قف.. أنت في أمريكا! حازم عبدالرحمن بدأت الانتخابات الأمريكية بداية في غاية التشويق والإثارة, بعكس كل التوقعات, وليست هناك أدني غرابة في ذلك, فنحن هنا عند سقف العالم من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية, والمهم, أنها تقدم صورة يري فيها كل من يريد المستقبل ويعمل من أجله أملا قد يتحقق في بلده في يوم من الأيام. (1) المفاجأة الأولي, كانت في فوز المرشح الأسود باراك أوباما في ولاية أيوا علي منافسيه في الحزب الديمقراطي, ومن بينهم أقوي المرشحين وفقا لاستطلاعات الرأي هيلاري كلينتون, التي احتلت الترتيب الثالث.. المفاجأة كانت أن هذه الولاية90% من سكانها بيض, ولم تقف الصدمة عند ما جري في الحزب الديمقراطي, بل امتدت إلي الحزب الجمهوري, ففاز القس المعمداني السابق مايك هاكابي علي منافسين عتاة من نوع ميت رومني وجون ماكين ورودولف جيلياني. وعندما وصل قطار حملة الانتخابات التمهيدية إلي ولاية نيو هامبشاير, توقفت الأنفاس, فماذا سيحدث؟.. فعلي الجانب الديمقراطي, هل يتكرر فوز أوباما وتنهزم هيلاري للمرة الثانية علي التوالي؟.. وقال الخبراء: إن ذلك لو جري, فمعناه نهاية حملتها, وبذلك يكون أوباما قد حسم معركته السياسية بسرعة غير مسبوقة في تاريخ حملات الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية. والمثير في الأمر, أن استطلاعات الرأي التي كانت تتحدث قبل بداية الانتخابات عن أن هيلاري هي صاحبة أقوي الفرص للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للمنافسة في انتخابات نوفمبر المقبل علي الرئاسة الأمريكية, عادت لكي تتحدث ومن واقع استطلاعات الرأي في نيوهامبشاير عن أن أوباما يتجه لفوز كاسح علي هيلاري!.. وكانت المفاجأة الثانية التي أظهرتها النتائج الفعلية للتصويت, هي انتزاع هيلاري كلينتون للفوز بالمركز الأول(39%), يليها أوباما(37%), وعلي الجانب الجمهوري كان الفوز من نصيب جون ماكين(37%), ثم ميت رومني(32%). حدث كل هذا في هدوء, فليست هناك قوات أمن مركزي حول مراكز الاقتراع, ومظهر الناس الذاهبين إلي لجان الاقتراع وهم يصطحبون معهم أولادهم الصغار وحتي الأطفال الرضع, أو الرجال والنساء الطاعنين في العمر, يوحي بأن هؤلاء في نزهة بحديقة وليسوا ذاهبين إلي جحيم انتخابي. وفوق هذا كله, فبينما تجري الانتخابات علي أشدها, وتتنافس فيها شخصيات لها قامتها وأهميتها علي المستوي القومي الأمريكي, فإن الرئيس الأمريكي يقوم بعمله المعتاد الذي يشمل جولة في منطقة الشرق الأوسط, ولم نر لا السيد الوزير المحافظ, ولا السيد الأستاذ رئيس الحي أو المدينة أو العمدة, وهم يتفقدون سير الانتخابات, ولم نر حتي قائد الشرطة, ناهيك عن وزير الأمن الداخلي.. لماذا؟ (2) قف.. أنت في أمريكا, أو في أوروبا.. كل إنسان يؤدي عمله كما يجب, وليس هناك وزير أو مسئول يجرؤ علي التكاسل عن أداء عمله, أو يجرؤ علي تحميل وزير آخر ما يجب عليه هو أن يؤديه, والشيء نفسه يحدث نزولا إلي عمدة أصغر بلدة, لذلك فإنه عندما يحدث شيء أو أمر عارض, لا تجد أن السيد الوزير, أو الرئيس بوش يتابع ما يحدث, هذا لا يكون إلا إذا كان هناك أمر جلل, فالمعتاد أن يؤدي كل إنسان عمله, والناس العاديون في الشوارع يتابعون كل شيء ويستوعبون في ذاكرتهم ما يرون, فإذا جاء موعد الانتخابات التالية, أبقوا علي من يرونه يؤدي عمله, وأسقطوا المتكاسل, والفاسد, والذي لا يصلح. لأجل هذا, لا يحدث أن تتوسع وزارة ما في صلاحياتها علي حساب الوزارات الأخري, كوزارة الداخلية مثلا, ولا يحدث أن يتدخل الأمن والمباحث والمخابرات في كل شيء.. لماذا؟.. لأن كل جهة تؤدي ما عليها ولا تنقل عبء عملها إلي جهة أخري, فمادام الجميع يأخذون أجورا مقابل العمل, فعلي الجميع أن يؤدوا أعمالهم المطلوبة منهم, وإلا يتم طردهم واستبدالهم بغيرهم, أو علي الأقل توفيرهم وتوفير الأجور التي تعطي لهم بلا مبرر. قف.. أنت في أمريكا.. (3) منذ نحو3 أشهر, بدأت الاستعدادات لحملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية, وسوف تستمر المعركة للتصفية بين المتنافسين وحسم الاختيار بين الحزبين الكبيرين حتي شهر أغسطس المقبل, عندها سيكون كل حزب قد عرف من سيمثله علي منصب الرئيس, ومن سيمثله علي منصب نائب الرئيس.. عام كامل تقريبا, أو أكثر قليلا, لكي يختار الأمريكيون من الذي سيخوض انتخابات الرئاسة! ماذا يعني هذا؟.. يعني أن في هذا البلد وفرة من الشخصيات التي تجد في نفسها الأهلية لكي تتولي منصب أقوي رجل في العالم, رئيس الولاياتالمتحدة, وأن هذه الوفرة تتم غربلتها وتصفيتها بمعرفة الناس في الشارع, وبأصواتهم الحرة, وبالصناديق الانتخابية النظيفة.. لا يوجد هنا جهاز أمن أو مجلس لتشخيص مصلحة النظام أو هيئة علماء دين, مثلما يحدث في إيران وغيرها من الدول المتخلفة التي توكل هذه المهمة لأجهزة أمنية لا يعلم بها أحد إلا الله.. فقد ثبت من خبرات التاريخ أن اللجوء إلي هذه الأجهزة يصيب الحياة السياسية بالشلل والعقم, ويجعل الناس تنصرف عن السياسة, وبدلا من أن نكون أمام بلد يحتاج إلي أكثر من عام لكي يجري تصفية ومنافسة بين مئات من الذين تتوافر فيهم شروط تولي منصب الرئاسة, نصبح أمام موقف يبحث فيه الناس عن شخص واحد, فلا يجدونه! هكذا.. كل شيء يتاح للناس حتي يعرفوا.. نحن أمام بلد, أو بلاد,( أوروبا وأمريكا) تجتهد فعلا لكي تتخلص من النزعات العنصرية, لقد أصبح الاختلاط العرقي بين كل شعوب العالم إحدي الحقائق الأساسية في عالم اليوم, ولا يمكن التفريق بين الناس علي أساس الدين, أو اللون, أو العرق, أو الجنس.. أنظر فقط إلي أن أسود من أصل كيني يتقدم بجرأة ليدخل البيت الأبيض.. وامرأة وأم تجد في نفسها الجدارة لكي تصبح رئيسة الولاياتالمتحدة دون أن يحاصرها أحد بأحاديث الحيض والنفاس والخلوة وغطاء الشعر, وأن الطريق إلي جهنم مفروش بالنساء, وأن النساء ناقصات عقل ودين.. إلخ. عن صحيفة الاهرام المصرية 13/1/2008