رائحة النفط والغاز حياة الحويك عطية لم يكن فلاديمير بوتين أول من اشتمها، فلقد سبقه الشعار المشهور: “إنه النفط يا غبي"، وسبقه مئات المحللين السياسيين الذين صاغوا بطريقة أو بأخرى مقولة أحدهم إن من يريد أن يعرف خريطة الحروب المقبلة على الكرة الأرضية، فما عليه إلا أن يقرأ خريطة الحقول النفطية تحت الأرض أو تحت البحر. لكن الرئيس الروسي الذي أثبت أنه خليفة بطرس الأكبر، لا في طول قامته فحسب وانما في قدرته الفائقة على إنهاض قدرات بلاده، كرس المقولة بخصوص النفط والغاز معا، وعممها على النزاعات العسكرية وعلى التحركات السياسية والدبلوماسية. فمذ جاء الرجل إلى الحكم وجد نفسه على رأس الدولة العظمى السابقة وقد حولتها سياسات القزمين الضخمين: غورباتشوف ويلتسين إلى أرض مدمرة ودولة تكاد تتحول إلى تابع ضعيف للولايات المتحدة. نظر إلى خريطة العالم جيدا، فوجد أن الولاياتالمتحدة تربعت على رأسها منذ انهيار جدار برلين، وسلاحها الأساسي الهيمنة على النفط، خاصة النفط العربي، وعلى الأخص اكثر بعد احتلال العراق. أدرك أنه قد يستطيع، عبر تحالفات ما، أن يحد من هذه الهيمنة الأمريكية النفطية، ولكن بشكل جزئي جدا. فنظر إلى القوة الثانية في مجال الطاقة وفيها تحتل بلاده موقعا رئيسيا. وتأتي بعدها إيرانوالجزائر والصين وقطر. إذن مجموعة دول غير قريبة من واشنطن، فطمح إلى تشكيل منظمة للغاز موازية لأوبيك النفطية لا تكون الهيمنة فيها للعم سام، أنشأ منظمة شنغهاي مع الصين وضم إليها إيران التي ساعدها على بناء قوتها، واتجه إلى الجزائر، بل وحتى حاول التقرب من قطر. كان يتحرك وعينه تعبر حدوده شرقا نحو آسيا وغرباً نحو أوروبا، التي طالما انطلق منها التهديد نحو موسكو. وبالأمس بينت لنا خطته حتى 2020 انه لا يستبعد أن تجتذب رائحة النفط والغاز حلف شمالي الأطلسي نحو ثلوجه من جديد إما استجابة لأطماع، وإما لمنع إعادة تعددية الأقطاب إلى الساحة الدولية. ولذلك بات بوتين يدرك أن مسألة توازن الرعب أمر لا يقع في خط الهيمنة وإنما في صلب الأمن القومي. خاصة بعد حدوث تطورين مهمين: الأول فشل وهو محور موسكو - برلين - باريس الذي حاول أن يبنيه مع شرودر وشيراك، ووصول بديلين متأمركين حتى العظم في كل من ألمانيا وفرنسا، بما يثبت أن الصراع بين قوى الاستقلالية الأوروبية وقوى التبعية للولايات المتحدة ليس مضمونا لمصلحة الأولى. والثاني توسيع الاتحاد الأوروبي ليضم دول أوروبا الشرقية الموالية بحدة لواشنطن بفعل ردة فعلها على الاتحاد السوفييتي السابق والنظام الاشتراكي، وحلم الأمركة الذي ستحتاج إلى وقت طويل لتختبر سرابه. ومن ثم انضمام العديد من هذه الدول إلى حلف الأطلسي بما يجعله على أبواب روسيا، حيث ينصب منظومات صواريخه باتجاه مدنها. من هنا تاتي مركزية الغاز إلى جانب مركزية التسلح، لأن هذه الطاقة تعطيه إمكانية الضغط على أوروبا في حين لم يتامن التحالف معها. وبتعبير أبسط: الردع إما بالود أو بالتهديد. لذا رأينا ساركوزي يبادر، وهو بعد مرشح للرئاسة، إلى عرض الطاقة النووية على الجزائر مقابل النفط، ويستكمل سعيه في أول زيارة رسمية له بعد انتخابه إلى عاصمة المليون شهيد. بل ويستثني المغرب من الزيارة مبالغة في الاسترضاء. وإذا كان قد أردف سعيه نحو الغاز بطرحه المتوسطي، فليس هذا الحلف المتوسطي الذي طرحه استئنافا للمشروع الديغولي، بل نقيضه. لأن متوسط ديغول هو قوة تساعد على الاستقلال عن واشنطن في حين أن متوسط ساركوزي هو حلقة مربوطة بزنار أمريكا. واذا كانت كل هذه العناصر تدفع بباني روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي إلى إعلان خطته لاثنتي عشرة سنة مقبلة، تاركا إياها أمانة لخليفته قبل أن يترك الحكم، فيما يضمن مستقبل بلاده في خضم هذه الأنواء، فإن قراءة بسيطة من جانبنا نحن العرب تقول إن هذا السياق يفتح لنا اكثر من باب، خاصة أن بوتين دان في هذا الخطاب وبوضوح الاحتلال الأمريكي للعراق واعتبره تدميرا للبلد وللمنطقة. وإن بحثه عن التوازن يعطينا فرصة اللعب على التوازنات والإفادة منها على المديين القريب والبعيد. ولنا في إيران أكبر مثال. فهل من يتعب نفسه ويفتح عينيه، ويبحث عن حل عقدة قيده؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 12/2/2008