الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    تراجع عيار 21 الآن.. سعر الذهب في مصر اليوم السبت 11 مايو 2024 (تحديث)    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن قمح    «القومية للأنفاق» تعلن بدء اختبارات القطار الكهربائي السريع في ألمانيا    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو بالدعوة لإنشاء إدارة مدنية لقطاع غزة    بلينكن يقدم تقريرا مثيرا للجدل.. هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة؟    يحيى السنوار حاضرا في جلسة تصويت الأمم المتحدة على عضوية فلسطين    مجلس الأمن يطالب بتحقيق فوري ومستقل في اكتشاف مقابر جماعية بمستشفيات غزة    سيف الجزيري: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة نهضة بركان    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    الاتحاد يواصل السقوط بهزيمة مذلة أمام الاتفاق في الدوري السعودي    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس اليوم: «أجلوا مشاويركم الغير ضرورية»    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    إصابة 6 أشخاص إثر تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    النيابة تأمر بضبط وإحضار عصام صاصا في واقعة قتل شاب بحادث تصادم بالجيزة    عمرو أديب: النور هيفضل يتقطع الفترة الجاية    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج العذراء السبت 11-5-2024: «لا تهمل شريك حياتك»    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    رد فعل غريب من ياسمين عبدالعزيز بعد نفي العوضي حقيقة عودتهما (فيديو)    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    على طريقة القذافي.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة (فيديو)    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الخارجية الأمريكية: إسرائيل لم تتعاون بشكل كامل مع جهود واشنطن لزيادة المساعدات في غزة    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    حج 2024.. "السياحة" تُحذر من الكيانات الوهمية والتأشيرات المخالفة - تفاصيل    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لتعزيز صحة القلب.. تعرف على فوائد تناول شاي الشعير    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة القيادة القومية العربية .. ما هي الأسباب؟
نشر في محيط يوم 05 - 03 - 2008


أزمة القيادة القومية العربية .. ما هي الأسباب؟
شاكر النابلسي
بعد رحيل الرئيس عبد الناصر 1970، واغتيال الرئيس السادات 1981، ورحيل حافظ الأسد عام 2000، وسقوط نظام صدام حسين 2003، ثم إعدامه عام 2006 كان هذا كله - على ما يبدو - نهاية عصر الجبابرة العرب. ولعل مقولة الرئيس السادات: «أنا وعبد الناصر آخر الفراعنة» مقولة صحيحة، وذات بُعد تاريخي ونفسي وسياسي. ولكن لماذا كان غياب كل هؤلاء يعني نهاية عصر الجبابرة؟ وهل لو تمَّ إطلاق صفة الجبابرة على هؤلاء الزعماء وغيرهم في العالم العربي، ستكون هذه الصفة واقعية وصادقة؟
فما هي صفات «الجبابرة» في تاريخ العرب الحديث؟
1- البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة، وعادة أكثر من ثماني سنوات أو اثنتي عشرة سنة. وهو ما يساوي مدتين رئاسيتين (8 سنوات) في الدستور الأميركي، أو مدتين رئاسيتين (12 سنة) في الدستور الفرنسي. ولكن هذا الشرط وحده لا يكفي فنرى حولنا من الرؤساء والحكام من أمضى أضعاف هذه المدة، ولم يحُز على صفة «الجبابرة» أو صفة القائد «الملهم» من الحكام. ولا ندري هنا من أين يأتي له هذا «الإلهام»، هل من السماء أو من شيطان الشعر؟. فإذا كان من السماء فهو أقرب إلى صفة «النبوة» منها إلى صفة القيادة الملهمة، وإذا كان من شيطان الشعر فهو أقرب إلى الشعراء وخيالاتهم منها إلى صفة السياسي الجبار. ولا تلتقي شخصية السياسي الجبار مع شخصية الشاعر الرقيق الملهم.
2- أن يكون عهد الحاكم قد انتابته اضطرابات سياسية من قبل المعارضة، واستطاع هذا الحاكم قمع هذه الاضطرابات قمعاً شرساً، والقضاء نهائياً على المعارضة في بلاده، والانفراد بالحكم دون معارضة.
3- أن يكون هذا الحاكم قد قام بعمل قومي كبير، كأن يبني سداً، أو يحارب إسرائيل، أو يعتدي على جيرانه من العرب والعجم عسكرياً، كأن يحتل بلداً عربياً مثلاً.
4- أن يأتي لكي يَجُبَّ حكمه حكم من قبله. كأن يأتي حكمه جمهورياً بعد أن كان الحكم في البلاد ملكياً. وأن يُلغي الأحزاب والتعددية التي كانت قائمة في الحكم السابق. وأن يأتي بنظام اقتصادي جديد، كأن يعلن الاشتراكية مثلاً بدلاً من نظام السوق الحرة، أو بدلاً من النظام الرأسمالي.
5- أن يكون له علاقة مشاكسة أو صداقة مع الغرب. بل إن علاقة المشاكسة أفضل من علاقة الصداقة، لكي تصدق على عهده وحكمه صفة «الجبابرة» أو القائد «الملهم».
6- أن يبرز في عهده ومدة حكمه كتّاب عظام أو إعلاميون عظام، يكتبون عنه ويؤرخون له، ويبرزون انجازاته، ويحيلون سلبياته إلى ايجابيات، وايجابياته إلى فتوحات تاريخية، لم يسبق لأحد أن جاء بمثلها.
7- أن يكون القائد الجبار الملهم «بسماركي» النهج، أي أن ينهج نهج بسمارك الألماني في فرض الوحدة بالقوة العسكرية. ولا ينتظر إرادة مدنية لتحقيق ذلك.
8- أن يكون القائد الملهم قائداً جماهيرياً؛ أي أن يلبي ما تريده الجماهير، كالمطرب الشعبي الذي يلبي ما يطلبه المستمعون، فإن سمع في لقاء جماهيري مطلباً للحرب أو السلام، فعليه أن ينفذه، حتى ولو كان على حساب ضياع الأوطان، فإرادته من إرادة الجماهير، وهو يردد - كما سمعناه دائماً - «الشعب هو المعلم الأول والأخير». وهناك فرق بينه وبين الزعماء الديمقراطيين في الغرب - مثلاً - الذين يحققون ما تحتاجه الجماهير، لا ما تريده.
9- أن تكون صور القائد الملهم معلقةً في كل مكان، وتماثيله منصوبة في كل ميدان، واسمه موجودا في كل ديوان. فلا تدخل بقالة أو مخبزاً أو صالون حلاقة أو نادياً ليلاً، إلا وتجد صورته معلقة هناك. وصورة القائد ليست واحدة. فمرة تراها وهو في اللباس العسكري، وقد زيّنت صدره كل الأوسمة العسكرية والنياشين، علماً بأنه لا يجيد إطلاق النار من بندقية عثمانية، ولم يشترك يوماً في قتال، أو حرب، أو معركة. وفي مراكز البوليس ترى صورته وهو في زي ضباط الشرطة، وفي محلات بيع الحلويات ترى صورته وهو في زي مدني، وفي محلات بيع الفاكهة والخضراوات ترى صورته وهو في زي الفلاحين..الخ. وترى صورته في الصفحة الأولى من كل كتاب مدرسي، وفي الصفحة الأولى لكل جريدة في بلاده.
10- أن يكون للقائد الملهم حاشية ومستشارون. ولكنه لا يستشير أحداً. صحيح أنه في بعض الأحيان يسأل مستشاريه لرفع العتب، ولكي يحسسهم بقيمتهم، ويُحلل لهم رواتبهم ومميزاتهم المختلفة، ولكنه لا يعمل برأي أحد غير رأيه. وهو قليلا ما يعترف - خاصة في القرارات الخاطئة - بأنه يتحمل مسؤولية قراراته، بل على العكس من ذلك، فهو في معظم الأحيان يُحيل خطأ قراراته إلى المؤامرات الداخلية والخارجية التي تحاك ضده، لإفشال نجاعة قراراته، وبالتالي تهديد عهده، والإطاحة به.
هل اختفى الأبطال الملهمون؟
هل اختفى الحكام العرب أصحاب «الكاريزما» والملهمون، كما كانوا يوصفون، بعد رحيل عبد الناصر، والحبيب بورقيبة، وحافظ الأسد، وصدام حسين، وغيرهم؟
لقد طرحت هذا السؤال مجلة «الإيكونوميست» اللندنية في عددها في شهر يناير الماضي وقالت:
«في العقود الماضية، كان العرب يتطلعون لقادتهم باعتبارهم المرشدين، مثل جمال عبد الناصر وأنور السادات في مصر، والحبيب بورقيبة في تونس، والملك حسين عاهل الأردن، وفي المغرب الملك الحسن الثاني، وحتى وحوش مثل صدام حسين وحافظ الأسد، كانوا يتمتعون ببعض الشعبية كبُناة للأمة، لكن معظم الزعماء العرب اليوم علي النقيض تماماً من ذلك، حيث يفتقرون إلى عناصر الزعيم الملهم».
وما قالته «الإيكونوميست» صحيح. فلم يعد الآن في العالم العربي وعلى الساحة السياسية، زعيم له «كاريزما» وشعبية مثل شعبية عبد الناصر، والحبيب بورقيبة، وحافظ الأسد وغيرهم، وذلك للأسباب التالية:
1- كانت مرحلة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات؛ أي الربع الثالث من القرن العشرين، فترة مميزة في تاريخ العرب الحديث. ففي هذه الفترة قامت عدة انقلابات في مصر وليبيا وسوريا واليمن وغيرها، مما أهَّل قادة هذه الانقلابات لأن يكونوا زعماء أصحاب «كاريزما»، وشعبية طاغية في العالم العربي.
2- كانت هذه المرحلة كذلك، مرحلة استقلال عدد من البلدان العربية، ورحيل الاحتلال الأجنبي من أجزاء مختلفة من العالم العربي، ونيل بعض الأقطار العربية استقلالها. والزعماء الذين حظوا بألقاب القائد الملهم، هم زعماء - في معظمهم - ألغوا معاهدات مع دول أجنبية وحققوا الاستقلال لبلادهم.
3- مكث معظم القادة الذين أُطلق عليهم «القادة الملهمون» في الحكم عشرين عاماً أو أكثر، وهم الذين أوحوا إلى جماهيرهم بإطلاق صفة «الإلهام» عليهم. وما كان هذا «الإلهام» - واقعياً - يليق بأحد منهم باستثناء الحبيب بورقيبة. والدليل على ذلك أن أفكارهم وسياساتهم وشعبيتهم، اختفت بعد رحيلهم ما عدا الرئيس بورقيبة، الذي ما زال يتمتع بشعبية واسعة في تونس رغم رحيله وما زال تراثه السياسي هو المتّبع. ذلك أن الحبيب بورقيبة، لم يكن زعيماً سياسياً فقط، بقدر ما كان مصلحاً اجتماعياً ودينياً. وهذا «الإصلاح» هو المادة الحافظة له، وسرُّ خلوده، اليوم وغداً، وفي المستقبل البعيد. في حين أن الآخرين من الزعماء خفَّ بريقهم جداً بعد رحيلهم، بل كاد أن يختفي تماماً، وبدأت روائح عهدهم الكريهة تزكم الأنوف.
4- معظم هؤلاء «الملهمين» جاءوا من أصول وطنية، بعد أن حكم بلادهم حكامٌ من أصول غير وطنية (مصر مثالاً لا حصراً) لذا، فقد كان الترحيب بهم كبيراً وطاغياً، باعتبارهم حكاماً من أبناء الوطن ذاته، ومن طبقة فقيرة أو متوسطة. ورغم أن هؤلاء الحكام - دون استثناء - قد حكموا بطرق تعسفية بعيدة عن الديمقراطية ومظاهر الحرية السياسية، وكانوا أقرب إلى الديكتاتوريين بل كانوا الديكتاتوريين أنفسهم، إلا أنهم حازوا على شعبية طاغية، وقيادة مطلقة، ولا يُسألون فيها عما يفعلون، كما قال الشيخ الراحل متولي الشعراوي للرئيس السادات في مجلس الشعب المصري، أيام كان الشعراوي وزيراً للأوقاف عام 1976، ومُنح بالمقابل وسام الاستحقاق المصري من الدرجة الأولى.
5- إن الفترة التي حكم فيها هؤلاء الزعماء كانت فترة سياسية مبكرة جداً. وكانت فترة حُرمت فيها الشعوب من حاكم وطني يتحدى الغرب ويتحدى الاستعمار، ويصطدم مع الغرب المكروه من جانب العرب نتيجة لاصطفافه إلى جانب إسرائيل المغتصبة للحق الفلسطيني. فقد كانت القضية الفلسطينية والموقف منها هي الكفة المرجحة لدى شعوب المنطقة. وظلت القضية الفلسطينية هي كذلك حتى الآن.
6- كانت القيادة السياسية في البلاد العربية في هذه الفترة تعتمد على شخص واحد، هو البطل وهو الزعيم، وهو القائد، وهو الأب، وهو صاحب القرار، وهو صاحب العرض الوحيد دَم حفَ سوٌُّ في حين أن الفترة الحالية لم تعد كذلك، مع تعالي صيحات الديمقراطية وضرورة تطبيق استحقاقاتها. وتدخّل الدول الكبرى كأميركا لتعبيد طرق الديمقراطية ومساراتها ودفع الشعوب للسير فيها، بل وجرّهم إليها جراً في بعض الأحيان(العراق مثالاً لا حصراً). والديمقراطية تتعارض تعارضاً شديداً مع سياسة رجل العرض الوحيددَم حفَ سوٌُّ فالديمقراطية هي حكم الجماعة والمؤسسات الدستوريةاُِِّْ سوٌُّ .
7- رغم أن حكم الزعماء «الملهمين»، كان في معظمه حكماً علمانياً من حيث القشرة، وذلك بفصل السياسة عن الدين (مصر وسوريا وتونس والعراق والجزائر والأردن أمثلة واضحة)، وإبعاد رجال الدين عن القرار السياسي، إلا أن هؤلاء القادة استعملوا رجال الدين والمؤسسة الدينية لمصالحهم الشخصية ولمساندة بعض قراراتهم التي تحتاج إلى سند ديني أو شرعية دينية، وخاصة عبد الناصر الذي استعان بالأزهر وبشيوخ الأزهر، وكذلك فعل الرئيس السادات مضيفاً إلى الأزهر وشيوخ الأزهر جماعة الإخوان المسلمين (نكاية باليسار المصري وبالناصريين) لتمرير كثير من القرارات، كما فعل الملك حسين بن طلال الشيء نفسه في الأردن مع جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا هم التنظيم السياسي الوحيد على الساحة السياسية الأردنية طيلة أكثر من 30 عاماً (1957-1989) حيث أجريت في 1989 أول انتخابات برلمانية بعد انقطاع دام 32 عاماً. ومن هنا نلاحظ، أن الأنظمة السياسية في مصر والأردن والعراق ودول الخليج استعملت الجماعات الدينية كسلاح فتاك ضد أعدائها في الداخل والخارج.
قادة الماضي وقادة الحاضر
قادة العرب في الربع الثالث من القرن العشرين، نادوا بالإصلاح السياسي بوجه خاص. وملأوا الدنيا ضجيجاً وصياحاً، وهم ينادون بضرورة الإصلاح السياسي. وكذلك فعل قادة الحاضر من العرب. ولكن محلل مجلة «الإيكونوميست» في عددها المشار إليه أعلاه يشكك في جدية هذا الإصلاح، ويقول:
«إن الإصلاح في الوطن العربي بلا مضمون، حيث أن الأنظمة تشير إلي وجود البرلمانات، في حين تخفي الخدع المستخدمة لاستبعاد المعارضة الحقيقية، وتطبق النظم السياسية العربية برامج الخصخصة التي تقلل من دور الدولة، بينما تحجب حقيقة أن المستفيدين منها هم رجال النظام».
ويرى محلل «الإيكونوميست»، أن لا فرق بين قادة الماضي وقادة الحاضر في العالم العربي. فكلهم ساهموا مساهمة كبيرة في خنق الحريات، والاعتماد على المؤسسات الدينية وأجهزة البوليس السياسي لخنق هذه الحريات وسجن المعارضة والتنكيل بها وتشريدها. ويقول:
«إن حكومات مصر والمغرب والأردن وتونس الموالية للغرب، استخدمت جميع الوسائل المتاحة لخنق المعارضة، من خلال السيطرة على مصادر المعلومات عبر التليفزيون المملوك للدولة أو سن قوانين لتجريم نشر معلومات كاذبة، أو عدم احترام مؤسسات الدولة، رغم وجود هامش لحرية الصحافة. إن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم انخفض بشكل كبير على مدى العقدين الماضيين، وفي مصر أقل من واحد من بين كل عشرة ناخبين أزعج نفسه بالمشاركة في الاستطلاعات الأخيرة، مؤكداً أن الولاء للدولة في الوطن العربي أضعف من الولاء إلى المجموعة الفرعية على أساس القرابة أو العرق أو الدين أو المنطقة، مشيرة إلى أن هذه مشكلة فريدة من نوعها، إضافة إلى أنه بالنسبة للمسلمين، فهناك حاجة لحل مشكلة مَنْ هو مصدر القانون: الله أم البشر؟»
أسباب أزمة القيادة العربية
إذن، لم تعد أسباب أزمة القيادة القومية العربية خافية على أحد، بعد نصف قرن (النصف الثاني من القرن العشرين، إضافة إلى سبع سنوات من القرن الحادي والعشرين) من معايشة هذه الأزمة وتكرارها في كل عهد جديد من العهود السياسية العربية. ولكننا هنا نودُّ أن نذكَّر القارئ بأهم الأسباب التي أدت إلى أزمة القيادة القومية العربية، لمجرد التذكير فقط:
1- كان من أهم أسباب أزمة القيادة القومية العربية، عدم وجود قادة كممثلين حقيقيين للشعوب العربية. وهذا لا يعني أن كافة القادة السياسيين الذين شهدتهم الفترة الماضية كانوا أقل من مستوى شعوبهم سياسياً وثقافياً، ولكن بعضهم (وهذا ما يثير الغرابة فعلاً) كان في مستوى أعلى من مستوى شعوبهم سياسياً وثقافياً.
وكانت تطلعاتهم إلى بعض مظاهر الحداثة جدية وصادقة. وقد حال بين هؤلاء القادة وبين اتخاذ قرارات التحديث في بلادهم معارضة الرأي العام في بلادهم لمثل هذه القرارات، نتيجة لعدة أسباب منها القيم الاجتماعية المتشددة وربما المغلقة السائدة في هذه المجتمعات، ومنها سيطرة المؤسسة الدينية السلفية سيطرة تكاد تكون تامة على صناعة القرار السياسي والثقافي والاجتماعي، بحيث أصبحت الدولة دينية، ولكن بلباس سياسي مدني عصري، بفضل ضغوط المجتمع الدولي، وتحوّل معظم العالم من دول دينية إلى دول علمانية (تفصل الدين عن الدولة، ولكنها لا تنكر الدين، بل ربما تتمسك بقيمه الروحية والأخلاقية، أفضل من الدول الدينية) وانتصار الحداثة والعولمة على هذا النحو الذي نشهده في كل الغرب، وفي جزء كبير من آسيا وأميركا اللاتينية.
فكانت تلك الدول (الدينية في دواخلها، والمدنية في علاقاتها مع الآخر الخارجي) تحكُم داخلياً بنظام الدولة الدينية، فيما يتعلق بالحريات العامة، وحقوق الإنسان وحرية المرأة ومساواتها بالرجل، وتظهر خارجياً للعالم على أنها دولة عصرية تتبادل العلاقات الدبلوماسية مع كل دول العالم وتحضر المؤتمرات، وتناقش في الندوات، وتدعو إلى الحرية والسلام والمحبة الديمقراطية ولكن بعيداً عن مجتمعها.
لذا، فهي تتلقى بين حين وآخر مختلف التهم والإدانات من منظمات حقوق الإنسان ومن الجهات السياسية الراصدة لنشاطات المجتمع الأهلي وفعالياته. ولعل بعض الدول العربية - حتى هذه اللحظة- قد نالت من التقريع والنقد الموجع نتيجة لإخفاقاتها في تحسين درجات منح الحقوق المدنية، والاعتراف بحرية الآخر الدينية والسياسية، ما لم تنله أية دولة أخرى في العالم الحديث.
2- استعجال الدول الغربية ومؤسسات صنع القرار فيها على فرض الديمقراطية على شعوب ودول المنطقة العربية، دون تمهيد الطريق للمجتمعات العربية لكي تأخذ بالاستحقاقات الديمقراطية، كإصلاح المناهج الدينية، والرقي بالمناهج العلمية، ومساواة حقوق المرأة بحقوق الرجل، والتخفيف من نسبة الأمية، ومحاربة الفساد المالي والسياسي.. الخ.
3- وهناك تدني المستوى التعليمي والثقافي لمعظم القادة في العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن إلى الآن، ومجيء معظمهم من صفوف العسكر، وهي عناصر لا تتمتع - للأسف الشديد - بمستويات ثقافية وسياسية بل وحتى عسكرية (وهذا هو سرُّ هزائم الجيوش العربية المتتالية، في الحروب التي خاضوها)، وإحاطة هؤلاء القادة بمستشارين استغلاليين ذوي تحصيل علمي وسياسي متدنٍ أيضاً.
وقد نلاحظ في العالم العربي مفارقات عجيبة. فنرى أن بعض البلدان العربية ذات الشعوب المتفتحة والتوّاقة إلى الحرية والديمقراطية والحداثة تُبلى بقادة عسكريين، لا يفقهون في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الثقافة شيئاً، فتحصل النكبات.
ومن جهة أخرى نرى أن بعض البلدان العربية ذات المجتمعات المنغلقة والمتشددة دينياً، تظهر فيها طبقة حاكمة تنشد الحداثة والتطوير والتغيير في كل مناحي الحياة ولكن انغلاق مجتمعاتها وتشددها الديني يحول دون ذلك، فتحصل الكوارث كذلك.
ولم نجد شعباً عربياً منفتحاً ينشد الحداثة والتغيير والتطوير وقد رُزق بطبقة سياسية على شاكلته، لكي تتم معجزة التجديد والتطوير، وتحقيق الآمال في مجتمع حداثي. ولعل السبب في ذلك الطريقة التي يصل بها الحكام العرب إلى الحكم، والتي لا تفترض المعرفة، والخبرة، والشفافية، بقدر ما تفترض العصبية، وامتلاك القوة العسكرية.
عن صحيفة الوطن القطرية
5/3/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.