وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    «الإسكان»: إجراء القرعة العلنية لتخصيص أراضي القادسية بالعبور الجديدة    انطلاق معارض «أهلًا مدارس» في المحافظات .. الشهر المقبل    وزراء الصناعة وقطاع الأعمال العام والعمل والأوقاف يتفقدون مصانع شركة النصر للسيارات بحلوان    كاتس يوافق على خطة احتلال غزة: استمرار لعملية عربات جدعون    مصر تستضيف النسخة الخامسة من «منتدى أسوان» .. أكتوبر المقبل    فيديو.. والدة طفلة فلسطينية تناشد العالم إنقاذ ابنتها: كل يوم بموت ألف مرة    من أجل الفوز الأول.. دجلة يتحدى بتروجت في الدوري    تنفيذ حكم الإعدام فى قتلة المذيعة شيماء جمال.. انفوجراف    القبض على 14 شخصا لاتهامهم بالسرقة فى القاهرة    فيلم درويش يتخطى 16 مليون جنيه في أول أسبوع عرض    قافلة "زاد العزة" ال19 تعبر ميناء رفح لإيصال المساعدات إلى غزة    إزالة 24 حالة تعدٍ بالمباني على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالشرقية    الخطيب يساند محمد الشناوي قبل مغادرة جثمان والده من المستشفى    الموعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والقادسية في كأس السوبر السعودي    سنقاتل لتحقيق بكأس.. محمد صلاح يعلق على فوزه بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج    فانتازي يلا كورة.. انخفاض سعر عمر مرموش    أحمد ياسر: زيزو لا يستحق الحصول على 100 مليون وإمكانياته أقل من ذلك    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    للمرة الثالثة.. محافظ المنوفية يخفّض درجات القبول ببعض المدارس الفنية    محافظ الإسكندرية يعتمد نتيجة الدور الثاني للشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 98.2%    استمرار الموجة الحارة على مراكز وقرى الشرقية    ضربة موجعة لتجار السموم.. إحباط تهريب مخدرات وأسلحة ب350 مليون جنيه في مطروح    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    ارتفاع الكوسة والباذنجان.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    عندما تحكمنا الإشعارات    حمزة نمرة: حلمي بالكمال كان بيرهقني جدًا    تحمل إسم الفنان الكبير يحيي الفخراني 1071 فيلم و100 دولة في النسخة الثانية من مهرجان الجامعة البريطانية لأفلام الطلبة    بعد تداعيات الجراحة الثانية.. شقيق أنغام يدعو لها بالشفاء    "حياة كريمة" تقدم خدماتها الطبية المجانية ل 1200 مواطن بالمنيا    «حكاية صوت»    «إيد واحدة»    رعاية القلوب    رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية يلتقى رئيس جامعة الإسكندرية    محافظ القاهرة يقرر النزول بدرجة الحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام إلى 217 درجة    التضامن: التدخل السريع يتعامل مع حالات مسنين بلا مأوى    مذكرة تفاهم للتعاون بين «قناة السويس» وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    ويجز يحيي حفلا بمهرجان العلمين الجمعة 22 أغسطس (اعرف شروط الدخول)    تنسيق الدبلومات الفنية 2025 .. كليات ومعاهد دبلوم تجارة 3 سنوات وتوقعات الحد الأدنى للقبول    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 20-8-2025 بعد تراجعه 40 جنيهًا (آخر تحديث رسمي)    الرهائن ال20 والإعمار، ويتكوف يكشف وصفة إنهاء حرب غزة    صعبة وربنا يمنحني القوة، كاظم الساهر يعلن مفاجآت للجمهور قبل حفله بالسعودية (فيديو)    المناعة الذاتية بوابة الشغف والتوازن    أول تعليق من محمد صلاح بعد التتويج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي    فلكيا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر وعدد أيام الإجازة الرسمية للموظفين والبنوك    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025 بالصاغة بعد آخر انخفاض    الإليزيه: ربط الاعتراف بفلسطين بمعاداة السامية مغالطة خطيرة    مصدر أمني ينفي تداول مكالمة إباحية لشخص يدعي أنه مساعد وزير الداخلية    محافظ شمال سيناء يلتقى رئيس جامعة العريش    حسام المندوه: بيع «وحدت أكتوبر» قانوني.. والأرض تحدد مصير النادي    مصطفى قمر يهنئ عمرو دياب بألبومه الجديد: هعملك أغنية مخصوص    إدانة أممية: إسرائيل تقوّض العمل الإنساني وتقتل 181 إغاثيًا في غزة    المقاولون العرب يهنئ محمد صلاح    تخريج دفعة جديدة من دبلومة العلوم اللاهوتية والكنسية بإكليريكية الإسكندرية بيد قداسة البابا    السيطرة على حريق بأسطح منازل بمدينة الأقصر وإصابة 6 مواطنين باختناقات طفيفة    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي
نشر في محيط يوم 19 - 11 - 2007


الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي
د. عبدالإله بلقزيز
ما الذي يبقى من سلطان للدولة حين تستقيل - أو تقال - من وظيفة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتَكِلُ أمر الاقتصاد الى القطاع الخاص؟ ماذا عساها تصبح حين تكف عن التدخل في السوق والأسعار أو عن دعم المواد الأساسية للاستهلاك الشعبي وحماية القدرة الشرائية للمواطنين ومنع الاحتكار والغلاء؟ وأي مرجعية اجتماعية تبقى لها حين تتوقف عن الاستثمار في البنى التحتية وقطاعات التعليم والصحة والخدمات العامة وعن توفير فرص عمل للأيدي العاملة ولحملة الشهادات وخريجي الجامعات؟ وكيف سينظر اليها مواطنوها وهم يشعرون بأنها تخلت عنهم وتركتهم لقدرهم البائس يواجهون جشعاً رأسمالياً لا يرحم؟
إذا كان للدولة - في ما مضى - بعض هيبة وسلطان في الناس، فذلك لم يكن دائماً بسبب جبروتها والخوف العام منها، وإنما كان أيضا - وأساساً- بسبب نجاحاتها النسبية في إشباع قسم غير يسير من الحاجات الاجتماعية للشعب ولطبقاته المحرومة على نحو خاص.
نعم، حين كانت الدولة تسيطر على الاقتصاد وقطاعات الإنتاج لم تكن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حسنة بدرجة عالية، لكنها - قطعا- كانت أقل سوءا مما هي عليه اليوم ومما ستكون عليه غداً لو استمرت عملية النهب الاقتصادي الجارية. إذا كان التعليم قد انتشر في المدن والأرياف، ولم يعد حكراً على أبناء الطبقات الميسورة، فبفضل الدولة وسياسة تعميم التعليم ومجانيته. إذا كانت المؤسسات الصحية قد توسعت في الماضي، وأنقذت حياة الملايين من المصابين بالأوبئة، فبفضل الدولة وسياسة التمريض المجاني.
وإذا كانت شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي قد توسعت الى المدن الصغيرة، وإلى القرى وبعض الأرياف البعيدة عن المراكز، فالفضل للدولة في ذلك. والفضل كبير لها في توفير العمل لملايين العمال (في مصانعها) والموظفين (في إداراتها) وفي توسيع قاعدة الطبقة الوسطى في المجتمع العربي الحديث. ذلك كان رأسمال الدولة المعنوي والأخلاقي في المجتمع. ما الذي يبقى لها بعد فقدانه؟
لن يختلف المناهضون للدولة ولدورها الاقتصادي والمؤيدون لها، ولذلك الدور، في أن من وظائفها التي لا تنازع فيها حفظ الأمن واحتكار القيام بأمره من دون سواها. وحسناً فعلوا إذ أجمعوا على ذلك. ولكن، هل هذا كل ما يبقى للدولة: أن تملك شرطة ومحاكم وجيشاً كي تفرض الأمن الاجتماعي في الداخل وتحمي السيادة من الخطر الخارجي؟ ثم هل يعدو معنى الأمن، في هذه الحال، معنى الردع او معنى العقاب، وهما مما يفرضان بقوة القانون (وقد تلجأ الى الزجر ايضا لفرض القانون او لفرض احترامه)؟ أين مصادر الأمن الحقيقية التي لا يكون أمن بغيرها، أو التي قد لا يحتاج الى الأمن - بما هو إكراه، أو زجر أو عقاب - إن وجدت؟
حتى مع التسليم بأن دوراً رئيسياً يبقى للدولة في المجتمع - بعد أن تكف أدوارها الاقتصادية والاجتماعية - هو حماية أمن المجتمع وأمن الوطن، فإن النهوض بهذا الدور الحصري يمتنع من دون الخروج من المعنى الفيزيقي والإجرائي والأدواتي للأمن الى إعادة بناء مفهوم الأمن (الاجتماعي والقومي) بما هو إشباع لحاجات أو توفير لها، وبما يقطع دابر العدوان أو انتهاك الحقوق والأملاك بين أفراد المجتمع. فقد يولد اضطراب الأمن من وجود حاجات لا تجد سبيلا الى تحقيق نفسها تحقيقا مشروعا او إنسانيا وعلى نحو يحفظ الكرامة، فتميل الى التحقق من طرق غير مشروعة. لابد، إذن، عند التفكير في مسألة الأمن من التفكير في البنية التحتية للأمن، أي في ما يؤسسه. ومن النافل القول إن هذه البنية التحتية ليست أمنية، أو ليست جهاز الأمن وأدواته وتشريعاته، وإنما هي - في المقام الأول - اقتصادية واجتماعية وسياسية.
ها هنا يطالعنا سؤال إشكالي رئيسي: هل أمن المجتمع والناس والممتلكات الخاصة ممكن دون أمن اقتصادي واجتماعي يمتص الحاجات ويرعى الحقوق ويخفف من حدة الأسباب التي تنتج معضلات الأمن في أي مجتمع مثل الفقر والبطالة والتهميش، وانسداد الآفاق الاجتماعية أمام الناس؟ وهل الأمن الخارجي (للدولة والوطن) يتحقق فقط من طريق سيادة الدولة الترابية والسياسية وصون تلك السيادة من الخطر الأجنبي أم من طريق السيادة على الثروة والمقدرات وتغطيتها من أجل حماية استقلالية القرار الوطني؟
ثمة درس غني في الفكر الاستراتيجي الحديث والمعاصر مفاده أن جوهر الأمن القومي لأي مجتمع ولأي أمة ليس الأمن العسكري، حصراً، وإنما الأمن الاقتصادي والغذائي، فالدول والأمم لا تحمي سيادتها واستقلالها وإرادتها بالجيوش فقط، وإنما بقدرتها الاقتصادية وبتماسك نظامها السياسي والاجتماعي الداخلي في وجه التهديدات الخارجية، وهي أيضا لا تتعرض لفقدان سيادتها أو استقلال قرارها الوطني بالغزو العسكري الخارجي فحسب، بل أيضا بالاستتباع السياسي من القوى الأجنبية وما تفرضه عليها إملاءاته من ارتهان لإرادة الأجنبي وفقدان للقرار الوطني المستقل. وغالبا ما يقع ذلك حين يعجز مجتمع عن تحقيق أمنه الاقتصادي والغذائي فيسقط تحت رحمة أو جحيم الديون والإملاءات والإذعان لمشيئة الخارج. هل حمى الجيش الأحمر بكل هيبته الاتحاد السوفييتي من الانهيار بعد أن اهترأ وضعه الاقتصادي وتعفن داخله الاجتماعي والقومي؟
ليس هذا درساً في الأمن القومي (الخارجي) فقط، إنه كذلك بالنسبة الى مسألة الأمن الداخلي: الاجتماعي والسياسي. إذا لم يكن في وسع المجتمع والدولة إشباع حاجات المواطنين، وتأمين مستقبل أبنائهم، ورفع سيف الحيف عنهم، وتمتيعهم بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية (الى جانب السياسية)، وحماية تلك الحقوق من أي لون من ألوان النيل منها، فلن يكون في الوسع نهوض الدولة بواجب حفظ الأمن العام إلا بحمامات الدم ومواكب المعتقلين، وليس هذا من الأمن في شيء.
لا مناص من دور الدولة التنموي (الاقتصادي والاجتماعي)، هذا دور تؤديه في المجتمعات المتقدمة في الغرب ولم تتنازل عنه أو تتراجع، فكيف بمجتمعات متأخرة مثل المجتمعات العربية ما زال نصف سكانها أمياً، وخمس أبنائها تحت خط الفقر. ومن دون هذا الدور التنموي - الذي لا يمكن أن تقوم به إلا الدولة - سيزيد الأمن الاجتماعي والسياسي تدهورا، وسيعسر عليها أكثر فأكثر أن تنهض بمهمة حفظه على الوجه المناسب. وحينها لن يكون في وسع الهراوات والقنابل المسيلة للدموع والتوقيفات الجماعية أن ترد على صرخات الجوع ومشاعر الحرمان.
عن صحيفة الخليج الاماراتية
19/11/2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.