مصر والكونجرس الأمريكي د. محمد كمال تصاعد الحديث في الآونة الأخيرة حول دور الكونجرس في العلاقة بين مصر والولاياتالمتحدة, وخاصة بعد قيام الكونجرس بتجميد مبلغ100 مليون دولار من المعونة الأمريكية لمصر, وربط صرف هذا المبلغ بعدد من الشروط السياسية, ويثير هذا الموقف عددا من الأسئلة حول طبيعة دور الكونجرس في صنع السياسة الخارجية الأمريكية؟ ودوافع الكونجرس لاتخاذ هذا الموقف تجاه مصر؟ وكيفية التعامل مع هذه المؤسسة؟ والواقع أن دور الكونجرس الأمريكي يختلف عن باقي برلمانات العالم, ويتعدي القيام بوظائف البرلمان المعتادة من تشريع ورقابة الي المشاركة في إدارة الحكم, وبالرغم من أن البعض يصف النظام السياسي الأمريكي بأنه يقوم علي الفصل بين السلطات, إلا أن حقيقة الممارسة السياسية توضح التداخل والمشاركة في السلطات بين الجهازين التنفيذي والتشريعي, وتجعل من الكونجرس في أحيان كثيرة شريكا في صنع السياسة التنفيذية. ويلعب الكونجرس العديد من الأدوار في مجال السياسة الخارجية, ويستطيع في بعض الأحيان أن يفرض رؤيته علي السلطة التنفيذية ممثلة في الإدارة الأمريكية, ومن الأدوات التي يملكها في هذا الصدد قدرته علي اصدار تشريعات ملزمة في مجال السياسة الخارجية, يكون علي الإدارة تنفيذها حتي ولو لم تكن راضية عنها بشكل كامل, مثل التشريع الخاص بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس, والتشريعات الخاصة بفرض عقوبات اقتصادية علي العديد من الدول وغيرها من التشريعات. ويملك الكونجرس سلطات دستورية كبيرة في مجال تنظيم التجارة الخارجية ولا يستطيع الرئيس الأمريكي أن يدخل في مفاوضات حول اتفاقيات تجارية ومنها اتفاقيات التجارة الحرة دون الحصول علي ترخيص بالتفاوض من الكونجرس, وللكونجرس بعد ذلك حق التصديق علي هذه الاتفاقيات بالقبول أو الرفض, والواقع أن الكونجرس الحالي يرفض إعطاء الرئيس بوش هذا الترخيص بالتفاوض وأدي ذلك الي وقف جميع المفاوضات حول التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة بما في ذلك التفاوض مع مصر بهذا الشأن. إلا أن أهم أدوار الكونجرس في مجال السياسة الخارجية هو ذلك المتعلق بالاعتمادات المالية, فالكونجرس له دور أساسي في اعداد الميزانية الأمريكية, بما في ذلك الميزانية الخاصة بأنشطة السياسة الخارجية والدفاع, وللكونجرس دور رئيسي في الموافقة علي صفقات بيع الأسلحة للخارج, وإعداد موازنة المعونة الأجنبية التي تقدمها الولاياتالمتحدة, ويستطيع في هذا الصدد أن يزيد من حجمها كما يفعل دائما مع إسرائيل أو يقلصها أو يضع شروطا عليها كما حدث اخيرا مع مصر. والواقع أن الاشارة للأدوار السابقة للكونجرس يستهدف التأكيد علي أهمية هذه المؤسسة في مجال السياسة الخارجية الأمريكية, وضرورة الاهتمام بها بالشكل الذي يعكس أهميتها, وبما يساهم في تحقيق مصالحنا الوطنية, ويتطلب التعامل مع الكونجرس الأمريكي جهدا أكبر بكثير من التعامل مع الإدارة الأمريكية, وذلك لضخامة عدد أعضاء الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ والذي يبلغ535 عضوا, لكل منهم آراؤه في مجال السياسة الخارجية, حتي أن البعض ينظر اليهم علي أنهم535 وزيرا للخارجية, يضاف لذلك السهولة النسبية للضغط علي الكونجرس من جماعات المصالح المختلفة, وخاصة مجلس النواب الذي ينتخب أعضاؤه من دوائر صغيرة الحجم, عكس الرئيس الأمريكي الذي ينتخب علي المستوي القومي ويستطيع الموازنة بين الضغوط المختلفة. وبالرغم من أن العلاقة بين الكونجرس الأمريكي ومصر ظلت طيبة لفترة طويلة من الزمن, وتبني الكونجرس العديد من التشريعات التي صبت في المصالح المصرية منها الموافقة بشكل دوري علي مخصصات المعونة الاقتصادية, والعسكرية, وإلغاء الديون العسكرية علي مصر عام2000, والتي بلغت نحو7 مليارات دولار, إلا أنه يلاحظ تغيير في مواقف الكونجرس تجاه مصر في السنوات الأخيرة, ويرتبط ذلك بعدد من الأسباب أهمها التغيير الجيلي الذي حدث في أعضاء الكونجرس, وخروج العديد من اصدقاء مصر القدامي من الكونجرس, ودخول عدد من الأعضاء الجدد لم يعاصروا بشكل كاف التطور التاريخي للعلاقة بين مصر والولاياتالمتحدة, ولا يدركوا بشكل كاف للدور الاستراتيجي لمصر في منطقة الشرق الأوسط. ويرتبط بذلك ضعف التواصل المصري مع الكونجرس الأمريكي بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها مؤسسات الرئاسة والدفاع والخارجية المصرية في هذا الصدد, إلا أنه يلاحظ ضعف التواصل البرلماني والشعبي المصري مع الكونجرس.. فعلي سبيل المثال يزور مصر خلال هذا الشهر25 من أعضاء الكونجرس وعدد أكبر من مساعديهم, ولكننا نادرا ما نسمع عن زيارة وفد برلماني أو شعبي مصري للكونجرس, بالاضافة الي ضعف التنسيق التنفيذي في بعض الأحيان في التعامل مع هذه المؤسسة. يضاف الي ذلك تصاعد حملة الضغوط علي الكونجرس لاتخاذ مواقف معادية لمصر من قبل الجماعات المؤيدة لإسرائيل, وكذلك الجماعات التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان, وأدي غياب ضغط مقابل يساند الموقف المصري, وعدم كفاية الجهود المتعلقة بشرح وجهات النظر المصرية الي المساهمة في تبني الكونجرس مواقف معادية لمصر. والواقع أن هذه النتيجة لا يجب أن تدفعنا الي اليأس والنظر الي مؤسسة الكونجرس علي انها معادية لمصر دائما, بل يجب أن يدفعنا الي بذل المزيد من الجهد المنظم للتواصل مع هذه المؤسسة المهمة, ودعم التبادل البرلماني والشعبي معها, وشرح المواقف والسياسات المصرية لها, بالاضافة الي تكثيف التواصل الرسمي علي المستويات المختلفة مع قيادات هذه المؤسسة وأعضائها, ولا يعني هذا بأي شكل من الأشكال التخلي عن مواقفنا تجاه القضايا العربية ورفضنا التدخل في شئوننا الداخلية, بل يعني شرح وجهات نظرنا إنطلاقا من رؤيتنا لمصالحنا الوطنية, والتي تستهدف في النهاية تحقيق السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة, وهي أهداف لا أعتقد أنها محل خلاف بين البلدين, بالرغم من الاختلاف حول وسائل تحقيقها. عن صحيفة الاهرام المصرية 10/1/2008