مدحت بركات يزور مجلس الشيوخ بدعوة من تحالف الأحزاب المصرية    محافظ بورسعيد: لن نسمح بالتقصير في الخدمات المقدمة للمواطنين    الضرائب توضح عقوبة فرض المطاعم والكافيهات غير السياحية 14% قيمة مضافة على الفاتورة    انقطاع الكهرباء عن المستشفى الإندونيسي في غزة بعد قصف إسرائيلي على مولداته    ألمانيا تلمح إلى التخلي عن معارضتها للطاقة النووية وتقربها من الموقف الفرنسي    رونالدو ينافس بنزيما على جائزة أفضل لاعب في الجولة 32 من الدوري السعودي    برايتون يقيم ممرا شرفيا لأبطال الدوري الإنجليزي    استدعاء الدكتورة نوال الدجوي لسماع أقوالها في واقعة السرقة    خروج 7 عربات من قطار بضائع بالدقهلية (صور)    اعتزال الفنان عبد الرحمن أبو زهرة الحياة الفنية والإعلامية نهائيًا    فيلم "المشروع X" يتصدر منصة أكس    لميس الحديدي: 9 شاحنات لا تكفي شعبًا يتضور جوعًا منذ 79 يومًا    جولة للأطفال بقصر محمد علي ضمن احتفالات قصور الثقافة باليوم العالمي للمتاحف    هل يجوز للمرأة أداء فريضة الحج عن زوجها أو شقيقها؟.. أمينة الفتوى: هناك شروط    وزير الصحة: عدد المستفيدين من التأمين الصحي الشامل 12.8 مليون مواطن حاليا    «للرجال 5 أطعمة تحميك من سرطان البروستاتا».. تعرف عليهم واحرص على تناولهم    قصور.. ثقافة!    إيرادات الأحد.. "سيكو سيكو" الأول و"نجوم الساحل في المركز الثاني    زياد بهاء الدين: محمد سلماوي نموذج للولاء للصداقة والاهتمام بالثقافة والعمل العام    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة الشيوخ بشأن طلب مناقشة عامة حول قانون التحكيم    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    ما حكم تأخير الصلاة عن وقتها؟.. أمين الفتوى يجيب    البابا تواضروس: لبنان لها مكانة خاصة لدى المصريين    محمد صلاح.. والكرة الذهبية    مزارع الدواجن آمنة إعلامى الوزراء: لم نرصد أى متحورات أو فيروسات    خلال لقائه البابا تواضروس.. الرئيس اللبناني: مصر بكل ما فيها قريبة من قلب شعبنا    الرئيس الفلسطيني يزور لبنان الأربعاء ويلتقي نظيره جوزيف عون    إزالة 230 حالة إشغال وتعدٍ ب السوق التجارية في إدفو ب أسوان    أزمة بين عبدالله السعيد وعضو مجلس الزمالك.. وتدخل من الجنايني (خاص)    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    ب"طعنة في القلب".. إعدام قهوجي قتل شابًا أمام مقهى بالجيزة    رسميًا.. المجلس الأعلى للإعلام يتلقى شكوى الزمالك ضد إعلان "اتصالات"    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    إصابة صاحب فرن بطعنة نافذة في مشاجرة على الخبز    الموساد يكشف عن 2500 وثيقة وصورة وممتلكات للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين    رسوم ترامب الجمركية تلقي بظلال سلبية على توقعات نمو الاقتصاد الأوروبي    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يطلق خطة تحويل «القاهرة» إلى مدينة خضراء    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    انضمام نوران جوهر وزياد السيسي ل "روابط" استعدادا لأولمبياد لوس أنجلوس 2028    على نفقته الخاصة.. الملك سلمان يوجه باستضافة 1000 حاج وحاجة من الفلسطينيين    تقارير: لايبزيج يفاضل بين فابريجاس وجلاسنر لتدريب الفريق بالموسم الجديد    وزير الإنتاج الحربي: نعمل على تطوير خطوط الإنتاج العسكرية والمدنية    قتلى وجرحى بانفجار في جنوب غرب باكستان    الإسراع بتعظيم الإنتاجية.. وزارة البترول تكشف معدلات إنتاج حقول بدر الدين    وزارة الصحة تدعم مستشفى إدكو المركزي بمنظار للجهاز الهضمي    السعودية: إطلاق المعرض التفاعلي للتوعية بالأمن السيبراني لضيوف الرحمن    روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصنفها" منظمة غير مرغوب فيها"    محافظ الدقهلية يكرم عبداللطيف منيع بطل إفريقيا في المصارعة الرومانية    تعرف على طقس مطروح اليوم الاثنين 19 مايو 2025    وزير الثقافة يجتمع بلجنة اختيار الرئيس الجديد لأكاديمية الفنون    ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر في حملات تفتيشية بالعاشر من رمضان    الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام    «الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار    إطلاق مبادرة لخدمة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعميق حاسة العمل عند المسلمين (4- 7) الدلالة «الاقتصادية» للعمل كمصداق للإيمان ومعيار للثواب والعقاب
نشر في المصري اليوم يوم 26 - 05 - 2010

فهمنا من المقالات السابقة الدلالة «الإسلامية» للعمل كمصداق للإيمان ومعيار للثواب والعقاب فى الحياة الأخرى، ولكننا لم نتطرق إلى دلالة هامة جدًا هى الدلالة «الاقتصادية»، التى تكاد تبرز «النظرية الاقتصادية الإسلامية» التى أعيى الباحثين التوصل إليها وإبرازها، ألا وهى أن العمل هو أصل القيمة «وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى»، ومع أن هذا المبدأ هو ما اهتدت إليه الاقتصاديات الرأسمالية نفسها، إلا أن تصورها لا يأخذ كماله بالصورة التى عرضها الإسلام.
إن فكرة أن العمل هو أصل القيمة فى الاقتصاديات الرأسمالية ليس لها أى صلة ب«أخلاقية»، وإنما أبرزته باعتباره جهد الفرد صاحب المبادأة والإقدام الذى يكافأ عليه بالربح.
ونتج عن تجرد العمل من العنصر الأخلاقى ثلاث نتائج:
الأولى: خلل فى العلاقة ما بين الرأسمالى العامل، والأجير العامل. إن كلاً منهما يمثل العمل، ولكن الخلاف يحدث عند قسمة «عائد العمل»، فالرأسمالى يستأثر بنسبة أكبر بكثير مما يستحقه بحيث لا يدع للعامل إلا ما يكفل له حياة الكفاف، وأدى هذا إلى توتر العلاقة ما بين العمال والرأسمالية والصراع الاقتصادى الذى عكر صفو السلام فى المجتمع.
الثانية: إن مجالات العمل التى يطلق عليها الاستثمار، فى إشارة واضحة إلى الكسب، تركزت فى المجالات التى تحقق أقصى الربح، وهى عادة ما تعنى بإشباع شهوات النفوس، ويوضح تعامل الرأسمالية للفنون أنها دون مبالغة عمدت إلى الهبوط بها، وأدى استمرار هذا المنهج «التنازلى» إلى حد وصل إلى جعل كل أنواع الشذوذ التى تشمئز منها القلوب أمرًا مطلوبًا ومقررًا ويجب أن يكون محل تسليم، وأن يسير «العرى» قدمًا حتى يكاد يكشف من جسد المرأة أكثر مما يستر.
والثالثة: إن اختلال العلاقة ما بين الرأسمالية والعمال الذى أشرنا إليه آنفاً لم يقتصر على مجال العاملين، ولكنه غطى المجتمع، ففى الوقت الذى تدفع فيه آلية الرأسمالية عجلة الإنتاج إلى المزيد، فإن حرمان العمال من حقهم فى «قيمة العمل» يحول دون قدرتهم على شراء السلع «المتلتلة» فى الأسواق، وتحقق المثل المشهور من أن (الفحام يبرد لكثرة إنتاج الفحم، وأن الخباز يجوع لكثرة إنتاج الخبز)، فالإنتاج متكاثر، ولكن بقدر تكاثره بقدر ما يزداد العجز عن استهلاكه، ويدفع هذا الرأسماليين للتخلص من عدد من العمال، فتظهر البطالة التى اعتبرت ظاهرة لا مناص عنها فى الإنتاج الرأسمالى.
ولكن الرأسمالية فى سبيلها لحل مشكلتها اهتدت إلى سلعة لا يمكن إنتاجها أن تغرق السوق، وفى الوقت نفسه فإنها تمتص بطالة المتعطلين، هذه السلعة هى «السلاح» لأنها سلعة عقيمة لا تعرض فى الأسواق، وإنما تتخاطفها الحكومات إن لم يكن لاستخدامها فى بلادهم فلبيعها لمختلف دول العالم، فوجدت الرأسمالية فى ذلك ملاذاً حال دون وقوعها فى الفاشية أو الاشتراكية، ولكن بأى ثمن؟ الثمن هو الهلاك والتدمير، وهو «صناعة الحرب»، ونجد أكثر صور هذه الظاهرة مأساوية فى الولايات المتحدة التى أصبح اقتصادها رهناً بصناعة السلاح، وأصبحت سياستها لذلك إضرامًا للحروب.
■ ■ ■
لم تقتصر الدلالة الاقتصادية لكون العمل مصداق الإيمان ومعيار الثواب والعقاب، على أنها أنقذت المجتمع الإسلامى مما سقط فيه الإنتاج الرأسمالى الذى آمن بالعمل ولكن دون أخلاقياته الإسلامية، إن الدلالة امتدت إلى حماية المجتمع الإسلامى من ظاهرة مخيفة هى «الربا».
ولأن الموضوع فنى وعميق، فنقول لغرض التبسيط إن الإنتاج الرأسمالى الذى هو العمل دون التزام بأخلاقيات جعلته ينجح نجاحًا عجزت فيه وسيلة النقود عن أن تستوعب الإنتاج، وكانت العملة حتى ذلك الوقت تعتمد على الذهب، وكان هذا يعطيها قدرًا من الثبات، لأن مقدار الذهب محدود فى العالم، ولكن لما توحش الإنتاج الرأسمالى لم يعد الذهب قادرًا على استيعاب الإنتاج، وفى سبعينيات القرن العشرين أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تلتزم بالذهب عندما عجزت العملة سواء كانت بالذهب مباشرة، أو بعملة ورقية مضمونة تصدرها الدولة بالذهب.
من أين إذن ستجد الرأسمالية العملة التى تستوعب الإنتاج المتكاثر للرأسمالية؟ والرد أنها وجدتها فى البنوك، وقد نشأت البنوك فى الصاغة وتجار الذهب الذين ائتمنهم بعض الحكام والأغنياء على ذهبهم، فأودعوه عندهم للحفظ، واستكشفت البنوك أن أصحاب هذه الأموال قلما يطلبون أكثر من 10 إلى 20 فى المائة، وأن الباقى يظل مددًا طويلة، ففكروا فى الاستفادة من هذا المال المحفوظ بتسليفه إلى محتاجين مقابل فائدة، ولما نجحت الفكرة عملت البنوك على إغراء الناس بإيداع أموالهم «وديعة» لسنة أو اثنتين أو أكثر لقاء تعاطيهم فائدة، وبهذا توفر لهذه البنوك أموال ضخمة كان يمكن لها أن تطلقها لتعمل فى السوق بدلاً من أن تظل حبيسة لدى أصحابها.
ويصور بعض الاقتصاديين الأكاديميين هذه الأجزاء كالآتى: إذا اعتبرنا أن نسبة السيولة أو النقد الذى يجب أن يتوفر لدى البنك هى 20%، وأن البنك تلقى وديعة قيمتها ألف جنيه، فمعنى هذا أن البنك يجب أن يحتفظ ب200 جنيه فى خزينته ويقرض أو يستثمر ال 800 الباقية.
ومرة أخرى لم تقف العملية عند هذه الدرجة؛ ذلك أن الذين اقترضوا من البنك سوف يودعون ال 800 جنيه لدى بنك آخر، وما إن يضع البنك الآخر يده على ال800 جنيه حتى يبقى عنده 160 جنيهًا (نسبة 20%) ويقرض أو يستثمر 640 جنيهًا وهذا المبلغ يسلك طريقه نحو بنك ثالث ليحتفظ بمبلغ 126 جنيهًا ويستثمر 512 جنيهاً وهلم جرا، حتى تكون النتيجة أن وديعة الألف جنيه قد أوجدت أو كما يقولون «خلقت» أربعة آلاف جنيه.
وقد يسأل سائل: ومن أين ستأتى البنوك بتلك الأموال «الائتمانية» كما أطلق عليها، والرد أن البنوك ليست فى حاجة للنقود، لأن شيكاتها تعد نقودًا، فقد منحها القانون صفة أداة وفاء، وهو لا يعطى نقودًا.. ولكن دفتر شيكات، وفى العالم الرأسمالى تتم كل العمليات الاقتصادية والمالية بشيكات مسحوبة على بنوك، ولا يحمل عملة إلا العرب الذين يزورون الغرب.
وتجتمع البنوك كل ليلة مساءً، بعد أن تغلق أبوابها لتجرى مقاصة فيما بينها بحيث يعرف كل بنك الشيكات المسحوبة له، والشيكات المسحوبة عليه ليسوى فى الدفاتر.
كلها أرقام.. كلها أوراق.
الحقيقة أن هذا الاستكشاف الذى يطلق عليه «الائتمان» والذى مكن البنوك من أن «تضخ» أو «تخلق» نقودًا لا حصر لها كان ثورة فى آليات التبادل، وبعد أن كانت البنوك تبحث عن الودائع أصبحت الودائع توجد أو تفتعل بنوكاً، أو شركات ورقية يطلقون عليها شركات الفقاقيع، وكانت الأزمة الأخيرة التى نشأت فى أمريكا نتيجة تهاوى نظام رهن البيوت مثالاً لذلك، فقد أرادوا أن يجعلوا من كل أمريكى صاحب بيت، وأى موظف حتى لو كان صغيرًا كان يمكن أن يملك بيتاً برهن راتبه، وكثرت هذه الرهون حتى أصبحت مبالغ جسيمة فاستثمروها مرة أخرى، ثم استثمروها مرة ثالثة، كما كفلوها بشركات تأمين، وفى النهاية فقد المالك الأصلى للبيت وسط غابة الرهونات المتوالية، ولما ظهر وعجز عن الوفاء كان لابد لهذا البناء «الورقى» أن يتهاوى وأن يهز معه اقتصاديات العالم بأسره.
وهذا لا ينفى أن البنوك قامت- وتقوم- بخدمات كبرى بحيث لا يمكن للاقتصاد أن يمضى دونها، ونقطة الضعف فيها هى «الائتمان» دون عمل بمعنى أن البنك الرأسمالى لا يعنيه ماذا سيفعل العميل بالقرض مادام هذا القرض يغطيه رهن، ولا يفرق عنده أن يقيم به «خمارة» أو ينفقه على رحلة فى الخارج أو يصرفه لعرس ابنه أو ابنته.
هذه كلها لا تعنى البنك ولكنها تمس التوازن الذى يجب أن يتحقق ما بين قدر العملة وقيمة الإنتاج لأنه إذا زادت العملة دون إنتاج، فإن هذا سيؤدى إلى التضخم، وقد تؤدى إلى البطالة والأزمة، ولكن الإسلام يربط ما بين المال والإنتاج، ويجعل العمل أصلاً للقيمة فلا يقدم بنك قرضًا ما لم يتأكد أن المشروع إنتاجى ناجح ونافع، وعندئذ يمكن أن يقدم القرض مع احتفاظه بقدر من الإشراف وليس «المشاركة» لأن البنك لا يمكن فى هذه الحالة أن يشارك،
ومن حقه أن يتقاضى نسبة محددة من عائد الربح طبقاً لحسابات «جدوى المشروع»، ولا نرى فى تحديد النسبة ما يجعلها تتحول إلى ربا ويمكن ألا تجاوز 10%، وبهذا يتأكد البنك من أن القرض يسهم فى الإنتاج وأنه يأخذ حقه المشروع، أما أن يأخذ نصف أو ربع العائد فهذا يدل على أن البنك الإسلامى «ربوى» أكثر من أى بنك ربوى آخر.
[email protected]
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.