مرةً بعد أخرى تفشل المساعي المصرية في التوفيق بين الفصائل الفلسطينية ويصطدم التوقيع على الورقة المصرية للمصالحة الوطنية برفض حركة حماس، أحد أهم الفصائل الفلسطينية, وما بين رفض الحركة أو دعوتها لتأجيل التوقيع علامات استفهام كثيرة, وأكثر ما أثار دهشتي تلك الاتهامات المتبادلة بين الحركة والوسيط المصري، فكيف يمكن الوصول إلى توافق وطني فلسطيني في حين يتبادل القاضي والمتهم الادّعاءات والاتهامات؟!
الفشل المصري في جمع شمل الفلسطينيين يطرح العديد من الأسئلة منها هل يعني استمرار الانقسام الفلسطيني وعدم قدرة مصر على جمع شمل الفصائل الفلسطينية مؤشراً على أن مصر غير مؤهلة للتوسط بين الفلسطينيين؟ وما هي الأسباب التي عجّلت في الفشل المصري؟ وهل الفشل المصري يمحو الأمل الأخير لاسترجاع دورها المنتقص في القضايا العربية, أم هو بداية انقراض ريادتها للمنطقة العربية؟
الإجابة على تلك الأسئلة تحتم علينا معرفة طبيعة العلاقة التي تربط مصر والفصائل الفلسطينية خاصة الرئيسية منها, وبالأخص حركتا فتح وحماس, فالواقع يقول إن العلاقة بين مصر ومنظمة فتح ممثلة في السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس أبو مازن هي علاقة تاريخية اتسمت بتطابق وتوافق الرؤى والأهداف حول طبيعة الصراع العربي الفلسطيني, ومسار حل القضية الفلسطينية.
فالتحركات الدبلوماسية والزيارات المكوكية المتعددة للرئيس الفلسطيني توضِّح مدى قوة ومتانة هذه العلاقة, فضلاً عن اتفاقهما وتوافقهما حول رؤية الإدارة الأمريكية للتسوية في الشرق الأوسط, والتي تأتي في مقدمتها مطالبة العرب بخطوات تطبيعية مع إسرائيل قبل البدء في أي محادثات سلام, وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح والتغاضي عن حق اللاجئين في العودة واتخاذ القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة وهو ما ترفضه حركة حماس, التي تختلف رؤيتها للصراع العربي الإسرائيلي عن الرؤية المصرية الفتحاوية, فهما يختلفان في الوسيلة, وإن ظل الهدف واحداً وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
على الطرف الأخر تبدو العلاقة بين مصر وحركة حماس متوترة في كثير من الأحيان, فمصر تتهم حماس بالسعي نحو تأسيس وقيام إمارة إسلامية على حدودها الشرقية وهو ما نفته حماس عملياً عندما قتلت زعيم تنظيم جند أنصار الله وطاردت أعضاءه بعد محاولتهم إعلانهم إقامة إمارة إسلامية في غزة.
كما أن المسئولين الإسرائيليين يحاولون من آنٍ لآخر تعكير صفو العلاقة بين حماس ومصر لأنهم يدركون جيداً بأن تحسن العلاقة بين الطرفين في غير صالحها، فها هو عاموس جلعاد المسئول الأمني البارز بوزارة الدفاع الإسرائيلية يُدلي بتصريحات خلال احتفال إسرائيل بمرور 30 عامًا على توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل يقول فيها إن القاهرة حليفة لإسرائيل أمام حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وأمام إيران؛ وانهما يعتبران حماس تمثّل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي والمصري معا !
والجانب المصري يدرك محاولات إسرائيل المتعددة لبذر الشقاق بينها وبين حماس, فقد اعترفت الخارجية المصرية أكثر من مرة بمحاولات إسرائيل لإحداث شرخ أكبر في العلاقة بينها وبين حماس عندما نفت بشكل قاطع صحة التقرير الذي نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، ونسبت فيه إلى الرئيس المصري قوله إنه ينبغي ألا تخرج حركة «حماس» منتصرة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة نهايات العام الماضي.
نعم هناك محاولات إسرائيلية لتعكير صفو علاقة مصر بحماس, لكن الواقع يشير أيضاً إلى أن العلاقة متوترة في الأساس، فمن منا لا يتذكر التلميحات المصرية بتلقي حركة حماس أموالاً من قبل مجموعة متهمة بالتبعية لحزب الله اللبناني والدعوة لارتكاب أعمال عدائية, أو تلك التي صدرت من قيادات حمساوية تتهم خلالها القاهرة بالتنسيق مع تل أبيب وبأعلى المستويات قبيل بدء العدوان الصهيوني على غزة في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي والذي نتج عنه دمار هائل في غزة ومقتل وإصابة المئات من النساء والأطفال ..
إذن من الواضح غياب الثقة المتبادلة بين حركة حماس ومصر, وأن هذه الثقة الغائبة أثّرت على مجرى المفاوضات التي تستضيفها القاهرة للوصول إلى اتفاق تصالحي يضم كل الفصائل الفلسطينية, والوصول إلى مصالحة وطنية توافقية, وربما يزيد الموقف سوءاً اتهام بعض السياسيين المصريين حركة حماس بموالاتها إلى إيران, فالعلاقة بين حركة حماس وإيران تُلقى بالتأكيد بظلالها على العلاقة المصرية مع الحركة, خاصة مع الصراع المصري الإيراني على النفوذ في المنطقة العربية, والدور الإيراني المعلن والخفي لسحب البساط من أقدام مصر في الدول العربية.
وهؤلاء السياسيون المصريون يغضون الطرف عن الدعم المالي والتسليحي والتعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن وبين الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدةالأمريكية ضد المقاومة الفلسطينية بل ولا يعتبرون ذلك خطرا علي مصر كما أنهم لايرون في الإمارة التوراتية (إسرائيل ) اي خطر علي مصر وامنها القومي رغم اعلان كبار القادة الاسرائيلين أن حدود دولتهم هي اسرائيل الكبري من النيل ( كامل سيناء حتي القاهرة ) إلي الفرات ، ناهيك عن اللعب الإسرائيلي شديد الخطورة في منابع النيل والذي يستهدف الأمن المائي المصري !!
من هنا يبدوا جليا أن مصر لا يمكن أن تكون وسيطاً بين الفصائل الفلسطينية لأنها وببساطة جزءٌ من الصراع الحادث بينهما الآن, فلا يمكن لها أن تكون حكماً وخصماً في ذات الوقت, فالواقع يشير إلى أن مصر, شاءت او لم تشأ , بإرادتها أو بغير إرادتها, هي جزء من الصراع الفلسطيني الفلسطيني, كما أنها جزءٌ أصيلٌ في الصراع العربي الإسرائيلي.
فمثلما تنظر إسرائيل إلى الدور المصري في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين بالشك والريبة، تنظر حماس بنفس النظرة إلى الوساطة المصرية في خلافها مع فتح؛ وبالتالي لا يمكن لمصر أن تتوصل لحل وسط بين الفلسطيني وإنهاء الصراع بينهما أو التوصل لاتفاق بينهما.لانها من وجهة نظر الكثير من المراقبين ليست وسيطا محايدا بين الفلسطينين لانحيازها للسلطة وخياراتها .
الأيام القادمة قد تشهد تحولات جذريّة في ملف المفاوضات الفلسطينية، والساحة السياسية والدبلوماسية في هذا الشأن قد تشهد أحد سيناريوهين:
الأول: هو أن تتخلى مصر عن الوساطة بين حماس وفتح لجهة أخرى خارجية تمييز بحياديتها, ربما تكون تلك الجهة هي تركيا خاصة بعد ظهور أنباء تفيد بقيام المسئولين الأتراك بتوجيه طلب رسمي للجانب المصري للمساعدة ومد يد العون لإنجاح المصالحة الفلسطينية وإن لم يجد أي رد مصري.
والسيناريو الثاني : الأكثر احتمالية هو قيام حماس بتغيير رؤيتها بشأن التفاوض مع إسرائيل, فقد تتنازل حماس بعض الشيء تجاه رفضها فكرة رفض التفاوض مع الصهاينة, خاصة مع المرونة التي أبدتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه حركات المقاومة في فلسطين, ففي خطوة وصفها المحلّلون بأنها بداية تغيير جذري في رؤية الحركة تجاه فكرة التعايش مع إسرائيل، اتهمت فصائل مقاومة فلسطينية حركة حماس في قطاع غزة بأنها تمنع رجالها من إطلاق الصواريخ على إسرائيل, بل واعتقلت عدداً من المسلّحين الذين كانوا يحضرون لإطلاق صواريخ على إسرائيل، وحققت معهم, ربما يعني ذلك تغييراً في رؤية الحركة لمسار التسوية السلمية في ملف الصراع في الشرق الأوسط, وفي النهاية نترك الأيام تكشف لنا عن أي السيناريوهات أقرب إلى الحقيقة !.