14 آذار بين الشعبي والسياسي زهير قصيباتي قبل مرحلة ما بعد القمة العربية، والتي يُخشى أن تنفلت فيها ضوابط التهدئة في لبنان، من دون أي ربط بين حضوره القمة أو غيابه وبين الانفلات، بات البلد حاضراً في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية... وتُسابِق الهواجس من انفلات آتٍ على وقع الفشل في تطبيق المبادرة العربية، بدءاً من العجز عن انتخاب رئيس للبنان، ريبة إزاء دعم واشنطن «ثورة الأرز» في ذكراها الثالثة وإزاء أهداف إسرائيل التي حرصت على ابلاغ دمشق أن قواعد اللعبة تغيّرت، إذ ستعتبر أي عملية ينفذها «حزب الله» انتقاماً لاغتيال عماد مغنية، هجوماً سورياً. بالتالي، حين يبادر الجيش الإسرائيلي الى الرد على «ذراعٍ عسكرية لدمشق» باستهداف الأراضي السورية، تصبح شرارة الحرب الاقليمية جاهزة، وقد تطيح مفاعيل القرار 1701. إذ ذاك، يصبح السؤال هل تطيح نتائج الحرب كل بانوراما الصراع بين 14 آذار والمعارضة، بفرض وقائع جديدة تفاجئ الجميع؟ أمّا الاحتمال المعاكس، أي تمديد حال الشلل والانقسام في لبنان، الى ما بعد الانتخابات الأميركية، فإن كان يُكسِب ايران هامش مناورة في صراعها مع الولاياتالمتحدة، عبر الإمساك بالورقة اللبنانية (أو «خطفها»)، ليس متوقعاً أن يضيف جديداً الى أوراق طرفي الصراع في الداخل، ولو أولت واشنطن لبنان أهمية خاصة، فاجأت سمير جعجع. والحال أن لا أحد في أوروبا وأميركا والمنطقة بدّل اقتناعه بعجز الأطراف اللبنانيين عن حسم انقساماتهم بأنفسهم، مهما تكررت الدعوات الى وقف التدخلات الخارجية. وهي دعوات تجمع واشنطن وموسكو وباريس وعواصم الخليج والقاهرة ودمشق وطهران، الى الحد الذي قد يوجه أصابع الاتهام الى بورما أو ماليزيا أو جزر القمر، بوضع العصي في دواليب الوفاق اللبناني الضائع. أما تعليق الآمال على نزوع اللبنانيين الى النقد الذاتي، لعلهم يختصرون معاناة الانقسام، كما حاولت قوى 14 آذار، فيفترض «شراكة» متبادلة في مثل هذا النقد، وشرط الإصغاء، والطلاق مع كل لغة كرست الشروخ بين ما بات يسمى مجتمعات لبنانية. يفترض خصوصاً أن تبادر المعارضة أيضاً الى نقد ذاتها والاعتراف بأخطائها، وتحديد برنامج سياسي واقعي، وأن تعترف علناً بما اذا كان استبدال اتفاق الطائف هو هدفها الحقيقي والنهائي. أول ذاك النقد يطاول تساؤل «حزب الله» ألا يعني اتهام الأكثرية للمقاومة بأنها تعمل للخارج اتهاماً بالخيانة، فبالحجَر ذاته ترشق المعارضة فريق 14 آذار. ولم يعد مجدياً الكلام على أضرار التخوين التي تعاظمت الى حدود اليأس من أي حوار. ولكن، حتى اذا جاءت دعوة العماد ميشال عون الى «طائف وطني داخلي»، مطالبة صريحة بتغيير تركيبة النظام السياسي للبلد، فهي لم تدنُ بعد من موقف جامع للمعارضة يجعل هذا الاتفاق «الوطني» محوراً لأي تسوية. والسؤال ما اذا كانت قوى 14 آذار بعد ثلاث سنوات على «انتفاضة الاستقلال»، مارست النقد الذاتي فعلاً، لتسهيل التسوية، أم أعادت انتاج أهدافها لتبدّل في الشكل فقط. إن أحداً لا يمكنه انكار حقيقة أن الوثيقة السياسية لهذا الفريق الذي لم يتخلّ عن التعايش ضمن لبنان واحد، قطعت نصف الطريق لملاقاة سورية تحت سقف «التطبيع» للعلاقة بين البلدين، فتخلت بالتالي عن تشدد رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، ونجحت في فصل هذه العلاقة عن ملف المحكمة الدولية. بديهي أن تكرر مد اليد لحوار مع المعارضة، إنما العبرة تبقى في الفوز بلغة الإصغاء وتوأمة الوثيقة بين ما هو شعبي وما هو سياسي، بين حاجة «14 آذار» الى استنهاض وحدتها و «شارعها»، وبين إجادتها لغة جر الفريق الآخر الى الحوار، على قاعدة صيغة سياسية للداخل، وخريطة طريق لعلاقات لبنان مع الشقيق والصديق والعدو. غالب الظن أن الوثيقة التي نجحت في مخاطبة «الشعبي»، اخطأت في مفردات عرض تجديد الحوار السياسي، اذ انطلقت من توصيف الماضي - الواقع، كما في محاولة تعريف المقاومة، والتشديد على شكوك 14 آذار ازاء هدف «اعادة تحويل لبنان مقاطعة سورية ورأس جسر لإيران على البحر الأبيض المتوسط»... ودور المعارضة في ذلك. وبين النجاح ونصفه، قد ترى المعارضة في الوثيقة «مضبطة اتهام» مشفوعة برؤية متكاملة لبراءة مشروطة، فيما وضع الملح على جروح «البعد الثقافي» للانقسام «الحاد» في لبنان، لا يعني سوى أن هذا البلد ولو أُنقِذ بتسوية سياسية سيبقى كيانه مهدداً بكارثة تباعُد مجتمعاته حتى «الطلاق»... في الشارع. عن صحيفة الحياة 17/3/2008