ما بعد مؤتمر أنابوليس د. أحمد مجدلاني انتهاء أعمال مؤتمر أنابوليس وبالنتائج التي خرج بها، وبعد هبوط سقف التوقعات منه إلى الحدود الممكنة، في ظل التوازنات القائمة ما بين حاجة الولاياتالمتحدة الأميركية لعقد المؤتمر والخروج بنتائج ولو جزئية للبناء عليها في خططها المستقبلية في المنطقة، وما بين التعنت والمماطلة الإسرائيلية والتي تتعدد أسبابها ودوافعها. ونجاحها والى حد كبير بالهبوط بسقف التوقعات إلى الحدود الدنيا، وما بين الموقف الفلسطيني الذي تمسك بأهداب الموقف العربي المشترك وعلى قاعدة مبادرة السلام العربية، من اجل رفع ليس سقف التوقعات وإنما الخروج بقدر معقول وملموس من المؤتمر وبما يؤدي لنقل القضية الفلسطينية والتعامل معها من قضية إرهاب وقضية إغاثية وإنسانية إلى قضية سياسية تتصل بحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة. هذا التقدم ليس لاستخدامه لإلقام قوى المعارضة حجراً كبيراً، والتي راهنت على ان المؤتمر سيكون لتصفية القضية الفلسطينية من خلال التنازل عن حق العودة والقدس وغير ذلك، بل من اجل فتح أفق سياسي يستطيع ملء الفراغ خلال العام القادم ويزج بالإدارة الأميركية بشكل فعال وايجابي في التدخل بالعملية التفاوضية، والهدف من كل ذلك هو منع الاستفراد الإسرائيلي بالوضع الفلسطيني وهو في حالة فراغ وضعف سياسي ما قد يمكن حكومة أولمرت الائتلافية والمتصارعة على التشدد، من انتهاز فرصة لكسب الوقت وفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض من خلال مواصلة سياسة الفصل الأحادي الجانب، ومصادرة الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري، والتذرع دائما وأبدا بان لا شريك فلسطينيا وخصوصا بعد انقلاب حركة حماس واستيلائها على قطاع غزة وفرض سلطة الأمر الواقع الموازية للسلطة الشرعية. ربما تكون النتائج المتواضعة التي خرج بها مؤتمر أنابوليس وخصوصا إذا ما اعتبرنا ان الإنجاز الأهم هو إعادة إطلاق العملية التفاوضية الفلسطينية الإسرائيلية، وفتح المجال لاحقا أمام مؤتمر تكميلي لاحق في موسكو في غضون الأشهر القليلة القادمة لإطلاق عملية تفاوضية تشمل كلاً من سورية ولبنان، وتقييم ما جرى خلال الفترة ما بين انعقاد المؤتمرين على المسار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي. بيد ان إعلان اللحظات الأخيرة للرئيس بوش عما يمكن تسميته بالبيان الثلاثي المشترك، وما حمله من صياغات عامة وغير محددة، وحمالة أوجه حددت بوضوح فقط بدء انطلاق المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والسقف الزمني للانتهاء منها نهاية العام القادم، والتهرب من المرجعيات والآليات الإلزامية للتطبيق من جهة أخرى، ان كل هذا لا يعني بأي حال من الأحوال ان البيان قد يشكل مرجعية جديدة للمفاوضات او انه من الممكن ان يشكل إطاراً تفاوضياً جديداً يحكم ويهدي سير المفاوضات اللاحقة التي بدا فيها البيان وصدوره بهذا الطريقة وكأنه شكل من أشكال الزواج القسري الذي فرض في اللحظات الأخيرة والذي لا يحمل رغبة كلّ من الطرفين المعنيين فيه. وقد شكل سحب الإدارة الأميركية لمشروع القرار المقدم من قبلها لمجلس الأمن بدون التشاور مع الأطراف المعنية، نقطة اختبار جدية، أولاً على استعداد إسرائيل للمضي قدما بما اتفق عليه، وثانيا قدرة الولاياتالمتحدة الأميركية على فرض رؤيتها وتصورها، ولكن وهو الأهم من وجهة نظرنا ان فشل مشروع القرار أراح الوضع الفلسطيني لان من شأن قرار كهذا صادر عن مجلس الأمن وهو لا ينطوي على أية إجراءات عملية بشان آليات التنفيذ ان يضعف القرارات الدولية السابقة ويهبط بسقفها أيضا. وبالتالي فإن التمسك الحازم بالمرجعيات الدولية ممثلة بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية من شأنه ان يضع هذه المرجعيات كأساس لأية مفاوضات مقبلة، علاوة على الالتزام بالموقف العربي، وبنفس الوقت إلزامه بالتمسك بهذه المرجعيات والآليات المتفق عليها عربيا، ومن هنا فإن ما ورد في خطاب الرئيس محمود عباس في المؤتمر يمكن ان يشكل في حد ذاته الأساس السياسي الذي ينطلق منه الفلسطينيون للمفاوضات القادمة، وخاصة ان صيغة الإعلان المشترك لم تحمل أية صيغة إلزام سياسي بقدر ما حملت الإعلان بانطلاق العملية التفاوضية . بيد ان الإعلان عن بدء العملية التفاوضية في الثاني عشر من الشهر الجاري وحده لا يمكن ان يفي بالغرض على صعيد بدء انطلاق العملية ذاتها ما لم يتواكب مع سلسلة من الإجراءات والقرارات العملية الملموسة التي ينبغي اتخاذها على صعيد الوضع الداخلي الفلسطيني. وقبل كل شيء علينا الاعتراف وبصرف النظر عن النتائج المتواضعة التي خرج بها مؤتمر أنابوليس فإن مرحلة سياسية قد بدأت تتبلور وان هناك اصطفافات سياسية قد بدأت تتشكل ما قبل انطلاق المؤتمر وأثناءه وبعده، ومن هنا فإن الحفاظ على الائتلاف الوطني العريض في إطار م.ت.ف ومؤسساتها وحصر التعارضات والتباينات حول الموقف من هذه القضية او تلك في إطار المنظمة ومؤسساتها مسألة في غاية الأهمية لضمان وحدة الموقف أولا، وإبقاء الصراع عليها في إطار الوحدة ثانيا، ولقطع الطريق على أصحاب المشروع الانقلابي البديل من اختطاف الموقف السياسي مجددا والمتاجرة به، ومن هنا فإن الإسراع بالدعوة لعقد المجلس المركزي ل "م.ت.ف"، وقبل نهاية العام الجاري، وذلك باعتباره المحطة التشريعية العليا الفلسطينية والتي ينبغي للقيادة الفلسطينية العودة لها هي مسألة في غاية الأهمية، ليس على سبيل تأكيد فعالية المؤسسات الفلسطينية الرسمية، وإنما أيضا على سبيل تأكيد الشراكة السياسية ما بين فصائل العمل الوطني المنضوية في إطار المنظمة ومؤسساتها. ومعالجة ليس الشأن السياسي بكل أبعاده انطلاقا من قاعدة الشراكة هذه، وإنما البحث عن أفضل السبل العملية لتفعيل وتطوير العمل داخل مؤسسات المنظمة التي طال الحديث عنها سابقا ولم يجرِ التقدم حولها بخطوات ملموسة بما في ذلك معالجة وضع اللجنة التنفيذية التي تقادمت وبدأت تفقد أعضاءها الواحد تلو الآخر مما بات يهدد بشرعية نصابها، وضرورة العمل على ملء الفراغات فيها وفقا للقواعد الناظمة في النظام الأساسي ل "م.ت.ف". كما يتطلب ذلك وقبل بدء العملية التفاوضية إعادة تشكيل لجنة المفاوضات العليا والطواقم التفاوضية والفنية، وبمشاركة سياسية من القوى الموافقة على العملية السياسية لضمان ليس فقط عملية الشراكة السياسية فحسب، وإنما لضمان منع الاستفراد بهذه العملية من جهة واحدة والتقرير فيها، وبصرف النظر عن ان نتائج او حصيلة ما يتفق عليه سوف يعرض على قيادة المنظمة والشعب إلا ان المشاركة في العملية السياسية منذ البدء بها قد يقلل من مخاطر التفرد، ويسهم في تذليل العديد من العقبات التي قد تنشأ في سياق العملية التفاوضية او بعدها. كما يستلزم الأمر من ناحية أخرى إجراء تعديل جوهري في الحكومة الفلسطينية الحالية من اجل مواكبة هذه العملية السياسية الجارية وبحوامل سياسية تعطي ليس قوة إسناد ودعم لها فحسب، وإنما قوة دفع جديدة لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة وتحدياتها. ان التعاطي مع نتائج مؤتمر أنابوليس من موقع التقليل من حجم النتائج او المبالغة فيها يصب في ذات الاتجاه الذي لا يريد استثمار وتوظيف أي إنجاز قد تحقق فيه، وان حسن التوظيف والاستثمار يتطلب اتخاذ جملة من الإجراءات التي تعزز الوضع الداخلي وتصلبه وتساعد على تقوية قدراتنا الذاتية ما أمكن ذلك. عن صحيفة الايام الفلسطينية 5/12/2007