ممدوح الولي مع إعلان تقرير التنمية الإنسانية العربية أن نسبة الفقر في مصر بلغت 41? من السكان أي حوالي 32 مليون نسمة.. فقد طالب البعض بعودة وزارة التموين للقيام بدور إزاء الفقراء. خاصة أن الفقر يؤدي إلي سوء التغذية.
وسوء التغذية ينعكس علي العملية الإنتاجية والتعليمية ويزيد من الأمراض. وكل تلك النتائج تزيد من معدلات الفقر. وهكذا نسير في حلقة مفرغة تزيدنا فقرا. والحقيقة أن وزارة التموين موجودة من خلال استمرار نفس آليات الوزارة القديمة. حيث تم ضم وزارتي التموين والشئون الاجتماعية في إطار وزارة التضامن.
وبموازنة العام المالي الحالي خص قطاع التموين بوزارة التضامن 49 مليون جنيه. إلي جانب 615 مليون جنيه لمديريات التموين بالمحافظات.كما تضمنت الموازنة 13.8 مليار جنيه لدعم السلع الغذائية القمح (الخبز) والزيت والسكر والأرز والذرة والشاي والتي يتم صرفها بالبطاقات التموينية. إلي جانب دعم المشتقات البترولية، خاصة البوتاجاز. ويمكن أن تقل نفقات الدعم عما تم تخصيصه مثلما حدث مع الأرز الذي تشتريه الحكومة بأقل مما تبيعه بالبطاقات.
وتعود البطاقة التموينية إلي عام1945 وفي عام 1981 تم تقسيم البطاقات الي ذات الدعم الكلي وذات الدعم الجزئي لتقليل نفقات الدعم. وفي 1985 تم تقليص عدد السلع المدعمة. وفي 1989 تم إيقاف تسجيل المواليد الجدد بالبطاقات لسنوات. وبعد موجة الغلاء التي أعقبت قرارات تحرير سعر الصرف عام 2003 تم إضافة سلع بالبطاقات كالفول والعدس والسمن والمكرونة والأرز.
وفي 2007، طرحت الحكومة قضية الدعم للنقاش وهل الأفضل أن يكون نقدياً أم عينياً. وبدأت وزارة التضامن عمل مسح لتحديد الأسر الفقيرة لتوجيه الدعم إليها وحدها. إلا أن موجة الغلاء العالمية عام 2008 والزيادة السعرية الحكومية للمنتجات البترولية في مايو من نفس العام. وما أعقبها من انفلات للأسعار وماحدث من تظاهرات واعتصامات بأكثر من مكان. قد غير كل المخططات الحكومية فقامت بالسماح بقيد المواليد بالبطاقات وأتاحت استخراج بطاقات تموينية. ووسعت الحصول علي السلع المدعمة ونسيت المسح الخاص بتحديد الأسر الفقيرة.
وفي ظل عجز متوقع للموازنة خلال العام المالي الحالي يبلغ 127 مليار جنيه. حتي أن وزير المالية قد أعاد للظهور الضريبة العقارية بعد أن كان قد تغاضي عنها في ظل تداعيات الأزمة المالية.فقد بدأت أحاديث خافتة مرة أخري عن تقليل حجم الدعم الغذائي. ولو من أبواب جانبية مثل التوسع في إنتاج أنواع من الخبز بسعر أعلي. إلا أنني أتصور أن العامل السياسي سيظل هو المهيمن في صالح استمرار الدعم الغذائي.كما أن سيناريوهات التوريث لايتلاءم معها الحديث عن خفض الدعم بل إن الأوفق لهم الإغداق حتي يتم تمرير المخطط.
واذا كان البعض يعول علي تراجع معدلات التضخم الي 10? في يوليو الماضي. فإن هؤلاء ينسون أن هذا المعدل هو متوسط تغيرات سعرية لمئات من السلع والخدمات.وذلك في إطار عينة منحازة مما يجعله غير دقيق. وحتي بافتراض صحة مؤشر أسعار المستهلكين هذا فإن الغالبية من المصريين لم تزد دخولهم بنسبة10? حتي يتحملوا هذه النسبة للتضخم.
مع الأخذ في الاعتبار أن المؤشر يتحدث عن مجموعات سلعية تتضمن الثقافة والترفيه والمطاعم والفنادق وغيرها من الخدمات التي لا يستهلكها عموم المصريين. فهولاء ينفقون غالب دخلهم علي الغذاء. وزيادة أسعار الغذاء حتي بالأرقام الرسمية تفوق المتوسط العام للتضخم. والمهم أن ندرك أن حل معاناة المصريين ليست في استمرار البطاقات التموينية. لأن المقررات التموينية تكفي استهلاك أيام قليلة وغالب الاستهلاك يكون بأسعار السوق. وأسعار السوق مرتبطة بالأسعار العالمية ولأن لدينا عجزاً تجارياً مزمناً فنحن نستورد التضخم. وذلك في بيئة محلية يسيطر عليها الاحتكار مما منع وصول رخص الأسعار العالمية الي السوق المحلية.
ومن هنا فإن معاناة الأسر ستظل مستمرة. خاصة مع إلغاء التسعيرة الجبرية وحرية التسعير سواء للمنتجين أو التجار والممارسات الاحتكارية التي لاتجد لها رادعا. ويبقي الحل الجذري لعلاج استمرار ارتفاع الأسعار والذي لا نتجه إليه هو الإنتاج. وهو الحل الذي جعل معدل التضخم بالاتحاد الأوربي بالشهر الماضي ( 0.6?) أي أن الأسعار تراجعت بنسبة ستة من عشرة بالمائة خلال عام.
وهكذا فإن عودة وزارة التموين يعد استمرارا لأسلوب المسكنات في علاج المشكلة. خاصة مع تدني نسب الاكتفاء الذاتي من أنواع الغذاء. ويبقي الحل في التوجه الإنتاجي من خلال طرق عديدة منها: توجيه الاستثمار المحلي والأجنبي للقطاعات الإنتاجية من خلال الحوافز المتنوعة. والاستفادة من الطاقات العاطلة. والعودة للقرية المنتجة.
والحد من قيم المضاربة السائدة وترشيد أداء البورصة وتوظيفها لتأسيس المشروعات الجديدة وتوسعات الشركات القائمة. وعلاج الفاقد ومقاومة الاحتكار وتوفير الائتمان ومحاربة الفساد والبيروقراطية ولأن هذا الطريق صعب وطويل ونسيناه منذ سنوات طويلة.
فإن الأسهل هو الاستيراد المصحوب بالعمولات والسمسرة. والاستعانة بالآلة الإعلامية في استمرار تخدير الجمهور والزعم بتحسن الأحوال من خلال بيانات اقتصادية كاذبة لإطالة فترة الجلوس علي عرش مصر المنكوبة بهم.
*مساعد رئيس تحرير جريدة الأهرام جريدة الوفد 24/8/2009