نبيل زكي مشروع قانون التأمين الصحي الذي تطرحه الحكومة علي المواطنين يعني، بصريح العبارة إلزام المواطن بدفع نسبة تبلغ ثلاثين في المائة من تكلفة الفحوص الطبية والعلاج والدواء والإقامة بالمستشفيات. ودون لف أو دوران، فإن المشروع الحكومي هو السبيل الذي توصلت اليه من أجل التنصل من جزء كبير من أعباء الإنفاق الصحي لكي يتحملها المواطن الفقير!
ولم يكن هناك حتي بين خصوم الحكومة السياسيين من يتصور أنها يمكن أن تصل الي هذا الحد في الاستهانة والاستخفاف بمصالح الناس، خاصة في مجال تقديم الرعاية الصحية.
يحدث ذلك في وقت نحتاج فيه الي قانون للتأمين الصحي القومي الشامل لكل المواطنين ولكل الأمراض ولكل الشرائح العمرية تحقيقا لمبدأ التكامل الاجتماعي. والملاحظ في تعريف التأمين الصحي في مشروع القانون الحكومي أنه يتجاهل الإشارة الي أن الخدمات التي يقدمها تشمل كل مجموعة الخدمات التي تقدمها الهيئة العامة للتأمين الصحي " الحالية " حتي تاريخ صدور القانون الجديد كحد أدني وأنه يجوز عند الاقتضاء إضافة خدمات جديدة.
وإذا كان الإنفاق الحكومي علي الصحة هو 17 مليار جنيه، فإن المواطنين يدفعون من جيوبهم 27 مليار جنيه ويعادل مجموع الإنفاق الصحي 6.3? من الناتج القومي الإجمالي " وفقا لأرقام عام 2007 " والمفترض أنه مع اقتراب الناتج القومي الإجمالي من 1.2 تريليون جنيه أن يصل الإنفاق الصحي سبعين مليار جنيه، والمتوقع أن يكون ثلثا هذا المبلغ من جيوب المواطنين والثلث انفاقا حكوميا.
ويقترح الدكتور سمير فياض تمويلا ثلاثيا للإنفاق الصحي: الثلث من خزانة الدولة الي جانب الدعم الكلي والجزئي الذي ستقدمه وزارة التضامن والثلث الثاني من اشتراكات العاملين وأصحاب المعاشات والثلث الثالث من الإسهامات الاجتماعية وليست الفردية.
وطبقا لدراسات البنك الدولي فإن نصيب الفقراء من الناتج القومي الإجمالي 21.6? تقريبا " أقل من خمس هذا الناتج" بينما تصل حصة الشرائح العليا الي 41.2?.
وإذا طبقنا مبدأ التكافل الاجتماعي فإن وحدة الحزمة الصحية تشمل كل الأمراض، بما فيها ما يسميه المشروع الحكومي الكوارث الصحية الشخصية، كما أن صندوق التمويل يجب أن يكون واحدا ويمول كل الحزمة دون استثناء الأمراض المكلفة منها تحت مسمي الكوارث الصحية الشخصية.
ولابد أيضا أن تشمل الحزمة التأمينية الخدمات الإسعافية لحالات الطوارئ والحوادث والتطعيم وخدمات تغطية الكوارث الطبيعية والأوبئة وما يماثلها من خدمات ويلزم أيضا أن تشمل خدمات الصحة الوقائية وأعمال التحصين وتحسين المناعة وعمليات التطعيم.
وبإيجاز فإن المطلوب أن تصبح كل الأمراض الحادة والمزمنة والكارثية المجتمعية والكارثية الشخصية الي جانب العلاج الوقائي والإسعافات من صميم اختصاص الهيئة العامة للتأمين الصحي.. علي أن تتم تغطية تكاليف علاج تلك الحالات من جانب وزارتي الصحة والمالية كتمويل إجباري من حصص مقتطعة من النظام الضريبي العام، بحيث لا يوجد خارج اختصاص التأمين أي مرضي من الأمراض.
وهكذا يمكن أن تتولي الهيئة العامة للتأمين الصحي توظيف كافة امكانيات الخدمات الصحية في الجمهورية من عيادات صحية عامة وخاصة وأهلية والمراكز الصحية بأنواعها وحوالي 140 ألف سرير " 83? منها حكومي ".
من هنا يتحقق شمول التغطية لكل المصريين في الحضر والريف والصحاري والسواحل من المهد الي اللحد ولكل الأمراض والحوادث والأوبئة. أما تقديم الخدمات لبعض الأمراض غير المكلفة ولبعض الشرائح الاجتماعية الفقيرة والفئات الدنيا من الطبقة الوسطي وخلق خدمات أخري بأجر أو برسوم مكلفة موازية لخدمات التأمين للقادرين فإن ذلك يؤدي الي الإخلال بمبدأ التكامل الاجتماعي.
إن توفير نوعين من الخدمة وصندوقين ونظامين بدلا من نظام واحد، من شأنه تقسيم السكان الي مجتمعين ونظامين وتمويلين: خدمة محدودة للفقراء وأخري بلا سقوف للأغنياء. الفقراء يشكلون أربعين في المائة من السكان ويدفع كل منهم واحدا في المائة من إجمالي دخله من أجر ثابت وآخر متغير، علاوة علي تحمله ما لا يقل عن ثلاثة أمثال اشتراكه التأميني " الجديد " مقابل التأمين علي أفراد أسرته بديلا عن النظام الحالي الذي لا يحمله إلا الاشتراك عن نفسه فقط بواقع واحد في المائة من أجره الثابت فقط..
تاركا أسرته لتتلقي الزوجة غير العاملة علاج نفسها بالخدمات المجانية أو بأجر طبقا لقدرات الأسرة، أما الطلاب فيتم علاجهم في النظام القائم الآن بتمويل ثلاثي من الخزانة وحصيلة نسبة مئوية من بيع السجائر والتبغ ونسبة ضئيلة من المصروفات المدرسية أقل بكثير من النصف في المائة من أجر العائل المقترح سداده عن كل طالب في المشروع الحكومي الجديد المطروح للتأمين الصحي.
ويري الدكتور سمير فياض أنه سيكون عبئا مرهقا أن يطلب هذا المشروع الجديد من كل عائل سداد إسهامات أو رسوم عند كل زيارة للعيادات الخارجية أو عند دخول للإقامة بالأسرة الإكلينيكية أو بالقسم الداخلي في مستشفي أو عند كل فحص طبي أو تدخل جراحي أو عند الحاجة الي أدوية دون اضطرار لدخول مستشفي سواء للمشترك في التأمين الصحي أو لأحد ممن يعولهم.
وواجب الدولة أن توفر الصحة وسائر الخدمات المتعلقة بها مثل مياه الشرب النقية والمسكن الملائم بمرافقه، والغذاء الصحي والدواء الفعال والآمن بالإضافة الي المساهمة في تمويل التأمين الصحي بما لايقل عن ثلثي التمويل المطلوب، علي أن يقوم جهاز الضرائب العامة بتجميع ثلث آخر من خلال الحصول علي نسب معينة من القادرين سواء من بائعي الحديد والأسمنت والباركيه والسيراميك وما شابه، ومن المدخنين ودور القمار المرخص بها ومن تعرف الحكومة جيدا الحجم الخرافي لدخولهم.
والمفترض أن صاحب العمل يدفع ثلاثة أمثال ما يدفعه العامل أو الموظف عن نفسه وعن أسرته بواقع 4?. المهم ألا يجد المشترك في التأمين الصحي نفسه مطالبا بدفع أي رسوم عند طلب الخدمة علي أن يقوم صندوقا التأمين والمعاشات بسداد 6? لصاحب المعاش، حيث إن هذه الصناديق تحل محل صاحب العمل.
المشروع الحكومي يتجاهل استحالة حصول السيدات الفقيرات علي الخدمات الصحية بسبب ارتفاع تكلفة العلاج مع أن سلامة الحمل والولادة تقتضي الفحص الدوري للأم الحامل، الأمر الذي لن يحدث في حالة خصخصة التأمين الصحي.
والملاحظ أن المشروع الحكومي يتهرب من تقديم الرعاية المتقدمة التي تتعلق بالعمليات الجراحية الكبري وعلاج الأورام وزرع المفاصل وغيرها " مثل سقوط الرحم أوتثبيت الرحم وسرطان الثدي" حيث سيتم دفع سعر تجاري للخدمة.
السواد الأعظم من الشعب وأصحاب المعاشات وغير القادرين لن يستطيعوا تحمل أعباء دفع ثلث قيمة العلاج والمشروع الحكومي الجديد ضد الدستور وضد المجتمع لأنه يفرق بين الناس وفقا لقدراتهم المالية ولذلك نظمت الأحزاب والقوي السياسية مظاهرة أمام مجلس الشعب للمطالبة بتأمين صحي قومي شامل وحقيقي بدلا من المشروع الحالي الذي تطرحه الحكومة.