مساحة التفاهم بين طهرانوواشنطن على حساب من ؟ رجا طلب تركز معاهد الدراسات والبحث في الولاياتالمتحدة على طبيعة العلاقة الممكنة بين واشنطنوطهران وامكانيات حدوث تفاهمات بين البلدين وطبيعة هذه التفاهمات ومجالها الحيوي وعلى حساب من ؟ وهي بذلك تناقش سيناريوهات محتملة بالتوازي مع معلومات محددة بشان العلاقة الملتبسة بين البلدين المتجاورين بصورة كاملة في افغانستان والعراق، ومن بين الفرضيات الاساسية التى يجرى الاستناد لها في هذا النقاش هو موضوع تقرير اجهزة الاستخبارات الاميركية بشان الملف النووي الايراني والمفاجأة المدوية التي اعلنها وهي ان طهران اوقفت نشاطها بشأن صناعة قنبلة نووية في عام 2003. فمراكز الدراسات وكبار المحللين السياسيين في اميركا اعتبروا مضمون التقرير جاء مبهما وحمالا لوجوه عديدة وغير حاسم وذلك لغايات تكتيكية تخدم ادارة الرئيس بوش في مسعاها للتفاهم مع ايران وامكانية الانقضاض عليها في أي وقت تصل فيه امكانية التفاهم الى طريق مسدود. في كل الاحوال فان التقرير عمل على فرملة التناطح السياسي بين البلدين واخذ يعمل على السعي لايجاد قنوات حوار تخدم الطرفين وبخاصة في المساحة الرمادية والتي تتداخل فيها المصالح بين الطرفين الا وهي العراق، وليست مصادفة على الاطلاق ان نجد الولاياتالمتحدة تتحدث عن تراجع كبير في حجم الاعمال الارهابية التي كانت تدعم من طهران وبخاصة تلك العمليات التى كانت تستهدف مباشرة الجنود الاميركيين في العراق. والحديث ايضا عن تراجع كبير في حجم تهريب السلاح الايراني الى العراق والذي كان يستخدم من قبل القوى الشيعية التابعة لايران ويستخدم ضد المدرعات الاميركية ( المقصود القنابل الخاصة باليات الجيش الاميركي التي تصنعها طهران ) بالاضافة الى الاشادة بالضربات التي تلقاها جيش المهدي سواء عن طريق المجلس الاعلى بقيادة عبد العزيز الحكيم ( رجل ايران الاول في العراق ) او عن طريق الجيش العراقي الرسمي التابع لحكومة المالكي، فكل ما سبق يدخل في باب التكتيك الايراني للرد بصورة ايجابية على تقرير الاستخبارات الاميركية تمهيدا لبدء حوار يقود الى تفاهم بين الطرفين يبدأ في العراق ولربما يصل الى ملفات اخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه هل تشكل تلك المؤشرات الميدانية المشار اليها ارضية خصبة لمثل هذا التفاهم وما هي المصالح التى يمكن تبادلها بين الطرفين وهل كل طرف مهيأ لتقديم بعض الاوراق او جزء منها للطرف الاخر؟ ببساطة، العملية معقدة ومركبة، فالايرانيون وفي ظل عقلية مثل عقلية احمدي نجاد لاتؤمن اطلاقا بمبدأ التفاهم السياسي مع '' الشيطان '' الاميركي'' غير ان بعض حلقات النظام الامنية وبخاصة ذات الصلة بالملف العراقي هي من تدفع عمليا لتفاهمات تكتيكية مع واشنطن بشان العراق والملف النووي بهدف تمرير الفترة المتبقية من ادارة بوش دون الوصول الى نقطة صدام معها، كما ان هذه الحلقات على ايمان تام ان بوش ومع مرور الوقت واقتراب فترة الانتخابات الرئاسية سيكون اضعف في اتخاذ قرار بشان حرب على ايران في آخر ايامه وبخاصة اذا ما جرى اظهار واشنطن اكثر مقدرة وسيطرة على الوضع العراقي،الذي سيكون هذا الوضع ورقته الرابحة في الانتخابات القادمة، ولذلك ترى هذه الحلقات ان عليها اعطاء ادارة بوش هذه '' الرشوة السياسية '' كافضل وسيلة لكسب الوقت والخلاص من هذه الادارة على امل مجيء ادارة ديمقراطية تكون اقل تحمسا للتورط في صراعات خارجية بل لربما تسلم رسميا بدور ايراني واضح المعالم في العراق. ولكن السؤال من الجهة المقابلة كيف يجري التعاطي الاميركي مع مثل هذا التفكير الايراني ؟ المعلومات السياسية تشير بوضوح الى وجود وجهتي نظر بهذا الشان الاولى وتمثلها الخارجية والمخابرات المركزية الاميركية وهي وجهة النظر التي تحبذ الابتعاد عن الصدام مع طهران مقابل التهدئة في العراق وفي الملفات الاخرى ان امكن وهنا اركز على '' ان امكن '' لان الخارجية بصورة خاصة تعتقد ان العراق والملف النووي هما القضايا الرئيسية الهامة في التعاطي مع الحالة الايرانية، اما وجهة النظر الثانية فتمثلها وزارة الدفاع التي تعتقد ان التهاون في التعامل مع التغلغل السياسي والعسكري الايراني في العراق سوف يشكل خطرا استراتيجيا على المصالح الاميركية في مجمل منطقة الشرق الاوسط، ولذا فالبنتاغون يحبذ التعامل بحزم وبحذر مع ايران دون الحاجة الى المواجهة معها او دون اعتبار المواجهة معها امرا حتميا. وفي كل الاحوال فان الجدل الاميركي الداخلي بشان ايران وطموحاتها الاقليمية ومدى الحاجة للتفاهم معها يؤشر بالضرورة الى امكانية انضاج الادارة الحالية لصفقة ما مع طهران وفي الاغلب لن تراعى مثل هذه الصفقة مصالح اصدقاء واشنطن او قوى الاعتدال في المنطقة والاقليم وهذه النتيجة المحتملة تحتم على تلك القوى الاقليمية المعتدلة التفكير في كيفية التفاهم اولا مع واشنطن بشأن أي مساحة تفاهم لاحقة مع طهران وحدودها وسقفها والثمن المقدم فيها، لان مخاطر الطموح السياسي والامني الايراني في المنطقة يشكل من الناحية العملية التحدي الاول لهذه الدول واي مساحة تفاهم اميركية - ايرانية ستزيد من درجة حدية وحراجة هذه الدول في مواجهة هذا التحدي الايراني، وستضعف قوى الاعتدال وتحيلها الى فريسة سهلة جدا للتيارات المتطرفة والجماعات الارهابية التي ستعزز لديها القناعة بان الارهاب هو الوسيلة المثلى للتعامل مع واشنطن وحلفائها وهو فقط القادر على انتزاع التنازلات منها. عن صحيفة الرأي الاردنية 31/12/2007