أعلن مؤخرا عن ولادة "كتائب حزب الله في فلسطين" ، حزبا مستقلا عن حزب الله اللبناني ، لا يرتبط به بعلاقات تنظيمية أو مالية (على ذمة الحزب نفسه) ، وإن كان يستلهم نهجه الجهادي ، والحزب الجديد كما قدم نفسه ، جاء متجاوزا للصراعات الفلسطينية الداخلية ، ومنذورا لمقاومة الاحتلال والجهاد الخالص لوجه الله تعالى ولنصرة الدين وتحرير الأوطان ، كما أن الحزب الجديد لا ينكر بأن عناصره ونشطاءه هم من عناصر الفصائل ونشطائها الذين ملّوا النزاعات الداخلية وحروب الأخوة الأعداء.
لسنا نعرف بعد ، ما إذا كنا أمام حزب جديد أم "فرقعة إعلامية" ، ولسنا على يقين بعد من أمر الصلات التنظيمية للحزب الوليد بالحزب الأصيل في لبنان ومرجعياته الإقليمية ، ولسنا متأكدين بعد من استقلالية الحزب عن فتح وحماس وما إذا كان الإعلان عنه يندرج في سياق المناكفات بين الفصيلين الرئيسين ، كأن تحاول فتح مثلا القول بأن هناك بدائل إسلامية لحماس ، أو كأن تحاول حماس القول في المقابل ، بأن البديل عن براغماتيتها هو حزب "دوغمائي" جهادي ، لا يعرف الحلول الوسط ولا الهدنات والتهدئات.
لا ندري حتى الآن ، ما إذا كانت هناك صلة ما بين الحزب الجديد من جهة وتنظيم "أحرار الجليل - كتائب عماد مغنية" من جهة ثانية ، هل هما تنظيمان منفصلان ومستقلان عن بعضهما البعض ، أم أن الحزب الجديد سيكون تطورا في تجربة التنظيم القديم الذي نشط بشكل خاص في أوساط عرب - 48 ، واشتهر بعمليات "الجرافات والدهس" في القدس على وجه التحديد ، فيما عرف بأنه انتقام متدرج من حزب الله لاغتيال مسؤوله العسكري في دمشق على يد الموساد الإسرائيلي.
أيا يكن من أمر ، فإن الأراضي الفلسطينية تتحول يوما إثر آخر إلى ملاذ آمن للتنظيمات الأصولية ، إخوانية وسلفية و"ذات ميول شيعية" ، وتربة خصبة لنموها وتكاثرها ، والأرجح أن استمرار الحال على هذا المنوال ، سيعزز من انتشار الحركات الدينية في فلسطين ، و"بطبعات" أكثر تطرفا وتشددا من حماس ، وربما يأتي اليوم الذي سترث فيه هذه التنظيمات حركة حماس كما ورثت الأخيرة ، حركة فتح بل والحركة الوطنية الفلسطينية المتآكلة برمتها.
واللافت في الأمر أن عمليات التفريخ المتواترة لحركات دينية جديدة من طراز "جيش الإسلام" و"جيش الأمة" و"كتائب حزب الله في فلسطين" ، تتزامن مع الأنباء المتواترة عن نشاطات جماهيرية متزايدة الحجم والأهمية ل"حزب التحرير" ، وفي الضفة الغربية تحديدا ، الأمر الذي يشي بدخول العمل الوطني الفلسطيني مرحلة جديدة ، قد تكون "الأفغنة" واحدة من مظاهرها وعناوينها.
صحيح أن المسافة شاسعة ما بين "حزب الله" و"حزب التحرير" ، إذ يزعم الأول بأنه مترفع عن الصراع الفلسطيني الداخلي مكرسا نفسه للجهاد في سبيل الله ، فيما يبدي الثاني "استنكافا" عن الانخراط في الصراع الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال ويولي أهمية خاصة لأسلمة المجتمع الفلسطيني ودرء مفاسد السلطة الفلسطينية.
لكن الصحيح أن الحزبين معا ، ومعهما مروحة واسعة من الأحزاب والشخصيات والمؤسسات المحسوبة على "التيار الديني الإسلامي" في فلسطين ، يعملان على تبديد "الهوية الوطنية" لكفاح شعب فلسطين ، واستبدالها بهوية دينية ، ويقدمان البعد العقيدي الايديولوجي العام ، على البعد الوطني القومي الخاص ، المحدد والعياني ، الأمر الذي يتهدد أيضا أولويات الشعب الفلسطيني وأجندة كفاحه الوطني.
للذين راهنوا على جدوى الحصارات والعقوبات والإغلاقات في إضعاف حماس لصالح فتح وبدائل وطنية وعلمانية أخرى ، قلنا من قبل ونقول اليوم ، أن رهانا كهذا ساقط سلفا ، وأن بدائل حماس والحركة الإخوانية الفلسطينية لن تكون سوى مزيج من سلفية جهادية وإسلام جهادي متأثر بالمدرسة الشيعية وعودة الروح لحزب التحرير ، ومن يقرأ حصاد سنوات الانتفاضة والحصار والأقصاء الأخيرة ، لن يجد صعوبة في الحكم على فرص وحظوظ كلا الرهانين ، فهل هناك من يسمع ومن يستفيد؟،.