انبعاث الوحدة من الروح القومية أحمد حمروش تقبل علينا بعد أيام الذكري الخمسون ليوم لن يضيع من ذاكرة التاريخ.. هو يوم الوحدة المصرية السورية21 فبراير1958 عندما تم الاستفتاء علي إعلان الجمهورية العربية المتحدة... تقبل ونحن أحوج ما نكون إلي استرجاع الظروف التي أدت إلي هذه الوحدة... ودراسة الواقع الذي تعيشه اليوم الأمة العربية التي تجمع22 دولة. ورغبة الأمة العربية في التوحد بدت واضحة منذ وقعت الدول العربية المستقلة بروتوكول إنشاء الجامعة العربية يوم17 أكتوبر1944 في عهد الحكومة الوفدية والتي أقيلت في اليوم التالي مباشرة خشية محاولة حشدها للأمة العربية في النضال ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي... وذلك قبل إنشاء الأممالمتحدة. وكان انتصار ثورة23 يوليو في مصر دافعا لانبعاث الروح القومية في صورة إيجابية.. فقد ساندت مصر ثورة الجزائر التي اشتعلت في مطلع نوفمبر1954 وأعلن عن قيامها من الاذاعة المصرية( صوت العرب) في وقت كان جنود الاحتلال البريطاني مازالوا موجودين في منطقة قناة السويس. كان المد الوحدوي يزداد وضوحا مع الأحداث التي تتعرض لها الأمة.. وعندما شن العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الاسرائيلي هجومه علي مصر في أكتوبر1956 قامت السلطات السورية بنسف أنابيب البترول البريطانية القادمة من العراق إلي سوريا حتي البحر الأبيض المتوسط في أول نوفمبر1957.. وكان ذلك تعبيرا عن وحدة الأمة العربية في نضالها ضد الامبريالية, واستجابة لمظاهرات الغضب التي اجتاحت العالم العربي. وكانت تجربة الوحدة الأولي بين مصر وسوريا معرضة لمشاعر متضاربة.. التردد كان نابعا من عدم وجود حدود مشتركة, واختلاف التجارب السياسية والاقتصادية, وتهديدات الغرب التي لا تقبل قيام دولة وحدة عربية مناهضة للامبريالية.. والاقدام علي الوحدة كان نابعا من التيار الشعبي الشديد المؤيد للوحدة بين مصر وسوريا والطموح إلي تحقيق أول وجود عملي للقومية العربية ممثلا في أول دولة للوحدة. وكانت الفترة التي أعلنت فيها الجمهورية العربية المتحدة خاضعة لضغوط الحرب الباردة, ومحاولة كل معسكر جذب الدول المتسقة معه في رؤيته السياسية والاقتصادية.. ومع ذلك فقد كانت نتيجة الاستفتاء الذي تم يوم الجمعة21 فبراير1958 الموافقة بنسبة98 في المائة علي إقامة دولة الوحدة وانتخاب جمال عبدالناصر رئيسا لها.. وأصبح شكري القوتلي رئيس الجمهورية السورية المواطن الأول. ولم يقدر لدولة الوحدة الأولي أن تواصل مسيرتها وتتحول إلي قوة جذب لدول أخري.. فسرعان ما تكشفت التناقضات بين القوي السياسية المختلفة.. وظهرت أخطاء في الادارة العليا التي تولاها المشير عبدالحكيم عامر في سوريا.. ونجحت القوي الاستعمارية في النفوذ إلي قوي المعارضة الداخلية, وحدث الانفصال في28 سبتمبر1961 والذي اعتبر أكبر ضربة سياسية لفكرة الوحدة العربية. ولم تكن هذه هي التجربة الوحيدة للوحدة العربية.. فقد نجحت بعد ذلك في ظهور دولة الامارات العربية المتحدة وفي وحدة اليمن الشمالية والجنوبية عام1994. واليوم.. وبعد خمسين عاما من قيام أول دولة للوحدة نرقب اهتماما سياسيا واسعا بهذه القضية التي تعتبر قضية محورية في مستقبل العرب خاصة في هذه الفترة التي ظهرت فيها التجمعات الاقليمية في أنحاء العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي( الآسيان والكومنولث والاتحاد الأوروبي).. والعرب هم أكثر الأمم اقترابا من تحقيق فكرة التجمعات الاقليمية الموحدة التي يضمها دستور واحد لأنهم يتحدثون لغة واحدة ولهم تاريخ مشترك وتجمعهم مصلحة واحدة.. بينما الاتحاد الأوروبي يضم25 دولة والترجمة الفورية بينها تضم14 لغة في الاجتماعات الرسمية. والظاهرة التي تستوقف النظر هي الاهتمام العربي بإحياء الذكري الخمسين لقيام أول دولة للوحدة العربية( الجمهورية العربية المتحدة).. ففي الأردن ينظم الأمير الحسن رئيس وراعي منتدي الفكر العربي ورشة عمل فكرية في عمان يوم21 فبراير بمناسبة مرور نصف قرن علي ذكري الوحدة بين مصر وسوريا لبحث الدروس المستفادة من تجارب الماضي وأحوال الحاضر وآفاق المستقبل... كما تنظم اللجنة المصرية للتضامن ندوة يوم17 فبراير حول هذه المناسبة دعت إليها بعض الشخصيات العربية التي أسهمت بجهودها وأفكارها في دعم الوحدة العربية. وهكذا يمكن القول إن انبعاث فكرة الوحدة من القومية العربية مازالت نابضة بالحياة بما يؤهل الأمة لتحقيقها في المستقبل.. وهو ما تتطلع إليه شعوب الأمة العربية التي تجد في ذلك مصلحة لها تحميها من التدخلات الأجنبية, وتحقق لها تنمية اجتماعية شاملة. عن صحيفة الاهرام المصرية 18/2/2008