نقيب المحامين يترأس اليوم جلسة حلف اليمين للأعضاء الجدد    الريال العماني يواصل استقراره أمام الجنيه في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 21-10-2025    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني صباح اليوم الثلاثاء    وزير الاستثمار: الحكومة تركز على تعزيز مساهمة القطاع الخاص باعتباره المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي    السيسي يتوجه لبروكسل لرئاسة وفد مصر في القمة المصرية الأوروبية الأولى    وزيرة التخطيط تشهد توقيع بروتوكول تعاون بين القومي للحوكمة والتنمية المستدامة وجامعة القاهرة لتعزيز التعاون المشترك    مسئولون أمريكيون: إدارة ترامب تحاول منع نتنياهو من إلغاء اتفاق غزة    تأجيل محتمل ل اللقاء المنتظر بين ترامب وبوتين في المجر.. تفاصيل    ترامب: تم تحقيق السلام في الشرق الأوسط للمرة الأولى ولن نرسل جنودا إلى غزة    فكر خارج الصندوق، بشارة بحبح يوجه رسالة مؤثرة إلى أهالي قطاع غزة    الاتحاد المغربي: أسعار لاعبي مصر مبالغ فيها، والزمالك سبب استبعاد معالي من مونديال الشباب    ارتفاع كبير بالقاهرة والصعيد في المنطقة الآمنة، درجات الحرارة اليوم في مصر    القبض على شاب انتحل صفة ضابط شرطة ونصب على طالبة بالجيزة    استعجال التقرير المروري لحريق سيارة ملاكي بالتجمع الأول    14 عاما على رحيل المطربة المحامية فايدة كامل.. أول فنانة تدخل البرلمان.. دخلت موسوعة "جينيس" باعتبارها أقدم نائبة تحت القبة.. وأشهر المطربات اللاتي قدمن الأغنية الوطنية    تامر أمين عن سرقة مجوهرات نابليون من اللوفر: اللي يشوف بلاوي غيره يحمد ربنا على نعمة مصر    مخاطر تقديم الكافيين للأطفال الأقل من 12 عاما    رئيس البرلمان العربي يطالب بتشكيل مجموعة عمل برلمانية لدعم تثبيت وقف إطلاق النار في غزة    أمينة خليل: أنا وسط البنات اللي في جيلي تأخرت شوية في الجواز    تاريخ مواجهات برشلونة وأولمبياكوس.. فوز وحيد    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي القاهرة وكفر الشيخ    الثلاثاء 21 أكتوبر 2025.. نشرة أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    شريف فتحي: تعزيز التعاون السياحي بين مصر ومنظمة الأمم المتحدة للسياحة    «التضامن» تعلن فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية.. غدًا    أمريكا وأستراليا توقعان إطارا للمعادن الحيوية والعناصر الأرضية النادرة    فرنسا.. ساركوزي يصل إلى سجن بباريس لبدء قضاء عقوبة سجنه لمدة 5 أعوام    تصريحات ذكرتنا بالحقائق    مصر وفرنسا تبحثان خطة إعادة إعمار القطاع الصحي في غزة    الصحة تعلن أهداف النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    "تأهيل وتوعية الطلاب بدور المشروعات المتوسطة والصغيرة فى تعزيز الاقتصاد".. ندوة ب"طب بيطري بنها"    ياسين منصور: لا ديكتاتورية في الأهلي.. وهذه تفاصيل جلستي مع الخطيب    مصرع فتاة سقطت من الطابق الرابع أثناء تعليق ستارة فى بولاق الدكرور    إصابة 13 شخصا إثر انقلاب ميكروباص فى العياط    بسبب 200 جنيه.. مقتل فكهاني طعنا على يد سباك في الوراق    محاكمة 68 متهمًا في قضية خلية قصر النيل بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية    وليد عبداللطيف: الأهواء الشخصية تسيطر على اختيارات مدربي المنتخبات الوطنية    ميدو: كنا نسبق الكرة المغربية.. والعدل في الدوري سبب التفوق    سيمفونية وجدانية.. عمر خيرت يحيي حفلا استثنائيا في الأوبرا    ناهد السباعي: «السادة الأفاضل» ليس فيلم ممثل واحد.. ولم أشعر بصغر مساحة الدور    مع اقتراب دخول الشتاء.. أبراج تبحث عن الدفء العاطفي وأخرى تجد راحتها في العزلة    بعد 11 يوما.. الملك الذهبي يطل على العالم بكنوزه كاملة لأول مرة من أمام إحدى عجائب الدنيا السبع    الحكومة: تنظيم مهرجان شتوى فى تلال الفسطاط على غرار فعاليات العلمين    نجلاء بدر وروجينا بإطلالتين ملفتتين على السجادة الحمراء فى مهرجان الجونة    ما حكم الاحتفال بالموالد مثل مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب؟ وما حكم أفعال بعض الناس خلال الموالد من الذبح والنذور وغيرها من الطقوس ومظاهر الاحتفال؟ وما حكم تشبيه بعض الأفعال الخاصة فى الاحتفالية بمناسك الحج؟    المشرف على رواق الأزهر عن جدل مولد السيد البدوي: يجب الترحم عليهم لا الرقص عند قبورهم    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    جامعة الأقصر: دمج ذوي الهمم في الأنشطة الجامعية خلال العام الجامعي الجديد وتسهيل التواصل الرقمي    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ الدكتورة فاتن العليمي بمناسبة صدور القرار الجمهوري بتعيينها عميدا لكلية السياحة والفنادق    وزير الصحة يتابع نتائج زيارته إلى الصين لتعزيز التعاون في الصناعات الدوائية والتحول الرقمي    كيف تميز بين نزلة البرد العادية والتهاب الجيوب الأنفية؟    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة السد في دوري أبطال آسيا    القائد العام للقوات المسلحة يستقبل اللواء محمود توفيق وزير الداخلية للتهنئة بذكرى انتصارات أكتوبر    بيان عاجل لوزارة العمل حول زيادة الحد الأدنى للأجور    متحدث «الشباب والرياضة» يكشف أزمة الإسماعيلي بالتفاصيل    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها؟.. دار الإفتاء تحسم الأمر    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قوانين مضحكات مبكيات.. الجزائر نموذجا / اسماعيل القاسمي الحسني
نشر في محيط يوم 17 - 09 - 2009

قوانين مضحكات مبكيات.. الجزائر نموذجا


*إسماعيل القاسمي الحسني

لا شك أن الأنظمة العربية تتشابه سياساتها، لذلك لست أجد حرجا في تناول الجزائر نموذجا بما أنني أحد مواطنيها، وحالها ينسحب على معظم شقيقاتها، فليس المقصود هنا الجزائر استثناء، بل مثلا لا يختلف في كثير من أوضاعه وتفاصيله، عن سائر الدول العربية، وكذلك هموم شعبها إلا بنسب متفاوتة ضئيلة.


قفز إلى ذهني عنوان هذا المقال، بعد مصادقة الحكومة والبرلمان الجزائريين على قانون المرور المعدل ؛ وأهم ما عدل فيه رفع العقوبة من 5 إلى 10 سنوات سجن، والغرامة المالية من 5000يورو إلى 10.000 يورو، بالإضافة إلى مدة سحب رخصة السياقة وإجراءات تفصيلية أخرى يستغني هدف الموضوع عن ذكرها.


سأتناول هذا الموضوع كعادتي من منظور مواطن بسيط، لأطرح السؤال التالي: هل يعقل أن يضع أحد ما قانونا أكثر نفعا لنظام ووسائل لم يخترعها بل يعد مستهلكا لها من ذاك الذي وضعه من أبدعها وسن نظامها؟ من المعلوم أن مخترع وسائل النقل الحديثة وبنيتها التحتية ومؤطر نظمها هو العالم الغربي، وما العالم العربي في هذه المعادلة إلا الطرف المستهلك، فكيف يعقل أن يتفتق ذهن المشرع العربي على عقوبات لم يتناولها على الإطلاق بهذه الحدة المشرع صاحب الاختراع والإنتاج والتسويق !.


من دواعي وضع هذا القانون، بزعم مشرعيه الحد من حوادث المرور وإرهاب الطرقات، التي كانت تحصد قبل وضعه حسب التصريحات الرسمية 4000 ضحية سنويا، لكن النتيجة بعد سنوات من تطبيقه، ارتفع عدد الضحايا إلى نسبة 50' أي 6000 ضحية، ما يفهم من هذه النتيجة أن هذا القانون الردعي لم يؤت أكله بل زاد الطين بله، فكيف تأتى للمشرع الجزائري أن يعدله في اتجاه رفع العقوبات إلى حدود لا يعمل بها أي نظام طرقات عبر العالم!؟. ثم كيف لم يلتفت ببساطة إلى احتمال وجود مسببات أخرى، غير عدم احترام السائقين لقانون المرور؟.


لا ظرف يحتوي القانون


أعتقد والله أعلم- أنه من الواقعية والموضوعية، قبل سن أي قانون يجب تهيئة ظرفه الذي يحتويه، بمعنى قبل وضع قانون السير في الطرقات لابد من وجود الطرقات ذاتها، وإلا سيعد الأمر تخلفا ذهنيا، وفي موضوع الحال لا أكشف سرا إذا قلت أنه ليس لشبكة الطرقات في الجزائر من الاسم إلا الرسم، فمعظمها لا يطابق معايير الدول العربية ناهيك عن الغربية فبيننا وبينهم مسافة تعد بالقرون الضوئية. فكيف لم يلتفت المشرع الجزائري إلى التقارير الرسمية التي تؤكد نتائجها أن نسبة 40' من الحوادث، والتي يسعى بحد زعمه إلى خفضها تعود أساسا إلى حالة الطرقات المتهرئة؟ لماذا لا توجد عقوبات تطال المتسبب في هذه الحالة؟ وهنا تعود المسؤولية للسلطة وإخلالها بواجباتها نحو من سنت قوانين لعقابه.


ثم أليس من العدل قبل مضاعفة العقوبة المجحفة على سائقي شاحنات النقل، أن تهيئ لهم أروقة يسيرون فيها؟ فمعلوم لدى الأنظمة التي تملك أبسط صور الاحترام لوجودها، أروقة خاصة في الطرق السيارة لهؤلاء؛ وبالموازاة معها شبكة نقل تخفف من ضغط العدد الهائل لهذه الشاحنات، منها شبكة السكك الحديدية والنقل الجوي للبضائع، أين المشرع من كل هذه الواجبات نحو المواطنين قبل سن قوانينه وتعديلها، فغني عن التذكير بأن نقل البضائع ضرورة رئيسية لا يمكن الاستغناء عنها، وتتزايد بشكل طردي مع تزايد عدد السكان.


إضافة على هذا، تشير التقارير الرسمية، إلى أن نسبة عالية في حوادث المرور تعود إلى قطع الغيار المغشوشة المستوردة من شرق آسيا، التي تغرق السوق الوطنية، وبحكم الضرورة الاستهلاكية يقتنيها المواطن لوفرتها وثمنها الزهيد، في مقابل ندرة قطع الغيار الأصلية وغلائها الفاحش، هذه الوضعية تعود فيها المسؤولية بالدرجة الأولى إلى السلطة، التي سنت هذا القانون المجحف، ضاربة عرض الحائط واجباتها نحو المواطن ليجد نفسه يدفع ثمن تقصيرها في توفير قطع الغيار الأصلية بحادث سيارته وإن خرج منه حيا تصدمه عقوبة السجن والغرامات المالية التي تتجاوز كل قدراته.


ومن بين العوامل المساهمة مباشرة في رفع نسبة حوادث المرور، هو ذلكم القانون الذي صادق عليه البرلمان منذ عشر سنين، وبشكل يناقض مواد الدستور، ناهيكم عن نصوص الشريعة الإسلامية التي نزعم احترامها، والمتمثل في منع المواطنين من استيراد السيارات القديمة (أقل من 3 سنوات)، مما ساهم في تمسك الطبقة (التي كانت) الوسطى بسياراتها منذ ذلك الحين، لتصبح اليوم بعمر عشر سنوات أو يزيد.


لأنه لم يعد بمقدورهم شراء السيارات والشاحنات الجديدة، سألت حينها بعض النواب ليس عن شرعية ولا مشروعية ذلكم القانون، لعلمي القاطع بانعدامهما، ولكن عن الحجة التي استند إليها المشرع، فكانت الإجابة غاية في الغرابة، لقد زعم الوزير المسؤول أنه 'كرامة' لم يعد مقبولا أن تكون الجزائر مجمع خردة أوروبا؛ هكذا بكل صفاقة وجه، والحال أنه يسمح باستيراد الألبسة الداخلية المستعملة، وبشكل مشروع بل وبتشجيع من المشرع نفسه، لا يحتاج الموقف هنا إلى تعليق، لأنه لا يمكن وضع السيارات المستعملة والألبسة الداخلية المستعملة في ميزان الكرامة والعقل السليم.


كل هذه العوامل تعد الفاعل الأقوى في رفع نسبة الحوادث، وقطعا تتحمل السلطة لوحدها مسؤولية التقصير؛ ليبقى عامل آخر يتقاسم فيه المواطن والسلطة المسؤولية، وهو إشارات المرور، يدعي مشرع هذا القانون أن من أهم الأسباب الإفراط في السرعة والتجاوز في الأماكن الممنوعة، غير أنه أغفل بأن نظام إشارات المرور القائم منذ نصف قرن على طرقاتنا، لا يستجيب بأي شكل مع المتغيرات وهذا القانون 'العقاب'، فمن المعلوم أن إشارات المرور الحديثة باتت توضع في حقل رؤية السائق إلى الأعلى، حتى لا يحجبها شيء، كما زيد في أحجامها لترى من مسافات بعيدة مع تغيير في مواد دهنها تتميز بالوضوح نهارا والبريق ليلا، إن لم تكن أصلا مضيئة.


كل هذا تجاوزه المشرع ولا يعترف بأن لوحات المرور الأثرية التي يستند إليها العون في تحرير المخالفة وسحب الرخصة، لازلت على يمين الطرقات، ترتفع بمتر أو يزيد قليلا عن الأرض.، يزيد من صعوبة الانتباه إليها حجمها الصغير وألوانها الباهته، هذا غير إمكانية حجبها عن الرؤية لأتفه الأسباب، يكفي أن تتوقف سيارة بمحاذاتها تمنع عنك قطعا ملاحظتها، لتقع في كمين المراقبة، وتسحب منك رخصة السياقة لتدخل في مفاوضات استرداد الأراضي المحتلة؛ واختصارا أتجاوز وصف حالة الخطوط المتصلة والمنفصلة التي ترسم بمادة الجير على الطرقات، لتذهب آثارها وإشاراتها بعد مدة وجيزة، ليبقى المواطن ضحية تحرير مخالفات لعدم تمييزه بين لون الزفت (الرمادي الداكن) ولون الخط المرسوم على سطحه الذي بات رماديا بدوره نتيجة تحلل مواده.


العربة قبل الحصان


من المضحكات المبكيات حقا أن من يزعمون بأن الشعب انتخبهم، يضعون العربة قبل الحصان، والأشد مرارة على نفس المواطن البسيط مثلي، ليس فقط اغتصاب صوتي، ولا هذه القوانين المجحفة، بل المصيبة في أن كل المنتسبين إلى السلطة لا يطبق عليهم هذا القانون، يحظون ببطاقات أخرى غير بطاقات تعريفنا، تحمل صورهم وبياناتهم الشخصية مع الأمر لجميع السلطات الأمنية والمدنية بتذليل مهمة حاملها، وهؤلاء القوم يعدون والمستفيدون من أهلهم بالآلاف؛ والمفارقة العجيبة كذلك أن الأعوان المكلفين بتطبيق هذا القانون على الأرض من جميع الأسلاك المعنية، هم أنفسهم معفيين من عقوباته، أظن أن الصورة باتت واضحة للقارئ تماما، الوحيد الذي يجلد في صمت أعلامه وإعلامه هو المواطن الحر البسيط.


يذكرني هذا الواقع المر، بالرد القوي والمباشر لأحد رجال الجزائر (رحمه الله) عن 'فخامة' الرئيس، يوم أن كان الرجال رجالا: 'لو سخر الله لك ملائكة وزراء لما استقام في الجزائر الأمر مادام الظلم يطبق بظلماته على هذا الشعب'. رحم الله الرجال الرجال.. وعظم الله أجر الصابرين.





* فلاح جزائري
جريدة القدس العربي
17/9/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.