إذا أردت أن ترى مسرحية استعراضية حزينة مبكية فكاهية واقعية خيالية، أياً كان ذوقك المفضل، ستجده حتى لو طلبتها نباتية, حالياً في الأسواق على المسرح السياسي تعرض رواية "السلطة والشعب .. النسخة الإيرانية", ورغم عدم اختلاف الأحداث عما يجري في النسخ العربية والغربية ولكن آن الأوان للعرض الإيراني أن يخرج إلى النور ويجلس المتفرجون من كل البلدان, القاصي والداني, لمشاهدة القمع والظلم في ثوبه الإيراني.
في بداية الفصل الأول نجد ثورة تطفو على السطح مغلفة بالمظهر الإسلامي المذهبي الطائفي ؛ وهنا تتجلى أولى الانفرادات والبصمة الخاصة للمخرج, فالحضور اعتاد في الروايات الأخرى على ثورة عسكرية وما رأوه شيء جديد لم يلق استحسان النقاد ومخرجي الروايات الأخرى خاصة المخرج الأمريكي, ولكن اختلف الأمر عند البسطاء الذين انخدعوا باللحى والعمائم. وعودة إلى الخط الدرامي النمطي حملت سطور الحاكم الوعود البراقة ونثر الأمل على البسطاء بلا حساب، حتى أنك تجد الكثيرين جيوبهم عامرة بالأمل فارغة عقولهم من "التفكير" العدو الأول لأي نظام.
وينتهي الفصل الأول وينقسم الجمهور إلى فريق يرأسه العم سام وكوهين يهاجم بلا هوادة ويتمنى انهيار تلك المسرحية, وفريق آخر يلبس العقال يخشي على نفسه من هذا النجاح, وفريق ثالث حليف تحول بمرور الوقت إلى تابع وأداة. وأنا وأنت نراقب ونحلل ونقارن ربما نستعير بعض الجمل في مسرحيتنا الخاصة.
انتقالاً إلى الفصل الثاني تمر السنوات ونرى التحول الجذري في الرؤى وانكشاف الستار عن الأزمات والكوارث الداخلية للحاكم نجاد الذي يرتدي ثوب الأسد ويطلق التصريحات العنترية النارية في وجه العم سام وتابعه كوهين في الوقت الذي يتعاون معهم سرا وعلانية .
ولعل تصريحات احمدي نجاد في الأممالمتحدة عن المساعدات التي قدمتها إيران للولايات المتحدة والتي مكنتها من احتلال العراق وأفغانستان ، وزيارته للعراق المحتل ونزوله ضيفا عزيزا مكرما علي الأمريكان وحكومتهم العراقية العميلة في المنطقة الخضراء ببغداد والواقعة تحت الحماية الأمريكية وبها اكبر سفارة امريكية في المنطقة خير دليل لمن يبحثون عن دليل عن ازدواجية الرئيس الإيراني الذي أعلن أكثر من مرة انه يتلقي الوحي والإلهام من الإمام المهدي الغائب في السرداب منذ اكثر من الف ومائتي سنة ؟؟ !!!
وفي الحدوتة نري نجاد لايزال يستخدم الحركات البهلوانية والألعاب النارية ليعرف العالم أن جعبة الحاوي ممتلئة, وما دام المخرج خامنئي راضيًا بسير الأحداث فافعل ما شئت يا نجاد.
ووسط كل هذا نرى الشعب الإيراني يعاني من المرض الأزلي الذي تصاب به شعوب الأرض منذ بدء الخليقة, والأعراض تتمثل في غيظ مكتوم وفم مغلق دوماً يفتح فقط عند الأكل, ويدان تستخدمان في التصفيق بحرارة لولي الأمر , أما ليلاً والناس نيام فالايدي لها مهمة اخري هي التصفيق على الصدغين أي "اللطم".
وفي هذا الفصل يحاول المخرج أن يحافظ على الإيقاع البطيء بقدر الإمكان؛ لأن الفصل الثالث يحمل لنا مفاجأة كبري حين يتحول الكومبارس" الشعب" إلي ابطال ينزلون إلي الشوارع للاحتجاج سائلين الفقيه الحاكم ( اين اصواتنا التي وضعناها في صناديق الاقتراع لمرشحنا موسوي ولكنها ذهبت غدرا إلي حبيب الفقيه احمدي نجاد ), وتنزوي الفئران ويخرج الجميع عن النص، والله أعلم بالنهاية، مأساوية أم سعيدة!
في هذا الفصل الثالث يقف الأبطال نجاد وموسوي على خط الخميني لابسين رداء ولاية الفقيه, ويبدأ السباق إلى خط النهاية, والشعب يصفق والمخرج يطالب بخروج الجميع للحفاظ علي السرية التامة لانه لا يجوز ان يري العالم ملابس بعض القادة الإيرانيين وهي قذرة, وانقسم الشعب إلى فريقين, فريق من الطلبة والشباب يقف خلف موسوي معجباً بعباراته المختلفة ظاهرياً عن نجاد الذي يسانده ما تبقي من عشاق التهديدات الإيرانية للغرب, موسوي أيضاً سانده وجود زوجته بجانبه وبذلك ضمن المرأة الإيرانية, ونجاد معه خامنئي والقوة العسكرية.
وفجأة قبل وصول أحد الطرفين إلى خط النهاية تطفأ الأنوار وتخترقنا العتمة ليخرج بعد لحظات المخرج خامنئي معلناً فوز نجاد في السباق ويعترض موسوي ويعلن التزوير وكأنه اعتراف ضمني من رجل الثورة بوجود التزوير مسبقاً, وهنا يأتي دور الشعب البطل الحقيقي وتصل الأحداث إلى ذروتها بعد الملل الذي كاد يصيب الجميع, ويوضع موسوي على كرسي المعارضة ويلقب بغاندي ويفلت الزمام منه ومن نجاد, ليندلع بركان خامد.
وحينما يحاول المخرج خامنئي الانحياز لنجاد يظهر الشعب استياءه, وتخرج المظاهرات من جانب, ونجاد على الجانب الآخر يسب ويلعن التدخل الأمريكي في سياق الأحداث وإفساده النهاية المتوقعة وكان امريكا وليس القادة الايرانيين هي التي قامت بالتزوير ؟!
وتمر الأحداث ولا بد من نهاية للخير والشر, وفي لمح البصر تظهر (ندا) فتاة إيرانية لا حول لها ولا قوة تحلم بفستان عرسها وقفت كومبارس صامت بين المحتجين ولكنها تحولت سريعاً إلى بطلة بعد أن اخترق جسدها رصاص قوات الباسيج لتسقط مفتوحة العينين وكأنها تنظر إلينا طالبة العون والمدد, حملها والدها وخرج بها من المسرح وخرجت مع من خرج، فقد سئمت تلك المسرحية,
لقد أصبحت (ندا) مسرحية جديدة قائمة بذاتها تذكرنا بمسرحية (محمد الدرة) في فلسطين، طوبى لهؤلاء الشهداء, وطوبة في رأس كل حاكم متلهف ومتمسك بعرشه الذي يعبث فيه النمل الأبيض وكل حشرة ناخرة في ملكه الهش, يا ناس يا مكبوتة هي دي الحدوتة .. حدوتة إيرانية.