الشعب الفلسطيني لايزال يواصل صموده علي بدوان لم يكن تيودور هرتزل وفلاديمير جابتونسكي (جوزف ترمبلدور) من أساطين الحركة الصهيونية العالمية يساورهما الشك وهما يحلمان بأن يريا الدولة اليهودية وقد قامت فوق الأرض الفلسطينية في ظل التحولات الدولية التي بدأت تعتمل منذ أن أطلت تباشير تفكك الامبراطورية العثمانية. فقد اعتقدا بأن الدولة اليهودية النقية سترى النور بعد الاقتلاع الكامل والتبديد القومي والوطني للفلسطينيين في ظل تحولات الامبراطورية العثمانية والانهيارات المتلاحقة التي بدأت تهز أركانها. الا أن حسابات الحقل الصهيوني لم تتطابق مع حسابات البيدر بعد 58 عاماً من قيام الدولة العبرية، فقد صمد ماتبقى من الفلسطينيين فوق أرضهم عام 1948 في الجليل والمثلث والنقب والساحل، وانطلق المارد الفلسطيني في الثورة المعاصرة عام 1965 يعلن للعالم بأسره انهيار النظرية العنصرية الصهيونية التي تقول بالدولة اليهودية النقية. فقد أحالها الصمود الفلسطيني والتجذر فوق أرض الأباء الى ركام، والى نظرية هشة لا أمل لها بالحياة على سطح كوكب يعج بعوامل التفاعل الهائل بين المكونات البشرية على سطحه. وقبل أشهر قليلة من ذكرى نكبة فلسطين، وعشية العام ال 60 على اعلان الزعيم الصهيوني التاريخي ديفيد بن غوريون من تل أبيب قيام الدولة الاسرائيلية على أكثر من 78% من أرض فلسطين التاريخية، وبعد سلسلة طويلة من عمليات قدوم الأمواج البشرية من المستعمرين الصهاينة الى فلسطين، بلغ عدد سكان اسرائيل 000 ,026 ,7 نسمة، وهو أكبر ب 7 ,8 ضعف من عدد السكان لحظة قيام اسرائيل وتهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني من أرض وطنهم، حيث كان عدد السكان (اليهود + من تبقى من العرب آنذاك) 806 آلاف نسمة. في العام الاخير، وحتى بداية مايو 2007، ووفق مصادر المكتب المركزي للاحصاء الاسرائيلي، ازداد عدد سكان اسرائيل ب 000 ,118 نسمة.ومعظم الارتفاع (104 آلاف) نبع من الزيادة الطبيعية (الولادات ناقص الوفيات) للسكان. وفي هذه الفترة ولد في اسرائيل 000 ,138 وليد من عائلات يهودية وغير يهودية من القادمين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، الذين وسموا أنفسهم بالتحول نحو التبني الشكلي للعقيدة اليهودية من أجل الهجرة فقط الى اسرائيل، والحصول على المكاسب الموعودة من منازل فخمة وأراض وفرص عمل واستثمار في أرض اللبن والعسل.كما وصل الى اسرائيل 21 ألف مهاجر من اليهود المستعمرين الجدد، منهم 300 ,9 مستعمر من دول الاتحاد السوفياتي السابق (روسيا، أوكرانيا، جمهوريات البلطيق : ليتوانيا، أستونيا، لاتفيا)، ونحو 700,3 من يهود الفلاشا من اثيوبيا، 500 ,2 من يهود فرنسا، و 000,2 من يهود الولاياتالمتحدة. وبالمقارنة النسبية مع سنوات خلت، فقد تراجعت أعداد اليهود القادمين الى فلسطين بغرض الاستيطان، وتراجع معها تدفق مزراب التمويل الخارجي المقدم من تبرعات الجاليات اليهودية في العالم لعمليات الاستيطان الجائر. من جانب آخر، بلغت أعداد السكان العرب الفلسطينيين داخل فلسطينالمحتلة عام 1948 ما مجموعه 000 ,387 ,1 نسمة، يشكلون 20% من اجمالي السكان داخل حدود 1948، اما باقي ال 000 ,639 ,5 من السكان، فهم من اليهود (000 ,333 ,5 أي بنسبة تقارب 76%)، وهناك 000 ,306 من المستعمرين الجدد الذين وفدوا بغرض الاستيطان ومن غير المسجلين كيهود في وزارة الداخلية الاسرائيلية، وغالبيتهم من روسيا وأوكرانيا. ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي، عندما لم يكن لدى دولة اسرائيل الصهيونية من رصيد مناسب من أموال تدفعها مقابل القمح والوقود لولا الدعم الاستعماري الخارجي حينها تحدث دافيد بن غوريون عن أهمية الاستقلال الاقتصادي كما كان يحلم خوفاً على مستقبل مروعة في استكمال بناء « «الدولة اليهودية النقية». وفي مطلع السبعينيات من القرن الماضي، تحدث قادة الدولة الصهيونية عن خطة اقتصادية لإنجاز الاستقلال الاقتصادي التام. والفكرة تمحورت وارتكزت على زيادة الصادرات بوتيرة سريعة حتى تمول كل الواردات، وبذلك لا تكون هناك حاجة للتسول أمام أعتاب المُقرضين والمانحين كما ذكت المصادر الاسرائيلية في حينها. أما العجز في ميزان المدفوعات فلم يعد يملك المغزى الذي كان يملكه في السابق لأن سعر العملة الصعبة حر، ولذلك سيصل حسب التوقعات، ميزان المدفوعات دائماً الى نقطة التوازن. واذا لم تقم الولاياتالمتحدة والمانيا ويهود الشتات بتحويل 4 مليارات دولار لاسرائيل سنوياً، فسينشأ نقص في الدولارات والعملات الصعبة، ويحدث عندها انخفاض في قيمة العملة فتزداد الصادرات وتقل الواردات، وينشأ اختلال توازن جديد في ميزان المدفوعات. وستبدو المشكلة أن الفائدة في هذه العملية سترتفع، والنمو الاقتصادي سيقل، فتضطر عندها الدولة العبرية الى رفع الضرائب حتى تمول . ولكن المنح والهبات هي جزء من الصورة فقط. يتوجب أن نذكر دائما الدعم الاقتصادي الاميركي الذي يحول دون فرض العقوبات من الاممالمتحدة، والدعم العسكري الذي يوفر لاسرائيل تفوقا عسكريا، والدعم العلمي.أي أن اسرائيل في العام ال 58 من قيامها ليست أكثر من دولة تبعية اميركية. وعليه فإن الدولة الاسرائيلية الصهيونية، وبعد 58 عاماً من قيامها، مازالت تعاني مأزق الوجود، وتعيش أزماتها المتلاحقة، في ظل التحول الطبيعي الآتي اليها من دولة يهودية خالصة الى دولة مختلطة لكل مواطنيها، وتالياً في فقدان هويتها الاثنية التوراتية التي لم يعد لها مكان ومستقبل في الحياة على كوكب الانفتاح. وبالنتيجة فإن الدولة اليهودية النقية أصبحت خلف التاريخ، ولامكان لها في عالم اليوم. فالشعب الفلسطيني وبالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها في واقع سياسي متغير، يواصل صعوده عبر برنامجه الوطني، ويواصل حضوره على خريطة العالم، بعد أكثر من نصف قرن من محاولات الطمس والتذويب القومي التي مارستها بحقه الحركة الصهيونية العالمية. عن صحيفة الوطن القطرية 3/3/2008