الضامن وشروط «الطلاق» زهير قصيباتي حين استشهد الرئيس رفيق الحريري قبل ثلاث سنوات، لم يكن أحد يتخيل ان مصير لبنان سيصبح في دائرة الاغتيال، كياناً ومؤسسات ووحدة شعب، أو يظن ان مجرد ترتيب لقاء بين الأطراف السياسية المتخاصمة سيتطلب وساطات دولية وعربية... أو أن الصراع مع إسرائيل، بعد نحو ثماني سنوات على تحرير جنوب لبنان، سيقسّم البلد، رغم المخرج الذي ثبّته اتفاق الطائف، كما بات اللبنانيون منقسمين على «جنس الملائكة»، والمساعدات الخارجية المادية و «باريس 3»، والعلاقات مع سورية وإيران، والدعم الأميركي لحكومة فؤاد السنيورة وسلاح المقاومة و «الشراكة» في الحكم... وتقنين الكهرباء وزيادة الأجور. باتوا منقسمين على كل شيء، إلا دماء الشهداء التي تكاد ان تكون العصبة الوحيدة الباقية التي لا تحتاج الى تدخل الوسطاء بينهم (!) أما الذي تغيّر في وطن التنوع والتعدد منذ استشهاد الرئيس الحريري، فلعله أكثر من ان يُحصى، خصوصاً لأن اللبنانيين اعتادوا التعايش قسراً مع توالد المحن. ألذلك يفضل رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط «طلاقاً ودياً» مع «حزب الله»؟... وربما يقال انه أطلق رصاصة الرحمة على الحوار ومبادرة الجامعة العربية، وهو يتحدث «بهدوء» ومرارة كبيرة، بعدما كانت كلمته «النارية» قبل أيام لتعبئة القواعد الشعبية لقوى 14 آذار، عشية ذكرى استشهاد الحريري، من اجل تكرار الحشد المليوني في قلب بيروت. إن أخطر ما في يأس جنبلاط من «أكذوبة التعايش»، رغم انتقاد كثر ما يبدو تسرعاً في خرقه سقف الخطاب السياسي، في ظل احتقان يضع لبنان على عتبة زلزال كبير آخر - بفعل ارتدادات زلزال 14 شباط 2005 - ورغم إيحاء بتباين بين لغة رئيس «اللقاء الديموقراطي» المتشائمة اليائسة، ولغة زعيم «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري الذي لم يقفل بعد كل أبواب الأمل بتسوية ما... الأخطر في يأس جنبلاط من إمكانية التعايش مع الفريق الأساسي في المعارضة (حزب الله) ونفض يده من الحوار الذي يرعاه الأمين العام للجامعة عمرو موسى، انه يعكس اقتناع شريحة متزايدة من اللبنانيين بلا جدوى دفع مزيد من الأثمان والشهداء، من اجل تسوية «شبه مستحيلة». لكن ذلك لا يلغي ايضاً احتمال «النزع الأخير» للتصعيد إذا صحَّت توقعات المتفائلين بحل، ستتبلور ملامحه قبل آخر الشهر، كما لا يُسقِط إمكان ممارسة سياسة التلويح بالخيار المر، لاستعجال الوساطات والضغط على المعارضة، لتقول كلمتها الأخيرة. وبعيداً من حسابات الضغوط «الصامتة» اقليمياً، لتدوير زوايا المأزق، يبقى بين وقائع المشهد الذي ورّط وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بزلّة لسان استدركها سريعاً بعدما كاد ان يعلن يأسه من اللبنانيين، متبرئاً من «لبنانيته»، ان مسلسل الإشكالات الأمنية في الشارع، ومعارك العصي والحجارة ترسم مزيداً من خطوط التماس النفسية. والأكيد ان لا احد يملك أي ثلث أو ربع ضامن لمنع اهتراء ما بقي من تماسك أمني، وتشديد وطأة المأزق على الجيش او استنزافه. تغيّر الكثير في لبنان منذ استشهاد الرئيس الحريري، بل تبدّل لبنان الى الحد الذي يعيد مسألة الهوية الى المربع الأول، ما قبل اتفاق الطائف، ما دام 14 آذار و8 آذار على حافتي الأضداد. لا انقسام على حماية الوطن، الصراع على تفاصيل الحماية وهويتها وسلاحها... لا خلاف على توقع مزيد من الاغتيالات، وانضمام اسماء أخرى الى لوائح الشهداء، الانقسام الانتحاري اسمه الاتفاق على كل شيء، أو لا شيء، فيما جغرافيا الانهيارات لا توفر شارعاً أو حرمة لأي مرجع أو سياسة. لا أحد يجهر برغبة في تقسيم البلد، فالتقسيم مستحيل كما يقول جنبلاط، لأن حجم الجغرافيا صغير، أكثر ضآلة بكثير من مآزق اللبنانيين. كل في منطقة نفوذه؟ أمن «ذاتي» ومزيد من السلاح؟... حتى الآن، بصيص أمل بمبادرة الجامعة، وبأن تنقذها مساع عربية ونصائح باستدراك ربع الساعة الأخير، قبل عودة خيار التدويل، والتلويح بأثمان التعطيل محلياً وإقليمياً. تبدل الكثير منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري، تقترب الأزمة من الحل الانتحاري، أو تمديد أعراضها المأسوية... وليس مصادفة ان يأتي اغتيال عماد مغنية عشية ذكرى 14 شباط، وهو ما هو بالنسبة الى «حزب الله» وجمهوره، لينبّه اللبنانيين مجدداً الى ان استعادة الوحدة بالتنازلات، تبقى الملاذ الأخير للهروب من اغتيال وطن. عن صحيفة الحياة 14/2/2008