موريتانيا: هل يختطف الجنرال الرئاسة في الانتخابات الموعودة؟
* محمد ولد محمد سالم
يعيش الشارع الموريتاني في هذه الأيام فترة ترقب وخوف من انعكاسات الأزمة السياسية الناجمة عن انقلاب السادس من آب (أغسطس) 2008 وما تلاه من تداعيات كان آخرها إعلان الحكومة من جانب واحد عن عزمها تنظيم انتخابات في شهر حزيران (يونيو) 2009 وقد زاد هذا الإعلان الأمور تعقيدا، وبات من شبه المؤكد أن الجنرال محمد ولد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للدولة سوف يترشح لمنصب رئيس الجمهورية، على الرغم من أنه ظل هو وأعضاء المجلس يؤكدون أنهم لا طمع لهم في السلطة وأنهم إنما جاؤوا لإنقاذ البلاد، وسيسلمونها للمدنيين في أقرب أجل، وكذلك على الرغم من الدعوات الداخلية والدولية التي تطالبه بإعادة السلطة إلى المدنيين. خطوة غير دستورية وهذا الترشح من شأنه أن يعقد الأوضاع ويعمق الأزمة، ذلك لأن الانقلاب الذي قاده الجنرال كان انقلابا عسكريا على رئيس منتخب، وهو بمقاييس الديمقراطية خطوة غير دستورية ولا تعطيه أي شرعية للحكم، ولئن كانت طائفة كبيرة من السياسيين الموريتانيين والمواطنين العاديين قد أيدت هذه الخطوة ورأت فيها إنقاذا للدولة الموريتانية من واقع اتسم برداءة تسيير
الأوضاع على مدى الأشهر الخمسة عشر السابقة للانقلاب، والتي بدا فيها أن الحكومة تراجعت عن خيارات التغيير، ذلك التراجع الذي تمثل في عودة أوجه كانت فاعلة في حقبة معاوية ولد الطايع إلى واجهة الفعل السياسي، فإن التأييد للانقلاب على هذا الاساس سيظل مشروطا بتحقيق أهداف معينة هي ما كان كثير من الموريتانيين يتوقون إلى تحقيقها غداة السادس من آب (أغسطس)، وتتمثل تلك الأهداف في: أولا - تهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، بما يعني إشراك جميع القوى السياسية في وضع خطة لهذه الانتخابات. ثانيا- إجراء انتخابات حرة تلتزم فيها الحكومة الانتقالية والمجلس العسكري الحياد التام، ويقطعون الصلة مع الممارسات التي وقعت أثناء الانتخابات الماضية والتي مال فيها بعض ضباط الجيش إلى مرشح دون آخر، وكانت النتيجة أن تم الضغط على الناخبين الذين هم في أغلبهم ضعفاء محتاجون خائفون، لا جلد لهم على مواجهة يمكن أن تذهب بلقمة عيشهم أو ترمي بهم في غياهب السجون. تلك هي الأهداف التي رآها الكثيرون ممن أيدوا هذا الانقلاب أو سكتوا عنه وهم يطمعون في أن الجيش قد يكون ندم على غلطته ويريد هذه المرة أن يكفر عنها، وتلك هي محك شرعية الانقلاب، لكن الأمور سلكت مسلكا آخر خلال الأشهر الماضية، فقد أغلق المجلس العسكري وحكومته التي شكلها الباب أمام الحوار وعملوا على تجاهل الآخرين ومضايقتهم بل وحرمانهم أحيانا من حق التعبير وممارسة الحريات السياسية،
واستغلال الإعلام الرسمي ضدهم، وقد بدا منذ الأيام الأولى أن رئيس المجلس العسكري يخوض حملة انتخابية، دشنها بولوجه أزقة أحياء الانتظار، وخطابه الشعبي المباشر ومهاجمته للفساد والمفسدين وأشفعها بقرارات تخفيض أسعار بعض المواد الأولية، وامتدت هذه الحملة إلى فتح ملفات فساد واستمرت بتدشين مشاريع ذات نفع عام، ولا شك أن في كثير من هذه التحركات جوانب إيجابية ومنها ما يعود بنفع مباشر على المواطن الذي هو في حاجة ماسة إلى عمل ملموس يساعده على دفع عسر الحياة،
ولكن ليس ذلك هو أولوية حكومة انتقالية، ولا من الأهداف الأساسية لانقلاب عسكري في ظرف كالذي تعيشه موريتانيا، وما أثار المخاوف في تلك الخطوات هو الحملة الإعلامية الكبيرة التي رافقتها، ولجوء حكومة ولد عبد العزيز إلى محاولة حصار معارضيها وسحب البساط من تحتهم وذلك بتوجهها بخطابها إلى ما أطلقت عليه اسم 'موريتانيا الأعماق'، وليس ما سماه في معظمه سوى قطعان من الرعاع تقودهم حفنة من المنافقين لا هم لها سوى بهرجة الواقع وغسل أدمغة الحكام. الاستبداد لقد جربنا في ما مضى الحكم الاستبدادي الذي يكبت الحريات ويتجاهل معارضيه ويغلق الباب في وجه المشاركة السياسية، وعلمنا علم اليقين أن ذلك الشكل من الحكم لا يجني من ورائه سوى الأزمات وانفراط عقد الدولة، وقد أحس الجيش نفسه بذلك، وما سلسلة الانقلابات التي كان آخرها انقلاب الثالث من آب (آغسطس) عام2005 إلا الشاهد على ذلك، وأي حكم استبدادي لن تكون نهايته إلا كنهاية سلفه، فالمجتمع الموريتاني تعود على ممارسة التعددية السياسية وليس مستعدا للعودة إلى الوراء، ولا يمكن الاستهانة بالأحزاب السياسية التي هي العنوان لهذه التعددية والحامية لها،
وقد أثبتت تضحيتها في ظروف حالكة سابقة أنها جديرة بتلك التعددية.ومع ذلك فإن تلك الأحزاب جميعا لا ينتظر منها اليوم أن تبادر بالحوار ولا أن تقدم خطة للمفاوضات، فهي لا تملك من السلطة سوى التشبث بما تراه حقا شرعيا، والمجلس العسكري وحده هو الذي يملك السلطة وهو القادر على فتح باب الحوار وجمع الفرقاء السياسيين والسير بالعملية إلى نهايتها، إلى الحل، ويجب عليه ذلك إن كان حقا يسعى لمصلحة موريتانيا.
إن الأهداف التي حددنا آنفا لا تعطي لرئيس المجلس العسكري حق الترشح للانتخابات الموعودة، فمهمته في الوقت الراهن تشبه مهمة الميكانيكي الذي يستدعى لإصلاح السيارة العاطلة وبعد أن يصلحها يركنها على الرصيف ليستأنف صاحبها قيادتها، وإذا قبلنا له بنوع من الشرعية فهي لا تتعدى شرعية المرحلة الانتقالية، ولن يكون ترشحه وانتخابه سوى اختطاف للسلطة من ساسة مدنيين كثيرين، لا شك أنهم جديرون بالتنافس على قيادة بلد ضحوا من أجله طويلا، وقد يكون رئيس المجلس العسكري يتمتع بمؤهلات تخوله قيادة البلد لكن ليس هذا اوانها،
ولئن ترشح اليوم وفاز فلن يكون فوزه مقنعا لا للداخل ولا للخارج وسيعرض البلاد لمزيد من الانقسامات الداخلية الخطيرة على وحدة البلاد، و لحصار اقتصادي خارجي لا تستطيع أن تتحمله بنيتها التنموية الهشة التي دمرتها الصراعات الشخصية وقصر نظر الحكام على مدى عقود منذ انقلاب تموز (يوليو) 1978، وإذا ترشح ولد عبد العزيز وفاز فلن يعدو ذلك أن يكون تغييرا للزي في إطار انقلاب متواصل، فالأحسن له أن ينتظر فرصا قادمة، لا يكون فيها هو الخصم والحكم، والباب سيبقى مفتوحا أمامه والأيام ستكون في صالحه، وعندها لن يستطيع أحد الطعن في نجاحه إذا ما نجح.