الإسلام في فرنسا رجب البنا معاداة السامية جريمة يعاقب عليها القانون الفرنسي. أما معاداة الإسلام فلا محاسبة عليها, وتعتبر ممارسة مشروعة لحرية الرأي. وتمثل مأساة جارودي المفكر الفرنسي الشهير نموذجا لما ينتظر كل من يقول كلمة تخالف الأساطير المؤسسة للصهيونية من قريب أو بعيد أو يقول كلمة حق عن الإسلام. جارودي بعد تنقل بين المذاهب والديانات اعتنق الإسلام وتزوج فلسطينية مسلمة وأصدر كتابه وعود الإسلام قال فيه إن نزعة الاستعلاء العرقي في الغرب هي الدافع لكراهية الغرب للإسلام وإن الإسلام يمثل عقبة أمام سياسة الغرب للهيمنة الاقتصادية والثقافية علي العالم الإسلامي. ورأي أن هذا هو التفسير الوحيد لموقف مفكري الغرب بازدراء الإسلام وحضارته وثقافته. وهبت العواصف علي جارودي بسبب أقواله بأن الإسلام كان قوة روحية في الماضي ولايزال كذلك في الحاضر والمستقبل, وتحذيره للفرنسيين من الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه أصحاب النزعة الالحادية الذين حاربوا الدين المسيحي وخلطوا بين الدين المسيحي وبين الفظائع التي ارتكبتها الكنيسة في عهد قسطنطين وخلفائه والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والبابا بورجيا ورجال الدين في القرون الوسطي في أوروبا وكانوا قوة رجعية ضد الديمقراطية والتقدم وحقوق الإنسان. وسرد جارودي في كتابه قائمة طويلة من كبار المفكرين الغربيين الذين شوهوا الإسلام في العقل الغربي, مثل فيكتور هوجو في كتابه شرقيات, وشاتوبريان في كتابه رحلة من باريس إلي القدس ولامارتين في رحلة إلي الشرق وطالب فيه كل دولة أوروبية بأن تقيم مستعمرات في الجزء الذي ستحصل عليه من الامبراطورية العثمانية, ومثل جيرار دي نرفال الذي قال إنه لم يجد شيئا في بلاد الاسلام غير الفراغ, وفلوبير الذي قال عن روايته الشهيرة سالاميو إنه يريد بها ايقاظ الشرق من هلوساته الإسلامية, ولورانس العرب الذي قال إن جميع ولايات الامبراطورية العثمانية( الإسلامية) لم تكن تساوي في نظري موت انجليزي واحد.. وتساءل جارودي: إن الإسلام لا ينكر المسيحية, والقرآن يذكر المسيح والسيدة مريم باحترام وإجلال, فلماذا يري مفكرو الغرب أن عليهم معاداة الإسلام؟ هذا بعض ما قاله وكتبه روجيه جارودي الذي اختار لنفسه اسم رجاء جارودي بعد إسلامه. وقد تسببت هذه الأقوال والكتابات في الهجوم عليه وازدرائه بعد أن كانوا يعتبرونه من مفاخر الفكر الفرنسي الحديث. وكانت هذه هي الجريمة الكبري التي قدم بسببها إلي المحاكمة وحكم عليه بالسجن بل وأصبحت حياته في خطر وحاصرته التهديدات الصريحة بقتله بعد أن أصدر كتابه الأساطير المؤسسة لإسرائيل, وأولها أسطورة أن فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله بها اليهود, وثانيها أن اليهود هم شعب الله المختار, وثالثها التشكيك في صحة الرقم(6 ملايين) الذي تعلنه إسرائيل عن عدد ضحايا المحرقة النازية من اليهود وتطارد كل من يشكك فيه, ورابعا أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب, وأخيرا أسطورة المعجزة الإسرائيلية التي يصفون بها دولة إسرائيل. بسبب هذه الأفكار تمت محاكمته طبقا لقانون( فابيوس جيسو) وحكمت عليه المحكمة بالسجن وبغرامة تساوي20 ألف دولار, وكانت القضية مناسبة ليعلن اللوبي الصهيوني قوته ونفوذه. وتم الاعتداء علي المكتبات التي تبيع كتبه في فرنسا وسويسرا واليونان فامتنعت عن بيعها, وكل ذلك لأنه فكر في المطالبة بمراجعة رقم الستة ملايين ولم ينكر المحرقة ذاتها.. واستأنف الحكم أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فحكمت بالغرامة وبإلغاء الحكم بالسجن ولم يعد لجارودي المكان بين كبار المثقفين كما كان من قبل, بينما سلمان رشدي الذي وجه الاتهامات والإهانات إلي الإسلام وكتابه ورسوله يحظي بتكريم الدول الغربية ويعيش في قصر ويربح ملايين الدولارات وتنعم عليه ملكة بريطانيا بلقب سير. لقد أصبح جارودي عبرة لكل من يحاول الاقتراب من الأساطير الإسرائيلية وتحذيرا بأن سيف معاداة السامية لن يرحم من يجرؤ علي ذلك في أي مكان في العالم أو يحاول أنصاف الإسلام! ليس جارودي وحده.. إنه مجرد مثال.. وهناك غيره كثيرون لابد أن نذكر بعضهم عسي أن يستيقظ الغافلون وأن يصدق المكذبون ويتحرك الجالسون علي المقاعد أمام الميكروفونات ليقولوا إنهم حراس الإسلام والمدافعون عنه! عن صحيفة الاهرام المصرية 2/12/2007