إسرائيل تنجح في «تعويم» حزب الله و«تعميم» تجربته عريب الرنتاوي رفعت مدينة بيت لحم ، عاصمة المسيحية في فلسطين والمنطقة برمتها ، أعلام حزب الله أمس الأول ، ورددت عشرات ألوف الحناجر هتافات مطالبة بالانتقام ، ومرددة "حزب الله آت آت" ، فيما كانت صواريخ "القدس" و"الغراد" تسقط على سديروت وعسقلان ، ردا على عملية "الإعدام البربرية" التي نفذتها وحدات المستعربين ، أو فرق الاعدام الصهيونية ، بحق شبان من المقاومة قتلوا بدم بارد ، لتدفن إلى جانب جثامينهم التي لفت بأعلام الحزب الصفراء ، آخر محاولات التهدئة المصرية. والحقيقة أن إسرائيل بسياساتها وممارساتها العنصرية المضمخة بدماء الفلسطينية ، تجعل حياة "المعتدلين" الفلسطينيين صعبة للغاية ، إن لم نقل متعذرة حد الاستحالة ، فإذا كان "الاعتدال الفلسطيني" قد فقد شطرا من الوطن الفلسطيني المحتل والمحاصر ، بعد 14 حزيران الفائت ، فإنه اليوم يبدو "معزولا ومحاصرا" في المقاطعة ومكاتب حكومة تصريف الأعمال ، أما الضفة برمتها فهي تتجه بفعل السياسات الإسرائيلية هذه ، نحو خيارات لم تكن ترغب بها ، ولم تكن مدرجة على جدول أعمالها. قبل أشهر ، وفي هذه الزاوية بالذات ، قرأنا دلالة "الجماهيرية المتصاعدة" لحزب "نخبوي" ، ظل على مدى السنوات والعقود الخمسة الماضية ، حزبا "حلقيا" يعد بالعشرات القليلة ، لنفاجأ بأنه - حزب التحرير - ينظم المهرجانات التي تستقطب ألوفا مؤلفة من المشاركين ، وها نحن نسمع اليوم شعارات التأييد والاستدعاء لحزب الله تتردد بقوة في جنبات بيت لحم ، في ساحات المهد ، وعلى مقربة من "العاصمة الأبدية الموحدة". إسرائيل التي تعيش هذه الأيام هواجس "أربعينية" الحاج رضوان ، أو عماد مغنية ، وتبدو مستنفرة من الرأس حتى أخمص القدمين ، إسرائيل التي تصنف حزب الله كخطر أول بعد إيران ، يتقدم خطر الجبهة الجنوبية ، وتحسب ألف حساب لصواريخه متعددة المديات ، إسرائيل هذه باتت خبيرة في "تعويم" حزب الله ، و"تعميم" شعبيته ، ليس في لبنان فحسب ، بل وفي فلسطين والخليج والعراق وغيرها من دول المنطقة وساحاتها المشتعلة ، حيث باتت قطاعات واسعة من الرأي العام في هذه البلدان ، تنظر إلى الحزب بوصفه "أنموذجا ملهما" ، ومرجعية يمكن تقليدها. أمس ، نشرت صحف عربية ، خبرا مفاده أن مسلّحين مجهولين قاموا بإطلاق أربعة صواريخ من نوع "غراد" على قاعدة طليل العسكريّة الأمريكية غربي مدينة الناصرية ، وأن بعض الصواريخ غير المنطلقة ، التي جرى تفكيكها لاحقا ، كانت تحمل صوراً لعماد مغنية ، مشفوعة بشعارات حماسيّة تتوعّد بالثأر من الأميركيّين والمتعاونين معهم" ، العملية كما ذكر أسفرت عن مقتل عن ثلاثة جنود أمريكيين وجرح آخرين. وغير بعيد عن الناصرية ، تعيش الكويت أزمة "بيت عزاء مغنية" ، وما أشيع على هوامشها من أحاديث واتهامات لمواطنين بالانتماء لما يسمى "حزب الله الكويتي" ، وهي أزمة فتحت جرحا في نسيج المجتمع الكويتي الذي بدا لسنوات وعقود ، أكثر تماسكا وانسجاما من غيره من المجتمعات العربية عامة والخليجية منها على وجه الخصوص ، وهي حالة يبدو أن الكويت ستفتقدها ، وستحل محلها حالة من الجدل والانقسام والاستقطاب ، والأرجح أن اسم حزب لله ومغنية سيتردد كثيرا في المرحلة المقبلة في صحف الكويت وديوانيّاتها. والخلاصة ، أن "التطرف" ، الفلسطيني أو العربي أو الإسلامي ، الذي تشكو منه إسرائيل وتنظر إليه كتهديد لأمنها ووجودها ، هو النتاج المنطقي للتطرف العنصري المدجج بالسلاح وأدوات القتل ، الذي تمارسه إسرائيل ، بمؤسساتها السياسية والعسكرية ومدارسها الدينية ، وإن كان لا بد من إلقاء اللائمة على أحد في انتشار العنف والتطرف ، فإن إسرائيل ومن خلفها الولاياتالمتحدة ، هما الملامتان على هذه "الفوضى غير البناءة التي تجتاح المنطقة". عن صحيفة الدستور الاردنية 15/3/2008