أميركا بعد فوز أوباما.. أسئلة عربية جلال عارف قد يكون أوباما رجلاً محظوظاً طوال حياته السياسية، ولكن لا شك أن أميركا نفسها أكثر حظاً بانتخابه رئيساً لها.. فلم تكن الدولة الأقوى في العالم قادرة علي تحمل أربع سنوات أخرى من السياسة التي جسدها الرئيس بوش واستحق بها أن يكون أسوأ من حكم أميركا طوال تاريخها، هذه السياسة التي كانت مرشحة للاستمرار علي نحو أو آخر لو استمر الجمهوريون في الحكم من خلال ماكين.
لم تكن أميركا تتحمل أربع سنوات أخري من سياسة أورثتها الهزيمة العسكرية والانهيار الاقتصادي وفقدان الثقة بها من شعوب العالم كله. وهكذا جاء انتخاب أوباما لينقذ أميركا من مخاطر استمرار السير علي طريق الخطر ولتبدأ في التعامل مع الميراث البائس لسنوات حكم الرئيس بوش مستفيدة من الدفعة التي يعطيها لها انتخاب أوباما والذي يتجاوز بلا شك حدود الصراع السياسي الداخلي بين الحزبين الرئيسين في أميركا.
ليشكل علامة تاريخية بارزة تطلق فيها الدولة الأقوى رسالة مصالحة مع النفس تنهي ميراثها مع العنصرية بأسوأ أشكالها، وتقول إنها قادرة علي التغيير مهما كانت المصاعب، ولتؤكد أن الأجيال الجديدة بها (و هي التي حسمت المعركة الانتخابية) قادمة لتغيير أميركا وربما العالم أيضاً!!
وإذا كان العالم كله قد انحاز لأوباما في معركته الشرسة أملاً في الخلاص من هذه السياسة المدمرة التي انتهجتها إدارة الرئيس الأميركي بوش طوال ثماني سنوات وحملت كل معالم الهوس الديني والتعصب وجنون استخدام القوة ومحاولة الانفراد بحكم العالم، فإننا في العالم العربي كنا بين الأكثر اكتواء بهذه السياسة التي فرضها المحافظون الجدد واستغلوا فيها أحداث 11 سبتمبر ليطبقوا مخططاتهم المنطلقة من عداء واضح ضد العرب والمسلمين.
من هنا كان طبيعياً هذا الحماس العربي لأوباماً، خاصة حين يرتبط ذلك بأصوله العرقية والدينية، وما يشكله ذلك من مساحة مفترضة للتعامل مع مشاكل المنطقة والعالم كله بلغة تصالحية بدلاً من لغة الصدام والحرب التي اتبعتها إدارة الرئيس بوش.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد انتخاب أوباما هو إلى أي مدى يمكن تبرير الآمال المعلقة عليه؟ وهل يمكن أن نتوقع تغييراً سريعاً في السياسة الأميركية في المنطقة لتكون أكثر مراعاة للعرب في الفترة القادمة؟!
وبغض النظر عن تصريحات أوباما أثناء حملته الانتخابية والتي زايد فيها على الجميع في الانحياز لإسرائيل، فإن علينا أن ندرك أولا أن السياسة الأميركية تجاه العرب يحكمها عاملان أساسيان ثابتان منذ نصف قرن مهما اختلفت الإدارة، وهما ضمان تفوق إسرائيل ومواجهة أي تهديد لهذا التفوق، ثم ضمان تدفق البترول العربي بالأسعار المناسبة لأميركا وحلفائها.
ثم علينا أن ندرك ثانيا أن قضايا العالم العربي لن تكون لها الأولوية في أجندة الرئيس الأميركي الجديد إلا بمقدار اتصالها بقضايا الداخل الأميركي.. وهنا مثلا- تتراجع القضية الفلسطينية، وقضايا مثل لبنان وغيرها، وتتقدم قضايا العراق وإيران ثم البترول وفوائض الأموال العربية، وبالطبع فإن المصلحة الأميركية وحدها هي التي تقرر حدود التحرك وهي التي تفرض سياسات الإدارة الأميركية و أولوياتها في المنطقة..
أما المصالح العربية فنحن وحدنا المسؤولون عنها والمعنيون بالدفاع عنها والقادرون علي فرضها إذا أردنا.. وهنا مربط الفرس كما يقولون، وهنا السؤال عن كيفية استعدادنا للتعامل مع الإدارة الأميركية القادمة، وهل نعرف كيف نستفيد من ظروف مواتية ومن تجارب سابقة.. أم أننا سنكتفي بالحماس لأوباما وانتظار الفرج على يد الإدارة الجديدة.
ثم نكتشف كما اكتشفنا مع كل إدارة سابقة أن آمالنا كانت بلا أساس، وأننا مطالبون بأن ندفع الثمن وتقديم التنازلات دون مقابل كما تعودنا، وكما تعود الآخرون في تعاملهم معنا؟! إن أمامنا شهوراً حاسمة حتى تدخل الإدارة الجديدة البيت الأبيض، وحتى تستكمل ترتيباتها للتعامل مع التركة الثقيلة التي ورثتها من حكم بوش البائس.. فهل نستعد نحن أيضا ونعيد ترتيب أوراقنا؟
قد تكون كل الأطراف العربية المعنية تنتظر موقف الإدارة الأميركية وتحاول الاستعداد له.. ولكن تظل الرؤية العربية الشاملة للتعامل مع الإدارة الجديدة في كل الملفات المطروحة غائبة، ويصبح السؤال المطروح علينا ليس عن موقف إدارة أوباما من قضايانا، بل عن رؤيتنا نحن للتعامل مع الإدارة الجديدة حول هذه القضايا.
فهل لدينا رؤية للعراق العربي بعيداً عن تركه للصراع أو التوافق بين واشنطن وطهران؟ وهل لدينا رؤية عربية واحدة في قضية البترول وإدارة المال العربي من أجل المصلحة العربية؟ وهل لدينا رؤية نتعامل بها مع الإدارة الجديدة لمنع استمرار الانحياز الكامل لإسرائيل؟
وهل يمكن أن تكون لنا كلمة يحسب حسابها بدون إنهاء الانقسامات الداخلية وخاصة في فلسطين، وبدون استعادة التوافق بين الأطراف العربية الأساسية وتجاوز الخلافات بينها، وبدون الربط بين قضايانا واستخدام كل إمكانياتنا في بناء موقف تفاوضي تدرك من خلاله أميركا أن مصالحها في المنطقة لن تتحقق في ظل موقف يتجاهل المصالح العربية؟! هذا هو السؤال الحقيقي.. وفي غياب الإجابة عليه يصبح الحديث عن تغيير حقيقي في السياسة الأميركية تجاهنا.. حديثاً بلا معنى!! عن صحيفة البيان الاماراتية 8/11/2008