مستحيل الهولوكوست ومستطاع السلام! حسن البطل يصرخ الإسرائيليون لما يسمعونه من فم الرئيس الإيراني السيد نجاد. يقولون ما معناه أن تصريحات كهذه هي أشبه ب (هولوكوست سياسي). أما الفلسطينيون فقد وحدتهم، تقريباً، صرخة واحدة، بعدما سمعوا نائب وزير الدفاع الإسرائيلي يحذرهم، يهددهم ويتوعدهم بالشي والشواء والمحرقة. من اللطيف تقدير كيف سيصرخ الغرب الأوروبي (بشطريه القديمين. غرب وشرق أوروبا)، وكيف سيصرخ (الناتو)، لو أن السيد بوتين هدد بسحب اعتراف موسكو بنتائج انهيار جدار برلين (حجر دومينو انهيار المنظومة الاشتراكية ثم انفراط الاتحاد السوفياتي)، أو تحدث عن طموح ما لإحياء حلف وارسو، أو المنظومة الاشتراكية.. أو حتى (رابطة الكوميكون) الاقتصادية الشيوعية. انتهت قسمة يالطا 1945 في برلين 1989، أو ألغت نتائج الحرب الباردة نتائج الحرب العالمية الثانية.. لكن (روح يالطا) لم تنته، حيث عقدت، مؤخراً، في شبه جزيرة القرم قمة روسية - أوكرانية، بمواكبة رجال الأعمال في البلدين، وتم حل المشكلة بين عملاق النفط الروسي (غاز بروم) وحكومة أوكرانيا. إما غاز روسي وإما عضوية (ناتو). تتغير أطوار قمم يالطا كما تتغيّر أطوار قمم شرم الشيخ، وكذا أطوار قمم كامب ديفيد.. لأن معطيات العالم السياسية تتغير. ألا تصدقون؟ هاكم السيد جورج بوش يلطش فكرة نضالية ديالكتيكية يسارية، في تعقيبه على ما بعد (هولوكوست غزة). قال: (خطوة للوراء من أجل خطوتين للأمام.. وليس خطوتان للوراء من أجل خطوة للأمام). قالها أمام الملك عبد اللّه الثاني. ما هو الرابط بين تهديد نجاد لدولة إسرائيل ب (هولوكوست سياسي)، وقمتين في يالطا بفارق أكثر من نصف قرن، وسطو بوش على مقولة نضالية ماركسية؟ أحد كبار الأطباء - الفلاسفة الإغريق، نقش على خاتم في إصبعه هذه الجملة: (تحريك ساكن أسهل من تسكين متحرك) هذا قانون فيزيائي صحيح، وأيضاً قانون سياسي صحيح، وكذا قانون دبلوماسي صحيح يقول بما معناه: الاعتراف بدولة أهم من سحب الاعتراف بها. لا فلسطين ولا إسرائيل تجرؤان على سحب الاعتراف المتبادل في رسائل عرفات - رابين المتبادلة، ولا إسرائيل أو فلسطين تتحامقان وتعودان عن موافقتهما على خارطة الطريق، ولا مصر أو إسرائيل؛ إسرائيل والأردن؛ الجامعة العربية وإسرائيل تتراجع عن المعاهدات أو عن الاعتراف المتبادل. لو أن حركة "حماس" ودولة إسرائيل تتبادلان الاعتراف المتبادل، ولو بحده الأدنى مثل المفاوضات المباشرة، مهما كانت مواضيع التفاوض، لكان للعالم مواقف أكثر وضوحاً عملياً إزاء حرب سديروت - بيت حانون. إسرائيل ألغت سيادة السلطة الفلسطينية بعد (السور الواقي)، لكنها لم تلغ ما ترتب على رسائل الاعتراف المتبادل، وما خارطة الطريق إلا تطوير لأفكار كلينتون، التي هي صياغة لأفكار متناقضة طرحت في "كامب ديفيد 2000" من قادة الجانبين، وتم تطوير أفكار كلينتون في "وثيقة طابا" غير الرسمية. لذلك، لا يستسيغ العالم جعل التهدئة بديلاً من الهدنة، وهذه بديلاً من اتفاق سلام ثنائي، وهذا بديلاً من حق تقرير المصير في دولتين متجاورتين يحق لمفكرين وساسة غير رسميين أن يطالبوا بحل راديكالي قوامه الدمج المتكافئ في دولة واحدة، لكن كل حديث رسمي عن إلغاء الآخر بالقوة لم يعد مقبولاً في عالم اليوم. مشروع السلام العربي هو تطوير عربي لمشروع السلام الفلسطيني، الذي هو بدوره تطوير لقمة فاس الثانية 1982. لذلك، فاللعب الديماغوجي الأهوج في شعارات العدالة الأخلاقية والمطلقة، ومزجها برؤى ذاتية للحتميات التاريخية حول زوال الدول، يعتبر وصفة غوغائية ومتفجرة. قضية فلسطين سبب من أسباب تأسيس جامعة الدول العربية، ومن ثم القمم العربية، و م.ت.ف هي التي دعت لتشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي. عرفات قال للخميني: تحالف.. نعم، وصاية.. لا! ما كادت المزاودة القومية على الوطنية الفلسطينية أن تسحب ذيولها، حتى حظينا بمزاودة أصولية، تجعل الخلاص جبنة معلّقة بسقف عال حتى السماء. وما على الفلسطينيين سوى القهر والنط حتى العياء، لأنهم مهما حاولوا سيكون السقف أعلى من هاماتهم، والمهمة أثقل مما تحملها مناكبهم. الداعون الأصوليون لإلغاء إسرائيل يريدون إلغاء فلسطين ديمقراطية ولبنان تعددية. عن صحيفة الايام الفلسطينية 8/3/2008