الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس عاد من واشنطن صفر اليدين، خالي الوفاض، ولن تنفع توضيحات "كبير مفاوضيه" في التمويه على الفشل أو حجب الإخفاق والتقليل من وقعه المدوي، فلا اتفاق نهائي قبل نهاية العام، ولا "تفاؤل وثقة" بالحل في عصر الإدارة الموشكة على الرحيل، لا وقف للاستيطان والمستوطنات ولا عودة لخطوط الرابع من حزيران، لا عودة للاجئين إلى ديارهم ولا حل مرض لقضية القدس، فكل هذه تفاصيل من وجهة نظر زعيم الدولة الأعظم، المنهمك بمفاعلات "بوشهر" و"دير الزور" وأزمة الطاقة ومضيق هرمز وجنوده الذين يقتّلون في على خط النار الممتد من كابول إلى بغداد.
وزير الخارجية في حكومة حماس المقالة، الدكتور محمود الزهّار قدم رد حماس على الأسئلة المصرية بخصوص التهدئة، وهو رد تضمن "تنازلات بالجملة" قدّمتها الحركة قربانا على مذبح الخروج من الأزمة الخانقة التي تعتصرها في القطاع ومعه، فالحركة قبلت بالتهدئة في غزة من دون الضفة، ولم تشترط رفع الحصار وفتح المعابر بالتزامن، بل بالتتالي والتعاقب والتدريج، وبرغم ذلك لم يتردد ديفيد بيكر الناطق باسم أولمرت علن رفض أفكار حماس جملة وتفصيلا.
أبو مازن يحصد الثمار المرة للمفاوضات العبثية في واشنطن، وحماس تحصد ثمارا لا تقل مرارة لممارساتها العبثية في قطاع غزة سواء تلك المتعلقة بحسمها العسكري أو "صواريخها" باهظة الكلفة على شعبها المحاصر، وفي كلتا التجربتين، يبدو جناحا العمل الوطني والإسلامي في فلسطين، في مأزق يزداد تفاقما، لكأنهما يرفضان تصديق ما آلت إليه خياراتهما المأزومة... فالرئيس عباس لا يمتلك بديلا عن خيار التفاوض المأزوم سوى المزيد من التفاوض، والزهار لا يصدق بيكر وموقفه الرافض ل"ورقة حماس" وهو يؤثر الانتظار أسبوع آخر أو أكثر، على الدخول في سجال إعلامي مع النطاقين الحكوميين.
عباس لا يصدق بعد كل هذا الدعم والتشجيع الأمريكيين، أن يعود خالي الوفاض من واشنطن، فيصاب بما أصيب به من ردة فعل نزقة اضطرت كبير مفاوضيه لاستيعاب تداعياتها وامتصاص وقعها المؤثر، أما الزهّار المحسوب على "تيار الصقور" في حماس، فقد فوجئ بردة الفعل الإسرائيلية على مشروع التهدئة الحمساوي، إذ كان يظن على ما يبدو، بأنه ما أن يقدم مشروعا كهذا، حتى يقابل بالتصفيق والترحيب المقترنين ب"توازن الرعب" بين القطاع وإسرائيل.
الخلاصة التي تظهر جلية في وقائع الساعات الأربع والعشرين الفائتة فلسطينيا، تقول بأن "أوراق" الفلسطينيين السياسية والعسكرية، لم تعد على ما يبدو، ذات وزن وتأثير على الساحتين الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء، وأن أحدا لم يعد يرغب في أن "يشتري" من الفلسطينيين "بضاعتهم"، أو أن يدفع ثمنها "المقدّر"، وليس أدل على ذلك من مشاعر الخيبة التي يعود بها مفاوضو السلطة من واشنطن، ومفاوضو حماس من القاهرة.
ولا يتعين على الفلسطينيين أن يلوموا أحدا أو يستحضروا نظرية المؤامرة، فالسبب الرئيس في هزال مكانتهم على الساحات كلها، وليس على هاتين الساحتين فقط، إنما يعود إلى ضعفهم وتمزقهم، وإلى عدم قدرتهم على تعظيم أوراق القوة التي بحوزتهم والاستفادة منها، فبين فريق لا يمتلك غير المفاوضات العبثية خيارا، وآخر لا يجيزها ولا يجيد لغتها أو يمتلك أدواتها، ويظن عن صدق أو عن "تكتيك" بأن صواريخه ستحرر الأرض والشعب، يبدو أن الفلسطينيين سيعانون لفترة طويلة قادمة، قبل أن يغيروا ما بأنفسهم.