديدة لم تتضح علاماتها في الأفق بعد، وإن باتت في حكم المؤكدة باعتراف الجنرال ليونيد ايفاشوف نائب رئيس أكاديمية العلوم الجيوبولتيكية الروسية، أنها الحرب، حرب كارلايل والمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وإلا دونها سيتم إشهار إفلاس الإمبراطورية الأمريكية وكارلايل على الملأ. عن صحيفة الخليج الاماراتية 12/4/2008