هل لهذه الثقة.. رصيد على الارض؟ محمد خروب لافت ومثير، التصريح الذي ادلى به الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس في عمان أول من أمس الاثنين.. انا واثق من أننا سنحصل على سلام شامل في عام 2008 قال عباس.. وإذ يمكن القول - في تردد وغير يقين - ربما يكون لدى الرئيس الفلسطيني من المعطيات والتعهدات السرية، ما جعله يخرج على الناس بمثل هذه البشرى التي يمكن وصفها بالعمومية، فإن الوقائع على الارض، وخصوصاً ما اسفرت عنه لقاءاته العشرة مع ايهود اولمرت (اللقاء الحادي عشر سيكون يوم الاثنين المقبل 7/4)، لا توحي بأي تفاؤل كالذي ذهب اليه عباس، ما يعني أننا أمام أحد احتمالين لا ثالث لهما، الأول يقول ان ثمة قناة( سرية) يجري العمل عليها في الخفاء بين طواقم المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، دفعت بعباس الى الاعلان عن ثقته هذه وإما ان يكون مجرد بالون اختبار أو تصريح مجاني، يراد من ورائه رد حملة الانتقادات اللاذعة التي توجه اليه من قبل اطراف عديدة، وخصوصاً فلسطينية، يدعو بعضها الى قطع المفاوضات مع اسرائيل واعلام الشعب الفلسطيني والعالم بأن حكومة اولمرت غير جادة وأنها تستهدف تقطيع الوقت وتكريس سياسة الامر الواقع على الارض وخصوصاً في القدس.. يصعب والحال هذه معرفة حقيقة الامور والدرجة التي باتت عليها، بعد ان نجحت رئيسة الدبلوماسية الاميركية في جولتها الاخيرة، باقناع (...) الطرف الفلسطيني العودة الى طاولة المفاوضات تلك المفاوضات التي توقفت نسبياً بعد محرقة الشتاء الحار، التي نفذتها حكومة اولمرت في الشهر الماضي ضد قطاع غزة.. نجاح رايس المتواضع هذا وربما الوحيد في جولتها، التي رافقتها حملة اعلامية مقصودة لسحب الاضواء عن قمة دمشق، دفعها الى اطلاق تصريحات حذرة لا يمكن مقارنتها بالتصريح الواثق الذي ادلى به الرئيس عباس والذي كان - اذا ما اخضعناه للقراءة الجادة والتحليل الهادئ والمحايد - مفاجئاً، وسط اجواء غير مشجعة ولا تدعو للتفاؤل، سببها استمرار حكومة اولمرت في طرح المزيد من العطاءات لبناء مئات الشقق السكنية في القدسالمحتلة ومحيطها على نحو يخرج القدس من جدول اعمال المفاوضات الدائرة الان - دون جدوى ودون نتائج - والتي اسهم الفلسطينيون انفسهم في ايصالها الى هذا الوضع بعد ان وافقوا على تأجيلها حتى نهاية المفاوضات، وليس الان، تحت مزاعم بأن بحثها الان سيدفع بحركة شاس الى الانسحاب من الائتلاف الحالي الامر الذي سيؤدي الى سقوط حكومة اولمرت والذهاب الى انتخابات مبكرة تقول استطلاعات الرأي، ان بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود هو الاوفر حظاً للجلوس في مقعد رئيس الوزراء ما يعني انهيار المفاوضات وفقدان الفلسطينيين لرجل السلام ايهود اولمرت.. وقد بلع الفلسطينيون الضفدع كالعادة.. عودة الى رايس.. رايس التي تضخم وسائل الاعلام انجازها المتمثل بازالة خمسين حاجزاً من اصل (600) هي مجموع حواجز الاذلال والتنكيل التي تقطّع الضفة الغربية الى كانتونات ومعازل (التي ستزال هي في واقع الحال ليس سوى حاجز واحد في شمالي الضفة فيما الباقي مجرد سواتر ترابية تغلق الطرق والمعابر)، لم تذهب بعيداً في التفاؤل، وقالت في تصريح لافت وهي الى جانب الرئيس الفلسطيني المفاوضات تسير على الطريق الصحيح ومن الممكن التوصل الى اتفاق قبل نهاية 2008. من الممكن حرصت رايس على القول، حتى لا تسهم في خلق اوهام لدى أي طرف، والمقصود هنا الطرف الفلسطيني بالطبع وكي تتنصل من أي التزامات تجاه الدور الذي احتكرته واشنطن لنفسها طوال السنوات السبع العجاف الماضية، وبنسبة مائة في المائة وليس كما كان يقول انور السادات بأن 99% من اوراق (الحل) في يد الولاياتالمتحدة.. وهي كذلك، أرادت ان تخفف (ولكن بانسجام تام) من وقع التصريح الذي ادلى به الرئيس بوش مؤخراً، عندما قال انه يعتقد ان لا فرصة للتوصل الى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين قبل مغادرته البيت الابيض. ثم.. ان الوزيرة الاميركية التي ودعها ايهود باراك رئيس حزب العمل وزير الدفاع بالمصادقة على بناء ستمائة وحدة سكنية في مستوطنة بسغات زئيف (شمالي القدس)، وبتعهد آخر من ايهود اولمرت للحاخام عوفاديا يوسيف الزعيم الروحي لحركة شاس ببناء (800) وحدة سكنية في مستوطنة بيتار عيليت المقامة على اراضي الضفة الغربية في محيط القدس، مارست اسوأ انواع النفاق عندما جهّلت مثل هذه المصادقات والتعهدات، وقالت رداً على سؤال حول استمرار الاستيطان لن ارد على أي تعليقات تصدر من اشخاص (مجهولين) في اسرائيل قبل ان تضيف عبارة بلا معنى او تحديد، ان الادارة الاميركية تطالب اسرائيل بوقف الانشطة الاستيطانية.. (اثناء وجود رايس في اسرائيل أصدرت حركة السلام الان الاسرائيلية تقريراً جاء فيه أن آلاف الوحدات قيد البناء في المستوطنات ومع ذلك تتحدث رايس عن مجهولين). ذكاء أم استذكاء؟. للمرء ان يختار الاجابة التي يريد، لكن السؤال الاكثر اهمية هنا يكمن في الاسباب التي دفعت بالرئيس الفلسطيني الى اطلاق تصريحه الذي يقول فيه انه (واثق) من حصوله على سلام شامل في عام 2008؟.. قد يكون من المفيد الاشارة الى افتتاحية صحيفة هآرتس الاسرائيلية يوم اول من أمس الاثنين، التي جاءت تحت عنوان بفضل مثابرة ليفني والتي كشفت فيها النقاب عن محادثات سرية تديرها وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني مع رئيس الفريق الفلسطيني المفاوض احمد قريع، والتي نقلت عن ليفني قولها انه لا يزال من السابق لاوانه الحديث عن تفاصيل التسويات وينبغي تحديد الحدود مع الفلسطينيين قبل ذلك.. الصحيفة التي دعت الى اسناد ليفني في مساعيها هذه نقلت عن ليفني ايضا ان المحادثات تجري على اساس الاتفاق ان الفلسطينيين ملتزمون بأمن اسرائيل واسرائيل ملتزمة بجودة حياة الفلسطينيين. اذاً، كانت هذه هي القاعدة جودة حياة الفلسطينيين وليس الاستقلال وانهاء الاحتلال وتنفيذ قرارات الاممالمتحدة، فهل نحن امام اتفاق سلام ام صفقة؟ ألهذا اذاً، يجري الحديث عن الثقة واتفاق السلام الشامل؟. عن صحيفة الرأي الاردنية 2/4/2008