ايحتاج النّهار الى دليل؟! د. محمد ناجي عمايره لا يختلف اثنان منا على ان قضايا الأمة العربية كلها تتلخص في القضية الفلسطينية، ولهذا سميت قضية العرب الاولى ، او قضية القضايا، او جوهر الصراع العربي الاسرائيلي في الشرق الاوسط. والأخير مصطلح اوروبي هضمناه واصبحنا نستمرئ استخدامه بدلا من الوطن العربي او العالم العربي. ولا ارغب في الخوض في مسألة المصطلحات هذه وما تبعثه في النفس من آلام، وما تثيره من أشجان، اذ ان شيوع استخدام بعضها والتخلي عن بعضها، لدليل واضح على عمق المأساة التي تعيشها امة باتت تنسى اهمية كونها أمة والمصطلحات الدالة على هويتها وكينونتها. بالطبع لسنا هنا في معرض رفع الشعارات القومية الوحدوية إياها التي عاشت لها أجيال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، قبل ان يجري التحول من شعار الوحدة الشاملة الى الوحدة الاتحادية، ثم الى التضامن ووحدة الصف ومن بعد الى الوفاق والاتفاق الذي ما لبث ان اتت عليه الاتفاقية الاولى في كامب ديفيد بين الرئيس السادات ومناحيم بيغن، قبل ان ندخل في عصر الاحتلالات الجديدة الاميركية منها والايرانية وربما الاوروبية بعد حين . واذا كانت قضية فلسطين نفسها قد اصبحت قضايا، ولم تعد واحدة ، واذا كان الاعداء قد نجحوا في استبعاد صيغتها الوحدوية الواحدة وبعد ان كانت قضية العرب اضحت قضية الشعب الفلسطيني، ومن ثم انتقلت من مرحلة جوهر الصراع الى مرحلة الشأن الفسلطيني ، وتقلص هذا الصراع من صراع وجود الى (نزاع حدود) ومن بعد الى قضايا الحل الراهن (المؤقت) وقضايا الحل النهائي، ومن الثورة الى الانتفاضة الى السلطة، ومن المقاومة التي يشارك فيها كل احرار الأمة، ومن البندقية التي هي (هوية ابناء الامة) الى شعارات السلام المنفرد، وتنفيذ الاتفاقيات التي لا تنفذ بدءا بأوسلو وليس انتهاء بكامب ديفيد الثانية والثالثة (وربما الأكثر من ذلك). وها هي المسألة تتقزم اكثر واكثر لتصبح قضية حكومة وطنية او حكومة حماس، ولتتحول الى صراع بين الفصائل. بدلا من ان تكون الفصائل كلها موحدة لمواجهة العدو حتى بالوسائل السلمية. وتحولت الشرعية الفلسطينية من شرعية الحق، الى شرعية اتفاقيات مهزوزة، واصبحت الانتفاضة في خبر كان، بعد ان ودعنا مقولة الثورة التي تجمع العرب وتوحدهم، زعما بأن الوحدة طريق تحرير فلسطين، او ان طريق تحرير فلسطين يؤدي الى الوحدة. ولا ننسى ان بعض الشعارات كان لها فعل المخدّر الذي ثبت الآن انه بداية المؤامرة على فلسطين التي اشبعنا الانظمة العربية واشبعتنا اتهامات بها، حين كان العرب منقسمين بين معسكر الانظمة الرجعية بدعوى الموالاة للغرب، ومعسكر الانظمة التقدمية بزعم التحالف مع الاتحاد السوفيتي نصير الشعوب الذي وجد ذات يوم نفسه ضائعا تائها لا نصير له، فانهار كتمثال من الملح!. اعود الى البداية لأقول الى متى هذه الدوّامة التي تضربنا، والى متى نعزز التمزق والفرقة، ونغذي الانقسام فيحتاج كل شعب عربي الى من يتوسط بين مكوناته لتحقيق ما يسمى ب(المصالحة الوطنية). أليست الأمثلة صارخة في فلسطين والعراق ولبنان والصومال والسودان والمغرب العربي كله..؟! أم يحتاج النهار الى دليل!. عن صحيفة الوطن العمانية 23/3/2008