" تأثير برادلي " جهاد الخازن يفترض أن يفوز باراك أوباما بالرئاسة الأميركية. صحيح؟ كل استطلاعات الرأي العام الأميركي يقول هذا، والاستطلاع عادة يرفق بهامش يوضح أن احتمال الخطأ اثنان في المئة أو ثلاثة أو غير ذلك. ولكن حتى لو وضعنا احتمال الخطأ في مصلحة جون ماكين لبقي أوباما متقدماً عليه بفارق واضح. إذا أصبح أوباما أول رئيس أسود في تاريخ الولاياتالمتحدة فهو سيرد لي ثقتي بالديموقراطية الأميركية التي كانت رائدة وعظيمة ومنارة للعالم حتى شوهتها إدارة جورج بوش وكادت تقضي عليها. شخصياً، أخشى والتصويت على بعد أيام فقط من «تأثير برادلي»، وهي عبارة دخلت قاموس السياسة الأميركية سنة 1982، فقد كان توم برادلي متقدماً بشكل كبير في التنافس على منصب حاكم كاليفورنيا، واستطلاعات الرأي العام أعطته 9 في المئة الى 22 في المئة على أقرب منافس له، وأجريت الانتخابات وخسر برادلي، فقد تبين أن الناخبين البيض كذبوا عندما قالوا إنهم سيصوتون للمرشح الديموقراطي على رغم أنه أسود. أرجح أن هناك ناخبين بيضاً اليوم يقولون خجلاً أنهم سيصوتون لأوباما، حتى لا يتهموا بالعنصرية، وأنهم سيصوتون ضده أو لا ينتخبون في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، إلا أنني أرجح أيضاً أن نسبتهم ليست عالية بما يكفي لتغيير النتيجة المتوقعة. العنصرية موجودة في الولاياتالمتحدة وكل بلد، وقد خبرتها شخصياً، كما رأيتها تمارس ضد الآخرين. وعندما كنت أقيم في واشنطن في الثمانينات وأدرس في جامعة جورجتاون، كان أبرز لاعب في فريق كرة السلة في الجامعة شاب أسود اسمه باتريك يوينغ ساعد على فوز جورجتاون ببطولة الجامعات، وانتقل بعد ذلك الى نيويورك وأصبح من أشهر اللاعبين المحترفين وأنجحهم. ونعرف أن غالبية هائلة من أفضل لاعبي كرة السلة الأميركيين هم من السود، إلا أن هذا لم يمنع أن يلقي بعض الطلاب المتفرجين قشر موز في الملعب لإهانة اللاعبين السود. وكنت في تلك الأيام أسمع طرفاً عن السود أردها الى الحسد، فاللاعب يترك الجامعة ليحترف ويسجل عقداً بملايين الدولارات، مع ملايين أخرى من دخل الدعايات، في حين أن الطالب العادي لا يطمح الى أكثر من مرتب بعشرات ألوف الدولارات هذا إذا وجد وظيفة. والحسد هذا يجعل الطالب الأقل حظاً يقول: ما اسم أسود في بيت فخم؟ والجواب: لص. أو: كيف يكتب السود وصفة لطبخ دجاجة؟ والجواب: أولاً، اسرق دجاجة. مثل هذا الكلام غير مقبول على أي مستوى من الرياضة الى السياسة، والعنصرية كما قلت ليست وقفاً على الولاياتالمتحدة، ففي أوروبا لا يخلو اسبوع من شكوى الى اتحاد الكرة ضد أنصار فريق رددوا هتافات عنصرية ضد هذا الفريق أو ذاك، وقد تعرضت فرق ألمانية وإسبانية وبرتغالية الى تحقيق، وطالب الإنكليز بمنع أنصار كرواتيا من دخول ملعب ويمبلي بسبب إهانتهم لاعباً بريطانياً أسود. كان من الإيجابيات القليلة في حملة انتخابات الرئاسة الأميركية الحالية أن المرشحين الديموقراطي والجمهوري تجنبا الخوض في أي جدال عنصري، ربما لاعتقاد كل منهما أن إثارة الموضوع ستجعله يخسر أصواتاً. غير أن معسكري المرشحين تطرقا الى الموضوع. - في مهرجانات انتخابية لجون ماكين وسارة بالين سمع أنصار يهاجمون أوباما هاتفين: خائن، كذاب، وأيضاً «اقتلوه»، والكلمة الأخيرة تحريض خطر، وهناك خوف مبرر على حياة الرجل. وقدم منظمو مهرجانات المرشح للرئاسة أو نائبته بالإشارة الى باراك حسين أوباما، فمشكلة أوباما ليست فقط انه أسود، بل اسمه الأوسط، ما يعني فرصة «اتهامه» بأنه مسلم، أو عربي، أو إرهابي. وبالين اتهمته بمعاشرة إرهابيين، إلا أن هذه كانت إشارة الى معرفته وليام ايرز وهو بروفسور أميركي نشط في جماعة وذرمان الإرهابية في الستينات. - في المقابل، عضو الكونغرس الأسود من جورجيا جون لويس اتهم جون ماكين بإثارة نعرات عنصرية، بل انه شبّه ماكين بحاكم ألاباما العنصري القديم جورج والاس، ما أثار غضب المرشح الجمهوري، وما جعل رئاسة حملة أوباما تتنصل من هذه التهمة. أوباما نصف أسود، لأن امه أميركية بيضاء خالصة، إلا أن هذا لا يكفي عند بعض الناس، وقد رأينا مثالاً على أهمية اللون في مجال مختلف تماماً، فقد وزعت شركة مستحضرات التجميل لوريال دعايات بدت فيها المغنية الحسناء بيونسي نولز، وقد تحول لونها من أسود فاتح الى أبيض، ما أثار ردود فعل غاضبة. بيونسي جميلة بأي لون، وأوباما حتماً أجمل من ماكين وأكثر شباباً، فهو أقرب الى «نجم روك»، ولعل صفاته هذه تشفع له عند الناخبين. مع أن التركيز يجب أن يكون على أخلاق المرشحين وسجلهما وقدراتهما. عن صحيفة الحياة 30/10/2008