لا حلول لأزمة لبنان خارج الشراكة سليمان تقي الدين الأكثرية النيابية في لبنان تريد أن تحكم وحدها. تعتقد أن بضعة نواب زيادة عن نصف المجلس يشكلون الأكثرية وفق المعايير الديمقراطية. في ظاهر الحل المسألة مشروعة ومعقولة. في حقيقة الأمر المسألة بعيدة جداً عن هذا التبسيط. يقوم النظام اللبناني على قاعدة الشراكة بين المجموعات الطائفية ويحفظ لكل منها حصة في التمثيل، ويشترط الدستور نصاً على أن يكون التمثيل عادلاً. فلا يكفي مثلاً أن تكون الطائفة ممثلة بأشخاص لا يعبرون عن اتجاهات الجماعة، بل يجب أن يكون تمثيلهم صحيحاً. هذه الإشكالية أدت في الماضي إلى أزمات حكم، حيث لم يكن إشغال مركز الطائفة منسجماً مع مناخها السياسي العام ولا يحظى بتأييد الأكثرية فيها. الأكثرية النيابية الآن مكونة بصورة أساسية من ممثلي الطائفة السنية زائداً الى ممثلي الطائفة الدرزية وعدد من الشخصيات المسيحية. وبحسب قانون الانتخاب فإن مسيحيي الأكثرية لا يعبرون عن اتجاهات الجمهور المسيحي، لقد جاءوا على أكتاف الجمهور السني في الدوائر الكبرى التي جرى اعتمادها، في حين أن مسيحيي المعارضة يمثلون العصب الأساسي للمسيحيين خاصة لجهة جمهور الدوائر التي فازوا بها، أما نواب الطائفة الشيعية المعارضة فهم يمثلون جمهور الطائفة ويحتكرون هذا التمثيل تقريباً. في الانقسام السياسي الراهن ممثلو الشيعة والمسيحيين خارج الأكثرية النيابية، يستحيل إذاً أن يحكم فريق من اللبنانيين من دون شراكة الآخرين، لأن ذلك يؤدي الى خلل كبير في الصيغة الميثاقية للبلاد وفي طبيعة النظام السياسي نفسه. وقد جاء اتفاق الطائف يؤكد على المشاركة في السلطة التنفيذية، وجعل من الحكومة الإطار الأساسي لهذه الشراكة. فلا يمكن إذاً أن تتشكل حكومات في لبنان إلا بائتلاف وطني بين القوى والتيارات الموجودة داخل المجلس النيابيّ، هذا النظام يسميه البعض “الديمقراطية التوافقية"، ويسميه البعض الآخر “الديمقراطية الميثاقية"، وهذا أقرب الى طبيعة هذا النظام، فلا يمكن بالتالي معالجة مشكلاته وقضاياه من خارج هذا السياق، أي وفقاً لمعايير الديمقراطية العادية البسيطة. لم ينص الدستور طبعاً على المواقع الطائفية. لقد ظل هذا الأمر عرفاً رغم إلحاح البعض في حينه مع مناقشات اتفاق الطائف على تكريس تلك الأعراف. على العكس من ذلك، نص الطائف على وجوب تخطي النظام الطائفي ولم يكرس بالتالي العرف الدستوري في نص نهائي. فإذا نحن أعملنا الديمقراطية البسيطة والعادية في الواقع اللبناني نذهب في اتجاهات خطرة على السلم الأهلي، ونطيح بالدستور وبالنظام، ونشجع على مطالب من خارج العرف الحالي. فلا رئاسة الجمهورية في النص للموارنة، ولا رئاسة الحكومة في النص هي للسنة، ولا رئاسة مجلس النواب في النص هي للشيعة. فاذا كنا سنحتكم الى العددية فقد نعرض تلك المواقع والأعراف الدستورية القائمة حالياً الى التبديل في ضوء توازنات القوى. فضلاً عن أن المناصفة المسيحية الإسلامية تصبح موضع مناقشة ومعها كل الصيغة. هذا هو معنى تحذير البعض من اللعب بالتوازنات السياسية الحالية وتجاوز اتفاق الطائف. وفي هذه المعطيات لا مفرّ من صيغة المشاركة في الحكم وبالتالي من الوفاق ومن التسوية. فلا يمكن لأي فريق أن يأخذ الحكم ويأخذ البلاد في الاتجاه الذي يراه وحده من دون سائر الفرقاء الآخرين. طبعاً من الصعب الآن على “الأكثرية النيابية" أن تستوعب هذه الحقائق، بعد أن اندفعت في موجة القبض على السلطة في جميع مفاصلها بدعم دولي قوي. لكن الحقيقة هي في أن الدعم الدولي لا يستطيع أن يغيّر في صيغة الحكم اللبناني من دون ان يعرضه لصدام عنيف. ولا بد من حل هذا التناقض بين التوازنات الدولية والإقليمية وبين المعطيات الثابتة في النظام اللبناني. إن الدعم الدولي لحكومة لا تمثل جميع المكونات اللبنانية هو عمل غير ذي جدوى، ولن يستطيع أن يجعل الحكومة قادرة على الحكم. هذا ما حصل في خلال السنة الماضية ولا يزال. وقد أدى الإصرار على هذا الموقف الى الأزمة الحالية حول الانتخابات الرئاسية. كل سعي الى إنجاز هذا الاستحقاق من دون وفاق وطني شامل سيُفقد الحكم شرعيته، وسيؤدي الى سقوط النظام السياسي نفسه، ويشجع على البحث عن توازنات جديدة. عن صحيفة الخليج الاماراتية 22/12/2007