دعوة إلى اتحاد كونفدرالي عربي جميل قاسم ما الغاية من عقد «مؤتمرات القمة العربية» التناوبية؟ وما الغاية من «الجامعة العربية» كمؤسسة؟ هل ينبغي ان يشتمل جدول الأعمال العتيد لكل القمم على التداول، حصريا، بالأوضاع الراهنة (الحدثية)؟ وهل يقتصر دور «الجامعة العربية» على الاجراءات «الديوانية» التي لا تتجاوز موازين القوى السائدة في «النظام العربي»؟ أليس من الأجدى استشراف المستقبل بدلا من ان نغرق في موازين الحاضر رغم أهمية متابعة الأوضاع الراهنة؟ لقد دعا كاتب هذه السطور الى فكرة قيام «اتحاد عربي»، بعلم واحد، وعملة واحدة، وبرلمان عربي ذي صلاحيات تشريعية تنفيذية، على غرار الاتحاد الاوروبي (من باب القياس والمماثلة) وحكومة عربية عليا تتابع وتنفذ مقررات القمة العربية، بما يتعلق بالأمور الراهنة والمستقبلية. ان مشروع «الاتحاد العربي» في ظل حالة التجزئة، والتخلف والتطور اللامتكافئ هو الحد الأدنى من الوحدة، التي لا تلغي الكيانات القائمة، وإنما تقوم بها وعليها في اطار كونفدرالي: «كونفدرالية الاتحاد العربي». إننا نناشد الرؤساء والملوك العرب إدراج فكرة «الاتحاد العربي» او «الكونفدرالية العربية» في جدول الأعمال، وهي، كما نرى الرد العربي الواقعي على مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي ينظر الى العرب بمنظار إثنوغرافي (ما دون سياسي ووطني، على أساس الطائفة والمذهب والاثنية). فهل نحن، كعرب نستحق ان نكون أمة مواطنين؟ وهل نحن جديرون بدولة المواطنية (القائمة على مبدأ المواطن والوطن، والأمة؟ يمتد الوطن العربي على مساحة جغرافية كبرى، من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي، ويبلغ تعداد سكانه الثلاثمئة مليون نسمة، ويملك من الثروات ما يمكن ان يحول الثروة الى ثورة سياسية، ديموقراطية، وتنموية من شأنها ان تغير موازين القوى في العالم، وتعطي لهذه الأمة المكانة والمشروعية التي تعادل قوتها، ودورها، الماضي، والحاضر، والمستقبلي. لا نريد ان نعادي العالم، ولا أن نوقف ضخ البترول، ولا «رمي اليهود في البحر»، بل تبني «المسألة اليهودية» كمسألة عربية، باعتبار المواطن اليهودي مواطنا عربيا، في اطار دولة ديموقراطية علمانية في فلسطين، واطار الاتحاد الكونفدرالي العربي على امتداد الوطن العربي. كما لا نريد معاداة الغرب (أميركا وأوروبا واليابان) بل إقامة أفضل العلاقات القائمة على الحوار والتواصل المتكافئ مع كل شعوب وأمم العالم. ومشروع «الاتحاد العربي» ليس جديدا، ولا فكرة الوحدة العربية، ولكن شتان ما بين الجدة والجديد، والوحدة والتأحيد القائم على الأحزاب الشمولية، والقيادات الشخصوية، والمشاريع الايديولوجية المفوتة، القائمة على «اللغة»، وحدها، او العامل الديني، او العنصر، او الرابطة الايديولوجية. ان غاية «الاتحاد العربي» كما نفهمه في عصر الوحدات الكبرى هو خلق نواة مؤسساتية كبرى اسمها «الاتحاد العربي» بعلم واحد (علم فلسطين وهو علم العروبة وفي قلبه عدد من النجوم يوازي الكيانات السياسية القائمة في الوطن العربي (من جمهوريات وممالك وإمارات وسلطنات). وأن يتم تسمية برلمان عربي دائم (مقره دمشق أو بيروت)، وإقرار وصك عملة عربية موحدة (دينار عربي) يوازي قيمة الدولار، كقيمة شرائية، ويحل محله في سوق القطع والعملات والتداول الاقتصادي. تتحدد أهداف الاتحاد العربي على النحو التالي: 1 تحقيق التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين البلدان العربية في جميع المجالات وكافة الميادين، بما يضمن تحقيق السيادة العربية على الأرض، والموارد، والثروات في المنطقة العربية. 2 تطوير التكامل الاقتصادي، والدمج الجمركي، وذلك بتوحيد التعرفة الجمركية، في هدف الغاء الحواجز أمام التبادل الاقتصادي العربي العربي، وهدف اقامة اقتصاد تمحوري (زراعي صناعي تجاري وخدماتي) يعزز الدورة الاقتصادية العربية، ويحقق الاكتفاء والأمن الاقتصادي العربي. 3 السعي لإقامة هيكلية إدارية لمشروع الاتحاد تعزز التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي على أساس تكافئي وتكاملي بين البلدان العربية، بما يعزز التوازن بين الدول والبلدان العربية. 4 العمل على مكافحة شتى أنواع الاستعمار والاستثمار الذي يهيمن على الدول والبلدان العربية، والنضال من أجل الاستقلال والحرية والديموقراطية في علاقة العرب بالغرب والعالم. وذلك لا يلغي المساهمة في دعم السلم والأمن الدولي، على أسس العدل والمساواة، والتكافؤ، والحوار بين الشعوب والأمم والحضارات، بإبراز دور الأمة العربية، كأمة وسطى، من الوجهة الجيو سياسية، وبما تشكله من امتداد حضاري مع الدول الشرقية المجاورة من تركيا وايران حتى اندونيسيا وماليزيا وافغانستان وباكستان. 5 العمل على تغيير «الستاتيكو» في فلسطينالمحتلة، بحيث تنعكس المعادلة، فتعطى الأقلية الاسرائيلية في فلسطين دولة، مسالمة، غير تابعة للغرب، منزوعة السلاح النووي في المنطقة، وذلك في اطار دولة «عربية يهودية»، علمانية، تعددية، ديموقراطية، والحل هذا هو الحل الأجدى والأسلم للمسألة اليهودية التي تحدث عنها المفكرون أمثال ماركس، وسارتر، وروجيه غارودي وحتى ناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي. 6 العمل على انسحاب القوات الاجنبية من العراق الشقيق، فوراً، نحو إقامة حكم عربي ديموقراطي، على أساس شرعة المواطنية وحقوق الانسان العربي والعالمي. ان غاية هذا المشروع على المدى البعيد هي إقامة مجتمع عربي موحد، وديموقراطي تشاركي (اشتراكي من وجهة نظرنا) ولكن الوصول الى هذا الهدف، لا يتم الا بالوسائل الديموقراطية التي تحترم خصوصيات البلدان والشعوب العربية، في الاطار الوحدوي، التطوري العام. ولذلك لا بد من احترام الانظمة والاختيارات الداخلية لأعضاء الاتحاد، مع التعهد بعدم استخدام القوة، والتهديد باستعمال القوة بين أعضاء الاتحاد، كما يقتضي حل النزاعات بالوسائل والطرق السلمية، والعمل على حلها في نطاق الاتحاد العربي ومؤسساته، ولكن هذا الأمر لا يعني التساهل لجهة العمالة، او التعاون او التطبيع مع دول معادية للاتحاد العربي والأمة العربية، في اهدافها الكبرى، في الوحدة، والتنمية والتطور الديموقراطي، التشاركي بين البلدان العربية. وتلتزم البلدان المنضوية في الاتحاد بانتهاج سياسة لا تتعارض مع أهداف الاتحاد العربي ومبادئه وقراراته وتوجهاته، في اطار المصلحة العربية العليا والمشتركة. ومن وجهة إدارية على مؤتمر القمة العربية إنشاء مجلس اتحادي من رؤساء الدول الأعضاء، تكون له سلطة إصدار القوانين والأنظمة والقرارات المتعلقة بالسياسة العليا للاتحاد، واستراتيجيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدفاعية. وتكون رئاسة القمة الدورية هي رئاسة الاتحاد العربي، على أن تشكل حكومة تنفيذية لها صلاحيات اجرائية، عامة، غايتها التنسيق والمتابعة، ويكون لها وزراء مختصون كأي حكومة لدولة عظمى في العالم. ومن المستحسن ان تعقد جلسات الاتحاد في دولة عربية، مستقلة وسطى، ونحن لا نجد حاليا و حتى إشعار آخر إلا العاصمة السورية دمشق، كمقر لهذه الدولة الاتحادية. 7 يعتبر المؤتمر القومي العام، المؤلف من نواب الدول العربية، المنتخبين على أساس الاقتراع العام الخاص بالاتحاد العربي، هو السلطة العليا، كهيئة تشريعية منوط بها حكم الشعب وسيادة الأمة. 8 يعقد المؤتمر القومي دورة عادية كل سنة، كما يعقد دورات استثنائية بطلب من المجلس الأعلى، او بطلب من الحكومة، او من ثلثي الأعضاء، بحسب التطورات والأوضاع السياسية. ويتولى التشريع والتخطيط والتطوير لأهداف الأمة العربية السياسية في الوحدة، والتنمية، والتربية، والتقدم الفردي والاجتماعي. 8 يكون للحكومة المنتخبة من المجلس الاتحادي العام صلاحيات تنفيذية، في الشؤون الخارجية، والداخلية، والدفاعية، والثقافية والعلمية والتربوية، والشؤون الاجتماعية، والعمل، والصحة، والاعلام، والمواصلات والاتصالات، والطاقة، والشباب والرياضة، والزراعة والصناعة والتبادل التجاري البيني، العربي العربي والعربي الدولي. يُعمل على ان تكون ولاية الحكومة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد ما دامت متوافقة مع الخطط الخمسية المعمول بها في اتجاه الوحدة، والتنمية، وتطوير بنى المجتمع العربي. تقوم السياسة الخارجية للاتحاد العربي على العمل على تطوير وتعزيز العلاقات مع الدول الشرقية المجاورة، وعلى دعم قوى حركة التحرر العالمية المناوئة للاستعمار والصهيونية العنصرية والهيمنة الامبراطورية على العالم. وعلى تنسيق السياسات بين دول وحركات التحرر العالمية، المناضلة من أجل الحرية، والتقدم واللااستعمار (محو الاستعمار). وتقوم السياسة الدفاعية على وضع الخطط لحماية أمن الأمة العربية، وصيانة الأرض العربية، من خلال العمل على توحيد الاستراتيجيات العسكرية، اللوجستية، في مجالات التسلح والتدرب والخطط الدفاعية الجماعية، وعلى دعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ضد الاحتلال والعدوان على الأمة العربية. في المجال الاقتصادي: وضع استراتيجية اقتصادية تكاملية، ذات دورة اقتصادية تمحورية، غايتها التكامل الزراعي والصناعي والتجاري بين قطاعات الاقتصاد العربي. ومن خلال التخطيط الاقتصادي القائم على التنمية المستدامة والكفافية، ووضع الثروات في خدمة الثورة الانتاجية، من خلال استراتيجية تنموية (تتكامل في اطارها استراتيجيات تأمين الحاجات والموارد الأساسية ووضعها في اطار عملية التنمية، مرورا بالاحلال محل الواردات، لتغطية الحاجات الأساسية والاكتفاء الذاتي، وصولا الى الثورة التكنولوجية التي تسعى الى امتلاك مصادر التكنولوجيا الحديثة وتحقيق الاكتفاء والانتاج الاقتصادي الزائد على الحاجة، بغية اقامة تبادل اقتصادي متكافئ مع المجموعات الاقتصادية الأخرى في العالم. وهذه الاستراتيجية من شأنها تحقيق الأمن الاقتصادي العربي، وإقامة سوق عربية مشتركة، بما تتضمنه من حرية انتقال الأموال والسلع، والتملك والعمل، والاتصال والتواصل، ووضع قواعد عامة للتبادل الجمركي في منطقة جمركية عربية موحدة. وكذلك توحيد السياسات والمواقف والاجراءات في التعامل مع المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية (البنك الدولي). وهذا يستدعي، بلا شك، الخروج من إسار سياسات البنك الدولي، الرأسمالية (الربوية) القائمة على الاستثمار والمديونية والخصخصة، وحبائلها التي تكرّس هيمنة المراكز الرأسمالية على العالم الثالث، بل والعالم برمته. والخروج من التبعية المالية يستدعي تأسيس بنك عربي قومي، مستقل، غايته تمويل السياسات الاقتصادية التنموية، المستدامة والتمحورية في الوطن العربي. ومن تحصيل الحاصل انشاء مجلس لشؤون البحث العلمي، لتوحيد أساليب وطرق البحث العلمي في كافة المجالات والميادين، والعمل على وقف نزف الأدمغة، واستيعاب الكفاءات وتقديم الحوافز المالية والاجتماعية لها للعمل في الاطار القومي العربي. وعلى صعيد الأحوال الشخصية نرى ضرورة إصدار جواز سفر عربي، الى جانب الجواز القطري، حماية للهوية العربية، ولحرية التنقل والتواصل للعرب في الوطن العربي وخارجه. ومن نافل القول ان السياسات الصحية، الهادفة الى رفع المستوى الصحي وتكامل الخدمات الصحية، والتوحيد والتنسيق في المجال الطبي، هي مسألة لا مندوحة عنها، وذلك بغية تحقيق الأمن الطبي والصحي للأفراد والشعوب العربية. وفي مجال الاعلام، لا بد من اتباع سياسات اعلامية حرة، ووطنية غايتها العمل على إبراز مقومات الهوية العربية، ولكشف المؤامرات والمخططات الاستعمارية والصهيونية الهادفة الى ضرب الأمة العربية، وتكريس التجزئة والتبعية والاستلحاق السياسي. ولا بد من اقامة شبكة مواصلات واتصالات موحدة، في مجال النقل البري والجوي والبحري، وتطوير شبكة من القطارات العربية السريعة، واعتبار المجال العربي البري والبحري والجوي واحداً، وتطوير وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية. ولا بد من اقامة مجلس للطاقة، يضع خطة قومية قوامها مبدأ «ثروة العرب للعرب» ووضع الخطط لتنمية موارد الطاقة، والطاقة البديلة. وطبعا، لا بد من توحيد المواقف في اطار المنظمات الدولية للطاقة. ولا بد من اقامة محكمة عدل عربية تكون بمثابة الجهاز القضائي الرئيسي في السياسات القضائية والحقوقية العربية. ولا بد من ان يكون الاتحاد تداوليا وتناوبيا في عمليات الانتخاب والتصويت وتداول السلطة. أما على الصعيد السياسي فلا بد من تضافر جهود كل قوى التقدم والتحديث والاصلاح السياسي، الديموقراطية، لاقامة حركة سياسية تعددية تتحول مع الوقت الى حركة ديموقراطية ثورية («حدث») توجه السياسات الرسمية والشعبية نحو اقامة مجتمع عربي ديموقراطي موحد، في اطار مشروع يحقق المشروعية للأمة العربية ويعيد لها مكانها ومكانتها الانسانية الكبرى. عن صحيفة السفير اللبنانية 29/3/2008