د.ابراهيم قويدر هناك تخوف كبير في قطاع القوى العاملة العربية المهاجرة على وضعها في كسب العيش في بلدان الغربة، سواء كانت هذه البلدان أوربية أو أمريكية أو حتى دولًا أسيوية أو عربية.
هذا القلق والخوف هو نتاج طبيعي مع بدء المؤسسات العالمية والإقليمية في دول المهجر في إعلان خسائرها، حيث بدأت تتخذ مجموعة من الإجراءات والتدابير لعدم الوصول إلى مرحلة إعلان الإفلاس أو إيقاف النشاط وقفل مواقع الإنتاج، وهي لم تصل إلى هذه المرحلة بعد، ومن ضمن هذه التدابير تسريح جزء من العمالة تتفاوت نسبته من مؤسسة إلى أخرى.
وقبل أن نبدأ في الحديث عن هذا الموضوع بتفصيل أكثر، أريد أن أبسِّط للقارئ غير المتخصص الأزمة المالية العالمية الحالية وأسبابها، ومن وراءها، ولعلي هنا تسعفني الذاكرة لأنوه بالحديث الذي صدر من رئيس فنزويلا هوجو تشافيز في لقاء له مع قناة الجزيرة حيث تطرق إلى أنه منذ ثماني سنوات كان في جلسة مغلقة مع الرئيس الكوبي فيديل كاسترو فقال كاسترو له: إذا كان لدى فنزويلا أرصدة في أمريكا أو أسهم وسندات حكومية تصرف ببيعها واسحب الأرصدة فورًا؛ لأني قرأت العديد من التقارير التي استنتجت منها أن الاقتصاد الامريكى والحركة المالية الائتمانية لا تقف على أرض صلبة فأرضيتها غير مغطاة، بل هي ورق في ورق، واتضح لي جليًا أن المبالغ المدورة في السوق والتي تتعامل بها البنوك لا يقابلها غطاء نقدي حقيقي مضمون يعني يوجد حوالي 50% هي مجرد بيانات على أوراق ومقاصات ورقية وتسهيلات ائتمانية ورقية بين البنوك الأمريكية ولا يقابلها نقد حقيقي. (انتهى الكلام المنسوب لكاسترو من قبل الرئيس الفنزويلى).
ويمكن لنا القول إن البداية كانت في أواخر القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين عندما بدأ تفكير الإدارة الأمريكية بإلغاء غطاء الذهب وإبداله بالدولار الأمريكي، حيث أعلنت أن الدولار من القوة ما يجعله يغطى بدولار، ولا يحتاج إلى تغطية أخرى من أي نوع، (يعني الورق يغطيه ورق يتحكمون في طباعته متى يشاءون).
هذا إلى جانب انتشار الإقراض العقاري (الربوي) بشكل كبير، والذي أنذرنا المولى عز وجل بأنه سيشن حربًا على الربا وذلك في القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} صدق الله العظيم [سورة البقرة: الآيتان 278- 279]. وهذا ما نشاهده الآن على الواقع المعاش.
إذن هذه هي الأزمة الاقتصادية، وانعكاساتها أن الشركات التي أخذت من البنوك تسهيلات اتمانية ورقية فجاءة وبدون مقدمات وجدت نفسها أمام بنوك عريانة من غطاء حقيقي بخزائنها، بالتالي انهارت هذه البنوك وتصدعت وبالتالي انهارت الأجسام الاقتصادية الأخرى المعتمدة عليها في أمريكا زعيمة الاقتصاد الرأسمالي الربوي، وبدأ الزلزال الذي انتقلت تبعاته من مكان إلى آخر وعم كل العالم.
وعيب كبير أن يصرح البعض بأننا في الدولة الفلانية لم ولن نتأثر بالأزمة المالية؛ لأن الاقتصاد العالمي مترابط، حتى الدول التي ليس لها علاقات مالية مباشرة بالبنوك الأمريكية، فإن لها علاقة بدون شك ببنوك أوربية أو إقليمية أخرى، هذه البنوك لها علاقات وطيدة- تصل إلى علاقات شراكة مع البنوك الأمريكية- وبالتالي فكل دول العالم تأثرت وستتأثر، نعم التأثر سيكون متفاوتًا من دولة إلى أخرى، لكن عدم التأثر نهائيًّا هي كذبة وتضليل سياسي، وليست معلومة علمية موضوعية حقيقية.
لأن الأزمة عمت العالم بأسره، ولنعترف بشجاعة بكل شيء ولنحترم المواطن في بلادنا ولا نضلله بمعلومات غير صادقة؛ لأن الحقيقة تجعل الجميع يسهم ويتعاون في حل المشكلة ويواجهها، ولا يؤوِّل الأخبار والتصريحات، بل ولا يوجه أصابع اتهام لناس قد يكونون أبراياء، ولنبتعد عن مسار كان سمة مميزة في السياسة العربية في التعاطي مع المواقف بالسرية، خاصة إذا كانت هذه المواقف قد تمس السلطة والنظام، ورغم الخطأ الفادح في ذلك إلا أننا مُصرُّون على السير فيه.
بعد هذا التقديم، أعود إلى أصل الموضوع، لأقول: إن هذه الأزمة تأثرت بها الشركات في مجال المقاولات والبناء؛ لأن سوق العقار أصيب بكارثة، وتأثرت بها الشركات الصناعية وشركات الخدمات، ونحن لدينا حوالي 16 مليون عامل عربي أو أكثر في المهجر بدءوا يتعرضون مثل غيرهم للتسريح من أعمالهم، وطبعا سيعودون إلى بلدانهم وستحدث في هذه البلدان زيادة في عدد البطالة؛ لأن هذه الأعداد ستضاف للأعداد الموجودة أصلا الباحثة عن العمل.
والجدير بالذكر هنا أن نركز على نقطتين مهمتين:
الأولى: أن العمالة العربية في المهجر، خاصة في أوربا وأمريكا، ستستهدف وستكون لها الأولوية في التسريح والطرد، يعني إذا كان هناك ألف عامل في شركة يستهدف إنهاء عقودهم، ولدى هذه الشركة تسعمائة عامل عربي وثلاثة آلاف من جنسيات مختلفة سيتم تسريح العرب جميعًا، ويضاف لهم مائة من الجنسيات الأخرى؛ وذلك لعدة عوامل ليس المجال لسردها، لكن أبرزها أنهم مسلمون، ولصيق بهم أنهم إرهابيون.
وبالتالي فعلى الحكومات العربية التى لها عمالة في دول أوربا- خاصة مثل دول المغرب العربي ومصر ولبنان- أن تتكاتف وتتفاوض كمجموعة، وليست فرادى، مع هذه الدول في مواجهة هذه الإجراءات، على الأقل تكفل أن التسريح يكون وفق معايير اقتصادية بعيدًا عن الجنسية والمواقف العنصرية.
والنقطة الثانية: أن العمالة العربية التي تعمل في الدول العربية المتأثرة بهذه الأزمة يجب أن لا يتم البدء في فصلها وتسريحها إلا من خلال تنظيم وإشراف منسق بين الدولة المستضيفة للعمالة والدولة العربية (الوطن الأصلي للعامل)، وتشكيل غرفة عمليات للبحث عن عمل بديل للعامل المسرح من شركته في شركة أخرى، إن وجدت فرصة قبل إعادته إلى موطنه الأصلي، وإذا لم يتحقق ذلك فوجود معلومة مسبقة لدى بلد العمال الأصلية تجعل إدارة تلك الدولة تضع الخطط لاستقبال هؤلاء والتيسير عليهم لإيجاد سبل عيش كريم في وطنهم.
كما علينا- نحن العرب- أن نتخذ مجموعة من التدابير الاقتصادية لمواجهة هذه الأزمة، ولعل منها على سبيل المثال لا الحصر أن نحاول دراسة إلغاء الجمارك على المنتجات العربية وتحديد أرباح التجار بنسبة لا تزيد عن 10% لتخفيض تكلفة المعيشة خلال فترة الأزمة، وأن نعمل على منح الفرص للعمالة العربية العائدة للعمل بدلا من العمالة الأجنبية الموجودة.
بحيث يكون لدينا أولويات في إذن العمل الأول المواطن ثم العربي ثم الاجنبي، وأن نضع تنظيمًا يسمح بتشغيل الحرفيين نصف المدة بحيث يتقاسم معاش الحرفة اثنين من الحرفيين، ويعمل كل واحد نصف الوقت لتوسيع قاعدة فرص العمل؛ لكي نستطيع التعايش مع الأزمة خلال هذا العام والعام القادم.
والأهم من ذلك أن مؤتمر العمل العربي في جلسته الأخيرة بالأردن خلال شهر أبريل 2009كان يفترض أن يشكل غرفة متابعة عربية، تعكف بصورة مباشرة على حل مشاكل ترحيل العمالة، والتنسيق بين الدول العربية التي ستنهي عقود بعض العمالة وتستغني عنهم، وبين الدول التي تمثل الموطن الأصلي لهؤلاء العمال الذين سيعودون إليها ويضيفون إلى هموم مسئوليهم همومًا جديدة، من أعداد البطالة المتراكمة والمتزايدة يوميًا.
ولأن الموقف الآن لا يحتمل، وليس من المناسب أن نوجه اللوم لبعضنا البعض، فعلينا أن نضع أنفسنا جميعًا في المشكلة، وليساعد بعضنا البعض في التغلب عليها، واتخاذ الوسائل والسبل العملية العاجلة والجادة على طريق التخفيف من حدة الأزمة على العمال العرب وأسرهم.
وحتما ستتأثر بلاد العرب بهذه الأزمة وستبدأ مؤشرات وبوادر التأثر بعد منتصف هذا العام، وسيزداد الفقراء فقرًا، ولكن لن يزداد الأغنياء غنًى في هذه المرة، ولن يظهر على أكتاف الأزمة أغنياء جدد، بل سيتأثرون أيضًا لأن الله سبحانه وتعالى سيمحق الربا.
ولعله- وبصورة عالمية- انتقام لحق الفقراء في مال الأغنياء الذي حجبوه عنهم وامتنعوا عن أداء زكاته وتكبروا على تقديم الصدقات، وبالتالي جاءت هذه الأزمة الاقتصادية لتكون أداة من أدوات المنتقم الجبار.. وأخيرًا أتذكر قول الله تعالي في موعظته لنا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}.. والله أعلم.
*WWW.DRIBRAHIMGUIDER.COM *صحيفة ليبيا اليوم 19/7/2009