أولى حلقات برنامج معتز الدمرداش "مصر الجديدة" على قناة " الحياة " لم تكن مبشرة، حيث كانت عن مصر القديمة التي أطاحت بها ثورة شعبية.
معتز استضاف فريد الديب محامي الرئيس المخلوع وأسرته، وهو أيضا محامي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي المتهم بقتل شهداء الثورة.
بدت لي الحلقة لا معنى لها في هذا الوقت، خصوصا أن الديب لم يكشف خلالها معلومات جديدة مهمة تتعلق بقضايا مبارك، إنما استغل الوقت للدفاع عن الرئيس المخلوع الذي يحبه ويثق فيه، وهذا رأيه الشخصي، وهو حر فيه.
لكن ليس من حقه أن يستغل منبرا إعلاميا واسع الانتشار للقيام بعملية غَسْل سمعة وتبييض وجه رئيس سقط عن عرشه، فهذا مرفوض.
وهذا تلام عليه قناة " الحياة " ومعتز الذي لم يكن قويا في أسئلته ومداخلاته وإدارته للحوار فجعل الديب يصول ويجول مستعرضا مواهبه الكلامية.
وأسأل:
هل الحلقة كانت مخططة لاستدرار عطف المصريين على مبارك؟.
الديب كان غاية في الاستفزاز وهو يدافع عن مبارك وحكمه ونزاهته وطهارته، كأنه يتحدث عن مبارك آخر، الذي كان يحكم بلدا آخر في المريخ مثلا، أو كأنه يتحدث لشعب آخر غير الشعب المصري الذي عاش 30 عاما تحت حكم هذا الرئيس المخلوع ؟.
المصريون لن يصدقوا ما قاله الديب عن مبارك، لأن لكل مصري حكاية مأساوية تجعل قلبه وعقله مغلقا عن أي استعطاف بشأنه، فهو لم يكن عطوفا على شعبه، وكان عنيدا قاسي القلب معه.
توقفت في كلام فريد الديب أمام عدة نقاط هي:
1- موقعة الجمل، حيث قال الديب: إن خطاب مبارك مساء الثلاثاء "مطلع فبراير" جلب له تعاطفا واسعا من المصريين .. فهل يعقل أن يكون له علاقة بما جرى في اليوم التالي "الأربعاء" في ميدان التحرير ليبدد الأثر الإيجابي للخطاب؟.
بالطبع، لا يعقل أن يفعل ذلك، لكن السؤال للمحامي الأريب:
لماذا -إذن- لم يأمر بوقف عدوان البلطجية على المتظاهرين؟.
ولماذا لم يأمر وزير الداخلية بسحب ضباط أمن الدولة والشرطة السرية من ساحة المعركة، وإنزال القناصة الذين امطروا الشباب بالرصاص الحي من فوق أسطح المباني المحيطة بالميدان، والتوقف فورا عن قتل المتظاهرين؟.
المعركة استمرت من ظهر الأربعاء"2فبراير" وحتى ظهر اليوم التالي الخميس، ألم يكن مبارك يعلم بالعدوان خصوصا أن كل فضائيات العالم كانت تنقل وقائع المعركة مباشرة من ميداني التحرير وعبد المنعم رياض.
وكان الثوار والإعلاميون والنشطاء والمحللون يتحدثون ويستغيثون بأجهزة الدولة وبكل صاحب ضمير بالتدخل لوقف المجزرة.
ألم يكن مبارك يعلم ما يدور في البلد الذي يحكمه، حتى وهذا البلد في حالة ثورة؟.
هل كان مغيبا عن البلد أيضا في هذه اللحظات الدقيقة من حكمه الذي كان ينهار من تحته؟، وألم تكن تصله تقارير من أجهزته الأمنية العديدة بما يجري، أم كانت هى الأخرى تضلله؟
إذا كان مبارك يعلم بالمعركة ولم يتدخل فهي مصيبة يستحق عليها المحاكمة، وإذا كان لا يعلم فالمصيبة أكبر، لأنه لم يكن يصلح رئيسا لبلد لا يستطيع الحفاظ على أرواح مواطنيه.
هل يريد الديب أن يقول إن المحيطين بمبارك هم الذين خططوا للمعركة ونفذوها دون علمه، هل يجرؤ أحد أن يفعل شيئا قبل 25 يناير أو بعده إلا بعلم مبارك الحاكم المستبد صاحب القبضة الحديدية؟.
2 - التوريث.. قال فريد الديب أن الرئيس السابق أو زوجته لا علاقة لهما بمسألة التوريث، وأنهما لم يكونا يخططان له.
من يصدق هذا الكلام الآن؟.
وإذا كان قوله صحيحا فإن مبارك سئل مئات المرات عن التوريث، وكانت إجاباته مراوغة غير واضحة. أذكر مرة في حوار مع وسيلة إعلامية أمريكية قال: إن جمال لم يفاتحني في الموضوع، كأن مصر عزبة، وجمال يريد امتلاكها، ووالده ينتظر منه أن يقدم له طلب التملك.
الديب يلقي بالمسؤولية عن التوريث على المحيطين بمبارك وزوجته ونجله. المحيطون الآن هم الشماعة ويراد إلقاء كل الجرائم والكوارث على أكتافهم لتبرئة الرئيس السابق وعائلته من المسؤولية، وكأن مبارك لم يكن يدري ما يدور حوله، ولم تكن له صلاحيات، كأنه كان رئيسا صوريا.
لماذا لم يتحدث الرئيس السابق أو يصدر بيانا واضحا محددا قاطعا ليقول: لا توريث للحكم لجمال بأي شكل من الأشكال ولا حتى عبر لعبة الانتخابات.
بل إنه عندما قامت الثورة تجاهل في خطابه الأول المتأخر هذا المطلب الشعبي واكتفى بتغيير الحكومة، ولما اشتدت الثورة خرج ليقول: إنني لم أكن أنتوي الترشح، رغم أنه هو القائل إنني سأظل أتحمل المسؤولية طالما بداخلي عرق ينبض.
3 – قال الديب: إن مبارك كان نزيها مثل عبد الناصر والسادات .. وهذا رأي ضد الواقع، ذلك أن عبد الناصر والسادات رحلا عن عالمنا دون ثورة شعبية تطيح بهما.
وإذا كان السادات قد تم اغتياله، فهذا من صنع نفر من الإسلاميين، وليس ترجمة لإرادة شعبية جمعية، أما مبارك فإن الإرادة الشعبية أطاحت به.
والرئيسان الراحلان لم يثيرا جدلا كما حدث مع مبارك حول ثرواتهما، بل هما ماتا دون أن يتركا شيئا لأسرتيهما ودون أن يفكرا في توريث أي من أبنائهما الحكم، والأيام أثبتت ذلك.
أما مبارك فإن هناك جدلا واسعا حول حجم ثروته وثروة زوجته وأولاده والبيان الذي أذاعه عبر قناة العربية وسع من الغضب ضده وأضره ولم يخدمه ولم يصدقه فيه أحد.
4- تحدث الديب عن توريث المناصب في كل مرافق الدولة وهذا صحيح، وهذه الآفة اتسعت خلال عهد مبارك، وكان آخر منصب ينتظر التوريث هو الرئاسة، وكان مبارك ماضيا فيه، ومن حق أولاد الرئيس -أي رئيس- أن يعملوا وينجحوا ويتفوقوا من دون شبهة استغلال نفوذ.
لكن هل ما قام به علاء وجمال من أنشطة تجارية ومالية وشراكات وتكوين ثروات تم بقدراتهما وعبقريتهما أم باستغلال نفوذ والدهما الرئيس الآمر الناهي علي كل مؤسسات الدولة .
وماذا كان دخل علاء وجمال حتى يكون لهما كل هذا النشاط الاقتصادي وتكون لديهما ثروة كبيرة، وهل لو لم يكن والدهما رئيسا وكان ضابط جيش على المعاش، هل كانا سيصبحان بكل هذا الثراء والنفوذ؟.
دفاع فريد الديب عن موكله بالحق والباطل غير مقبول، والاستعطاف لن يتم بهذه الطريقة، بل الغضب والرفض سيزداد، وأتمنى أن يقرأ هذا المحامي ردود أفعال القراء على مواقع الانترنت حول ما قاله ليقف بنفسه على الحقيقة المُرّة.
أما معتز فلم يكن موفقا في استضافة الديب، ولم يكن محاورا عميقا رغم أنه حاول، وقد أسرف في الإطراء عليه كأنه يعتبر استضافته إنجازا لبرنامجه.
بالعكس كان على "الحياة" أن تطالب الديب بدفع قيمة الوقت الذي استغرقه ظهوره على شاشتها باعتباره فقرة إعلانية لمحاولة تبييض سمعة ووجه رئيس أطاح به شعبه.