الصفحة الجديدة بين الأردن وحماس.. كيف ولماذا وماذا بعد؟! عريب الرنتاوي لا جدال في أن تطورا ملموسا قد طرأ على العلاقة بين الأردن وحماس ، ولا خلاف بأن هذه العلاقة مرشحة لولوج حقبة جديدة ، بيد أن الجدل سيستمر ، والخلاف لن يحسم قريبا حول عناوين عدة من بينها: الأولى ، هل بلغ هذا التطور حد "الاختراق" ، لماذا أصبح تطور كهذا أمرا ممكنا وكيف ، وهل ستسلك هذه العلاقة طريقا تصاعديا أم أنها ستحافظ على وتيرة روتينية عادية ، وبالطبع كيف ستنعكس هذه العلاقات على الرابط المتين بين الأردن ورئاسة عباس ، وهل سترتب أدوارا سياسية إضافية للأردن في المرحلة المقبلة؟ التغطيات التي رافقت لقاءات مدير المخابرات مع قادة حماس ، بدت متفائلة وتميزت بكونها انطباعية في الغالب ، المعلومات المتضمنة فيها محدودة ، وغالبا ما تأخذ شكل تسريبات و"رسائل" و"تقديرات" لطرف ثالث ، ومع ذلك فإنها تعطي انطباعا بأن الأردن وحماس مقبلان على فتح صفحة جديدة ، بعد عقد من القطيعة وتبادل الاتهامات ، لم تشهد خلاله العلاقات الثنائية بين الجانبين حوارا مباشرا خارج "قاعات المحاكم" و"غرف التحقيق" واقتصرت في بعض الأحيان والمناسبات ، على اللقاءات السرية و"القنوات الخلفية" ، الأمنية وليست السياسية. أيا يكن من أمر ، فإن حماس تتجه على ما يبدو ، إن لم يكن فورا فبعد فترة من إجراءات بناء الثقة ، إلى الخروج من قائمة "مهددات الأمن الوطني" ، وسيجري الرهان على "براغماتيتها" و"استقلاليتها النسبية" عن مراكز صنع القرار الإقليمي ، بعد أن برهنت بالملموس بأنها ليست "فارسية" وأنها ليست ألعوبة في يد طهران ، والمأمول أن تفضي الأبواب التي ستفتح أمام حماس في عمان ، إلى إضعاف أهمية - وليس إغلاق - الأبواب المفتوحة لها في أماكن أخرى ، وهو رهان طالما تحدثنا عنه ، وراهنا عليه ، وطالبنا بتوسيع هوامشه. والأردن إذ يقرر فتح صفحة جديدة مع حماس ، فإنه يفعل ذلك بعد أن أدرك بأن "رهان الفرصة الأخيرة للسلام" قد بلغ طريقا مسدودا ، وأن انتظار فرصة ثانية قد يحتاج لسنوات ، وأن مرور هذه السنوات قد لا يبقي شيئا للتفاوض كما يقول خطابنا الرسمي ، فتكون النتيجة أن يحتل ترتيب الفلسطيني الداخلي صدارة الأولويات ، وأن يستأنف الأردن دوره السياسي بين الأشقاء الفلسطيني أنفسهم من جهة ، وبينهم وبين خصومهم من جهة ثانية. والأردن إذ يفعل ذلك ، يلحظ حتى وإن لم تعترف دبلوماسيته بذلك علنا ، تراجع وزن وثقل معسكر "الاعتدال" الذي راهن عليه كثيرا ، ويرى ويدرك أهمية الحراك الدائر بقوة بين المعسكرين في هذه المرحلة ، والمرشح لمزيد من النشاط والفاعلية: اتصال أمريكي - إيراني ، مفاوضات سورية إسرائيلية وانفتاح أوروبي على دمشق ، صفقة تبادل بين إسرائيل وحزب الله محرجة لنا في مسألة الأسرى ، وصفقة تبادل وشيكة بين حماس وإسرائيل ستضاعف الحرج بكل تأكيد. في المقابل ، تبدو حماس بعد عامين ونصف العالم على فوزها السياسي الانتخابي ، وعام وشهرين على "نصرها العسكري" في وضع أشد ما تكون فيه حاجة لتفتيح قنوات الحوار والاتصال مع الخارج ، أولا لكسب معركة التهدئة وتبادل الأسرى ورفع الحصار عن الحصار (مع إسرائيل) ، وثانيا لكسر الهجوم السياسي المكثف الذي تشنه عليها رام الله في ملفات عدة. الأردن تخطى على ما يبدو "حكاية" عدم الاتصال بالفصائل واقتصار العلاقة على المؤسسات الرسمية ، وهي "رواية" لم تؤخذ على محمل الجد على أية حال ، بدلالة تعامله مع فتح وغيرها من الفصائل بمستويات وأشكال عدة ، وهو فتح مع حماس على نطاق واسع ، ومع حماس الخارج بالذات ، والتي كانت الأشد عرضة للانتقاد والاتهام بالتطرف والتبعية لدمشقوطهران. بالطبع ، لن يقطع الأردن مع فتح والسلطة والمنظمة والرئاسة ، فهذا الفريق هو الأقرب سياسيا و"نفسيا" للأردن ، لكن التطور الأخير في العلاقة مع حماس ، يؤهل الأردن بعد حين للقيام بدور نشط في الوساطة بين حماس وفتح من جهة ، وبين حماس وإسرائيل من جهة ثانية ، ودائما في مواضيع وملفات للأردن مصلحة فيها وموقف حيالها ورغبة في إتمامها: الوحدة الوطنية ، التهدئة ، تبادل الأسرى ورفع الحصار. عن صحيفة الدستور الاردنية 10/8/2008