هل تبحث إسرائيل عن صيد "إقليمي" ؟ حسن عصفور لم يعد الإنسان المتابع للحركة السياسية بحاجة إلى المزيد من الدلائل والشهود، عن درجة الاستهتار الاميركي الإسرائيلي بحالة الاستقرار السياسي في منطقة "الشرق الأوسط"، فمنذ العودة من مؤتمر "آنا بوليس" الذي رعته أميركا تحت عنوان "مسيرة السلام" ومجمل الشواهد تقود إلى التعاكس الكلي مع مسيرة السلام، ليس فقط على المسار الفلسطيني وإنما على العلاقات الإقليمية أيضا، وليس فقط في المناطق الساخنة فحسب، بل يمتد إلى مناطق أخرى. فإسرائيل الطرف الأساسي في إعادة درجة التوتر الذي يسبق الانحدار، تقوم بانتهاج ممارسات سياسية وعدوانية تشكل مقدمات إلى عمل عدواني عسكري، يتجاوز ما هو قائم من أعمال يومية لخدمة المشروع الاميركي الأساسي من أجل إحداث تغيير جوهري في بنية "الإقليم السياسي" وربما يصل إلى تغيير يشمل الجغرافيا والحدود وليس فقط "القوة والتأثير". فإسرائيل التي تتجه الآن لصياغة معادلة عسكرية سياسية تستند إلى الدعم الاميركي الكامل تعمل من اجل إنهاء "المشروع الوطني الفلسطيني" وإلغاء منتجات اتفاقية أوسلو السياسية والكيانية، وخاصة ما يتعلق منها بالوحدة الجغرافية السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة وإحداث "تعديل" في مفهوم "الولاية" على الحالة الفلسطينية، هذه المسألة التي تحدث عنها شمعون بيريس "رئيس دولة إسرائيل" عندما كان وزيرا للخارجية في حكومة رابين وقبل الاغتيال عام 1995، عندما طرح مشروعا كان يمثل مفاجأة سياسية في حينه، لأنه يتصادم بالكامل مع الاتفاقية الموقعة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، اعتمد"مشروع" بيريس في حينه على بداية "التعقيد" التفاوضي حول مسألة القدس واللاجئين، ولأنه يعتقد (بيريس) بضرورة عدم توقف المسيرة، فانه أراد استبدالها بمسيرة أخرى تنتهي الإمكانية التي "سرقها" اتفاق أوسلو من الفكر الصهيوني. كان الاقتراح يقوم على أساس"إعلان دولة غزة" بكل ما يجب أن تكون عليه مقومات الدولة وان نبدأ في دراسة "التقاسم الوظيفي" في الضفة الغربية بين الأطراف الثلاثة : فلسطين والأردن وإسرائيل (الأردن رفض المشروع مباشرة). وحاول شمعون بيريس أن يستخدم "الإغراء الاقتصادي" كجسر تسويقي لمشروعه الذي شكل أول خطوة لتطويق إمكانية قيام "الدولة الفلسطينية" أو بالأحرى استمرار السلطة الوطنية الفلسطينية جسدا موحدا لكيان وطني فلسطيني. والرفض الفلسطيني لما طرحه بيريس رغم محاولة البعض تسويقه ليس هو ما يميز الموقف آنذاك، وإنما فتح الرئيس الخالد أبو عمار نقاشا جادا "لمطبخه السياسي" حول لماذا "المشروع الآن" وما هي الأبعاد السياسية له وانعكاس ذلك على المفاوضات السياسية ل"لحل الدائم" وأثره على "الحل الانتقالي" الخاص بالضفة الغربية ومكانة القدس التي جاءت في اتفاقية أوسلو "كونها جزءا من البرلمان" الفلسطيني القادم، الأسئلة كثيرة والأجوبة اقل ولكن كان شبه إجماع عن مخاطر"الفكرة" على المستقبل، ومن هنا بدأت معركة الدفاع الثانية عن الكيانية الفلسطينية. وبعد سنوات عدة نعيش اليوم بعضا من تلك الفكرة وان لم تكن مكتملة، حيث تبحث إسرائيل عن استخدام "إمارة غزة" كفخ سياسي لمجمل القضية الوطنية من خلال تصعيد عسكري شامل، قد يتخذ أشكالا تتجاوز ما حدث سابقا الأمر الذي سيعكس نفسه على الحالة الفلسطينية بكاملها، وليس فقط قطاع غزة و"حماس"، وربما تتأثر دول الجوار بما قد يبرز جراء ذلك ولعل إسرائيل تبحث نتيجة لذلك عن فرض "أجندة سياسية" من نوع جديد ولكنه يستند إلى الفكرة الرئيسية وهي بحث الكيانية الفلسطينية في سياق مختلف وتحت شكل جديد من أشكال "الوصاية"، الأمر الذي سيكون تغيرا جوهريا في "البعد الاقليمي الجديد". وما يحدث في سورية ولبنان، خاصة بعد اغتيال عماد مغنية وإعلان حزب الله "حربا مفتوحة" على إسرائيل، يمثل البعد الثاني في اللعبة الأميركية الإسرائيلية لإدخال المنطقة المركزية في الشرق الأوسط في حال تصعيد من نوع جديد، وكان لافتا أن أبعاد اغتيال عماد مغنية تتجاوز مسألة التخلص من شخص رغم أهميته الأمنية والعسكرية، إلا أن الرسائل التي يحملها الاغتيال ربما تفوق التصفية ذاتها . وهناك احتمالات متعددة لتلك العملية الأمنية تبرز منها محاولة جرّ حزب الله إلى معركة عسكرية سواء في لبنان أو خارجها، لتشكيل غطاء لإسرائيل ومن ثم أميركا للتوجه للقيام بعمل عدواني عسكري قد يصل لطهران، ويمثل ضغطا عسكريا على سورية على اقل تقدير، وذلك في سياق إنهاء حالة "التذمر الايراني" أو"التمرد الايراني" النسبي في بعض المسائل الإقليمية الشائكة، بما قد يشكل بوابة لوضع "اقليمى جديد" وفرض شروط تعطي لإسرائيل مكانة تتجاوز ما هو لها "في الواقع الراهن، وإسرائيل التي تدرك قبل الآخرين أن "الحسم العسكري" ليس خيارا مناسبا في هذه المرحلة لخصومها رغم "اللغة الخطابية" و"التهديد اللامتناهي"، وذهاب البعض ابعد قليلا من ذلك، عندما اشار الى أن "وجود" إسرائيل الآن بات مهددا، رغم ذلك فان إسرائيل عمليا هي التي تبحث الآن عن ذريعة مهما كانت لاستخدام أداتها العسكرية بقوة وعنف، سواء ضد فلسطين أو إيران أو لبنان وربما سورية إذا لم تحسن إدارة موقفها السياسي قبل فوات الأوان . إن التطورات الأخيرة السياسية والعسكرية، هي صناعة أميركية إسرائيلية هدفها السياسي بات واضحا قد لا يراه البعض، أو لا يريد ذلك أو يحاول تجاهله أو الاستخفاف به، إلا انه قائم . فهل يتم الانتظار الى ان يحدث ما يجب الا يحدث، أم يمكن لأصحاب القرار تدارك الأمر قبل أن تفرض إسرائيل أجندتها السياسية عبر المعارك العسكرية. ... قبل فوات الأوان، تداركوا "الفراغ الرئاسي اللبناني" واستمرار "حماس في انقلابها" واستخفاف إيران بالموقف السياسي العربي ومصالحه الإقليمية وبقاء سورية في خصومة لا طائل منها مع بعض العرب ... تدارك ضروري قبل أن يذهب البعض للفخ الإسرائيلي بصبيانية سياسية .. عن صحيفة الايام الفلسطينية 19/2/2008