انتخابات النواب 2025.. تفاوت الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية تتصدر المشهد    ناخبون يتوجهون أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم فى البحيرة    إقبال متزايد في ثاني أيام التصويت بالجيزة.. والشباب يشاركون بقوة إلى جانب المرأة وكبار السن    سعر الذهب اليوم خلال التعاملات المسائية بعد هبوط محدود    التعامل ب البيتكوين.. المزايا والمخاطر!    ما هو قانون قيصر المفروض على سوريا من قبل أمريكا؟ اعرف التفاصيل    هل تحاكم السلطة الرابعة الجيش الإسرائيلي؟    وزير الرياضة يهنئ أبطال مصر بعد تحقيق 24 ميدالية في دورة التضامن الإسلامي    الأرصاد تحذر : طقس سيئ الخميس وأمطار غزيرة ورعدية    مهرجان القاهرة يعلن القائمة النهائية لبرنامج أفلام العروض الخاصة    مدينة الشيخ زايد.. الشيخوخة ليست ببعيد !!!    المنظمة الدولية للهجرة تحذر من قرب انهيار عمليات الإغاثة في السودان    محافظ الإسكندرية: انتخابات النواب 2025 تسير بانضباط في يومها الثاني    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن جدول أيام الصناعة الكامل في دورته ال46    محافظ المنيا مشيدا بالناخبين: حريصون على المشاركة فى العرس الديمقراطى    انطلاق ورش مهرجان القاهرة للطفل العربي في يومه الأول (تفاصيل)    مسار يكتسح 15 أغسطس بخماسية في مجموعة الموت بدوري أبطال أفريقيا للسيدات    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة سموحة في سوبر اليد    الفريق ربيع عن استحداث بدائل لقناة السويس: «غير واقعية ومشروعات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ»    الحزن يخيم على أهالي حلايب وشلاتين بعد وفاة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    أوغندا تهزم فرنسا في كأس العالم للناشئين وتتأهل "كأفضل ثوالث"    فريق طبي بمستشفى العلمين ينجح في إنقاذ حياة شاب بعد اختراق سيخ حديدي لفكه    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    الاتحاد الأوروبي يخطط لإنشاء وحدة استخباراتية جديدة لمواجهة التهديدات العالمية المتصاعدة    دويدار يهاجم زيزو بعد واقعة السوبر: «ما فعله إهانة للجميع»    الجيش الملكي يعلن موعد مباراته أمام الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    «متبقيات المبيدات»: تحليل أكثر من 18 ألف عينة خلال أكتوبر الماضي لخدمة الصادرات الزراعية    بعد أزمة صحية حادة.. محمد محمود عبد العزيز يدعم زوجته برسالة مؤثرة    «الهولوجرام يعيد الكنوز المنهوبة».. مبادرة مصرية لربط التكنولوجيا بالتراث    «تعثر الشرع أثناء دخوله للبيت الأبيض».. حقيقة الصورة المتداولة    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    الحكومة المصرية تطلق خطة وطنية للقضاء على الالتهاب الكبدي الفيروسي 2025-2030    «هيستدرجوك لحد ما يعرفوا سرك».. 4 أبراج فضولية بطبعها    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    تقنيات جديدة.. المخرج محمد حمدي يكشف تفاصيل ومفاجآت حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ال46| خاص    الأزهر للفتوي: إخفاء عيوب السلع أكلٌ للمال بالباطل.. وللمشتري رد السلعة أو خصم قيمة العيب    الكاف يعلن مواعيد أول مباراتين لبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا    مراسل "إكسترا نيوز" ينقل كواليس عملية التصويت في محافظة قنا    دار الافتاء توضح كيفية حساب الزكاة على المال المستثمر في الأسهم في البورصة    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    شاب ينهي حياة والدته بطلق ناري في الوجة بشبرالخيمة    الرئيس السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    ضمن «صحح مفاهيمك».. «أوقاف أسيوط» تنظم ندوة حول «خطورة الرشوة» ب«الجامعة التكنولوجية»    رئيس مياه القناة يتابع سير العمل بمحطات وشبكات صرف الأمطار    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    إدارة التعليم بمكة المكرمة تطلق مسابقة القرآن الكريم لعام 1447ه    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    أوباميكانو: هذا الثلاثي أسهم في نجاحي    الحكومة توافق على إزالة صفة النفع العام عن قطعة أرض بمنطقة أثر النبي بالقاهرة    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    وفد من جامعة الدول العربية يتفقد لجان انتخابات مجلس النواب بالإسكندرية    «رحل الجسد وبقي الأثر».. 21 عامًا على رحيل ياسر عرفات (بروفايل)    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    بينهم أجانب.. مصرع وإصابة 38 شخصا في حادث تصادم بطريق رأس غارب    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي
نشر في محيط يوم 19 - 11 - 2007


الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي
د. عبدالإله بلقزيز
ما الذي يبقى من سلطان للدولة حين تستقيل - أو تقال - من وظيفة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتَكِلُ أمر الاقتصاد الى القطاع الخاص؟ ماذا عساها تصبح حين تكف عن التدخل في السوق والأسعار أو عن دعم المواد الأساسية للاستهلاك الشعبي وحماية القدرة الشرائية للمواطنين ومنع الاحتكار والغلاء؟ وأي مرجعية اجتماعية تبقى لها حين تتوقف عن الاستثمار في البنى التحتية وقطاعات التعليم والصحة والخدمات العامة وعن توفير فرص عمل للأيدي العاملة ولحملة الشهادات وخريجي الجامعات؟ وكيف سينظر اليها مواطنوها وهم يشعرون بأنها تخلت عنهم وتركتهم لقدرهم البائس يواجهون جشعاً رأسمالياً لا يرحم؟
إذا كان للدولة - في ما مضى - بعض هيبة وسلطان في الناس، فذلك لم يكن دائماً بسبب جبروتها والخوف العام منها، وإنما كان أيضا - وأساساً- بسبب نجاحاتها النسبية في إشباع قسم غير يسير من الحاجات الاجتماعية للشعب ولطبقاته المحرومة على نحو خاص.
نعم، حين كانت الدولة تسيطر على الاقتصاد وقطاعات الإنتاج لم تكن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حسنة بدرجة عالية، لكنها - قطعا- كانت أقل سوءا مما هي عليه اليوم ومما ستكون عليه غداً لو استمرت عملية النهب الاقتصادي الجارية. إذا كان التعليم قد انتشر في المدن والأرياف، ولم يعد حكراً على أبناء الطبقات الميسورة، فبفضل الدولة وسياسة تعميم التعليم ومجانيته. إذا كانت المؤسسات الصحية قد توسعت في الماضي، وأنقذت حياة الملايين من المصابين بالأوبئة، فبفضل الدولة وسياسة التمريض المجاني.
وإذا كانت شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي قد توسعت الى المدن الصغيرة، وإلى القرى وبعض الأرياف البعيدة عن المراكز، فالفضل للدولة في ذلك. والفضل كبير لها في توفير العمل لملايين العمال (في مصانعها) والموظفين (في إداراتها) وفي توسيع قاعدة الطبقة الوسطى في المجتمع العربي الحديث. ذلك كان رأسمال الدولة المعنوي والأخلاقي في المجتمع. ما الذي يبقى لها بعد فقدانه؟
لن يختلف المناهضون للدولة ولدورها الاقتصادي والمؤيدون لها، ولذلك الدور، في أن من وظائفها التي لا تنازع فيها حفظ الأمن واحتكار القيام بأمره من دون سواها. وحسناً فعلوا إذ أجمعوا على ذلك. ولكن، هل هذا كل ما يبقى للدولة: أن تملك شرطة ومحاكم وجيشاً كي تفرض الأمن الاجتماعي في الداخل وتحمي السيادة من الخطر الخارجي؟ ثم هل يعدو معنى الأمن، في هذه الحال، معنى الردع او معنى العقاب، وهما مما يفرضان بقوة القانون (وقد تلجأ الى الزجر ايضا لفرض القانون او لفرض احترامه)؟ أين مصادر الأمن الحقيقية التي لا يكون أمن بغيرها، أو التي قد لا يحتاج الى الأمن - بما هو إكراه، أو زجر أو عقاب - إن وجدت؟
حتى مع التسليم بأن دوراً رئيسياً يبقى للدولة في المجتمع - بعد أن تكف أدوارها الاقتصادية والاجتماعية - هو حماية أمن المجتمع وأمن الوطن، فإن النهوض بهذا الدور الحصري يمتنع من دون الخروج من المعنى الفيزيقي والإجرائي والأدواتي للأمن الى إعادة بناء مفهوم الأمن (الاجتماعي والقومي) بما هو إشباع لحاجات أو توفير لها، وبما يقطع دابر العدوان أو انتهاك الحقوق والأملاك بين أفراد المجتمع. فقد يولد اضطراب الأمن من وجود حاجات لا تجد سبيلا الى تحقيق نفسها تحقيقا مشروعا او إنسانيا وعلى نحو يحفظ الكرامة، فتميل الى التحقق من طرق غير مشروعة. لابد، إذن، عند التفكير في مسألة الأمن من التفكير في البنية التحتية للأمن، أي في ما يؤسسه. ومن النافل القول إن هذه البنية التحتية ليست أمنية، أو ليست جهاز الأمن وأدواته وتشريعاته، وإنما هي - في المقام الأول - اقتصادية واجتماعية وسياسية.
ها هنا يطالعنا سؤال إشكالي رئيسي: هل أمن المجتمع والناس والممتلكات الخاصة ممكن دون أمن اقتصادي واجتماعي يمتص الحاجات ويرعى الحقوق ويخفف من حدة الأسباب التي تنتج معضلات الأمن في أي مجتمع مثل الفقر والبطالة والتهميش، وانسداد الآفاق الاجتماعية أمام الناس؟ وهل الأمن الخارجي (للدولة والوطن) يتحقق فقط من طريق سيادة الدولة الترابية والسياسية وصون تلك السيادة من الخطر الأجنبي أم من طريق السيادة على الثروة والمقدرات وتغطيتها من أجل حماية استقلالية القرار الوطني؟
ثمة درس غني في الفكر الاستراتيجي الحديث والمعاصر مفاده أن جوهر الأمن القومي لأي مجتمع ولأي أمة ليس الأمن العسكري، حصراً، وإنما الأمن الاقتصادي والغذائي، فالدول والأمم لا تحمي سيادتها واستقلالها وإرادتها بالجيوش فقط، وإنما بقدرتها الاقتصادية وبتماسك نظامها السياسي والاجتماعي الداخلي في وجه التهديدات الخارجية، وهي أيضا لا تتعرض لفقدان سيادتها أو استقلال قرارها الوطني بالغزو العسكري الخارجي فحسب، بل أيضا بالاستتباع السياسي من القوى الأجنبية وما تفرضه عليها إملاءاته من ارتهان لإرادة الأجنبي وفقدان للقرار الوطني المستقل. وغالبا ما يقع ذلك حين يعجز مجتمع عن تحقيق أمنه الاقتصادي والغذائي فيسقط تحت رحمة أو جحيم الديون والإملاءات والإذعان لمشيئة الخارج. هل حمى الجيش الأحمر بكل هيبته الاتحاد السوفييتي من الانهيار بعد أن اهترأ وضعه الاقتصادي وتعفن داخله الاجتماعي والقومي؟
ليس هذا درساً في الأمن القومي (الخارجي) فقط، إنه كذلك بالنسبة الى مسألة الأمن الداخلي: الاجتماعي والسياسي. إذا لم يكن في وسع المجتمع والدولة إشباع حاجات المواطنين، وتأمين مستقبل أبنائهم، ورفع سيف الحيف عنهم، وتمتيعهم بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية (الى جانب السياسية)، وحماية تلك الحقوق من أي لون من ألوان النيل منها، فلن يكون في الوسع نهوض الدولة بواجب حفظ الأمن العام إلا بحمامات الدم ومواكب المعتقلين، وليس هذا من الأمن في شيء.
لا مناص من دور الدولة التنموي (الاقتصادي والاجتماعي)، هذا دور تؤديه في المجتمعات المتقدمة في الغرب ولم تتنازل عنه أو تتراجع، فكيف بمجتمعات متأخرة مثل المجتمعات العربية ما زال نصف سكانها أمياً، وخمس أبنائها تحت خط الفقر. ومن دون هذا الدور التنموي - الذي لا يمكن أن تقوم به إلا الدولة - سيزيد الأمن الاجتماعي والسياسي تدهورا، وسيعسر عليها أكثر فأكثر أن تنهض بمهمة حفظه على الوجه المناسب. وحينها لن يكون في وسع الهراوات والقنابل المسيلة للدموع والتوقيفات الجماعية أن ترد على صرخات الجوع ومشاعر الحرمان.
عن صحيفة الخليج الاماراتية
19/11/2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.