القبعة الحديدية ومعضلة الدفاع في إسرائيل د. محمد قدري سعيد حديث المدينة في إسرائيل هذه الأيام يدور حول قنبلة إيران النووية, وصواريخ حزب الله, والفلسطينيين, وكيفية التعامل مع هذين التهديدين في المستقبل. وتمثل قنبلة إيران النووية علي المدي البعيد خطا أحمر بالنسبة لإسرائيل, أما الصواريخ, بكل أنواعها البدائية والمتطورة, والقصيرة والطويلة المدي, فقد أصبحت هم كل يوم في غيبة وسيلة ناجعة للتعامل معها حتي الآن. وطبقا لمعلومات وزارة الدفاع الإسرائيلية, أطلق الفلسطينيون علي إسرائيل منذ بداية هذا الصيف نحو1040 صاروخا ودانة هاون, بالإضافة إلي4000 صاروخ سقطت علي إسرائيل العام الماضي خلال حربها مع حزب الله اللبناني. هذا الوضع المقلق كان وراء عودة العسكريين الإسرائيليين إلي طرح قضية الدفاع ضد الصواريخ, ومشاريع التسلح المتعلقة بهذا الموضوع, وما جري لها من انكماش خلال السنوات الماضية لأسباب مالية وفنية وفكرية, واقتصار الأمر في النهاية علي نظام الأرو أوالسهم الذي دخل الخدمة بالفعل بعد أن مر بعمليات تطوير متعددة. ومن المعروف أن نظام الأرو لا يصلح إلا للتصدي لصواريخ بعيدة المدي مثل صواريخ سكود الباليستية المنتشرة في المنطقة, وكان الظن أن تهديد صواريخ الكاتيوشا والقسام البدائية يمثل خطرا يمكن تحمله والعيش معه, وأن قدرة إسرائيل الجوية الهجومية سوف تمكنها من ردعه أو القضاء عليه أو إضعافه في نهاية المطاف, إلا أن غالبية العسكريين الإسرائيليين اكتشفوا خطأ توريط السلاح الجوي في هذه المهمة, وإشغاله بها بعيدا عن مهامه الأساسية الأخري. تكره إسرائيل فكرة الدفاع, وتراها من الناحية النفسية والاستراتيجية اعترافا للخصم بقدرته علي الفعل والإيذاء, وهو شرف تحاذر إسرائيل كثيرا من إضفائه علي خصومها, ومنذ بناء خط بارليف الشهير علي ضفة قناة السويس كأول إجراء دفاعي لها بعد تاريخ طويل اتسم بالهجوم المستمر, لم تتوقف إسرائيل عن التفكير في مشاريع دفاعية أخري, ربما كان أشهرها بناء الجدار العازل بينها وبين الفلسطينيين, ونظام الصواريخ الأرو للدفاع ضد الصواريخ العربية والإيرانية, والآن تفكر في كيفية التعامل مع ثغرة جديدة انكشفت مع حرب لبنان وتتعلق بتهديد الصواريخ والمقذوفات قصيرة المدي, الذي لايتعدي مداها40 كيلومترا. ولاشك أن لجوء إسرائيل إلي أساليب دفاعية قد يعني في الوقت نفسه أن جرعة الهجوم بأشكاله المختلفة عند جيرانها قد زادت وتنوعت مع الوقت في ظل وجود تآكل مستمر للردع الإسرائيلي لأسباب مختلفة. وتذكرني إسرائيل وهي تمارس فن الدفاع بصورة فرسان العصور الوسطي, كما نراهم في المتاحف, وفي الأفلام التاريخية, يغطون كامل أجسادهم بدرع حديدية لا تترك إلا فتحة صغيرة للعينين. وفي يناير الماضي, قررت الحكومة الإسرائيلية البدء في تطوير نظام جديد لاعتراض الصواريخ قصيرة المدي بحد أدني10 كيلومترات وحتي70 كيلومترا, وأطلقت عليه القبعة الحديدية. ومن المعروف أن اعتراض الصواريخ قصيرة المدي يمثل تحديا تكنولوجيا وعملياتيا صعبا, حيث الزمن ما بين انطلاق الصاروخ ووصوله إلي الهدف قصير, قد لا يسمح باكتشافه واعتراضه وتدميره. وقد فرض ذلك علي المخطط الإسرائيلي عددا من التحديات المدهشة كان أهمها حاجته إلي رادار علي درجة عالية من التقنية يستطيع في ظروف العمليات اكتشاف الصواريخ بأعدادها الكبيرة ومسارها المنخفض في ثوان معدودة حتي يمكن إطلاق الصواريخ الاعتراضية عليها. وتمتلك إسرائيل قدرة تكنولوجية عالية في تطوير وإنتاج الرادارات الخاصة والحساسة, وهي متفوقة جدا في هذا المجال علي المستوي العالمي, وقد تسبب بيعها لأحد هذه الرادارات المحمولة جوا للصين في مشكلة مع الولاياتالمتحدة اضطرتها في النهاية إلي إلغاء صفقتها مع الصين. والمهم في نظام القبعة الحديدية, أنه لن يعترض كل الصواريخ المهاجمة التي من المحتمل أن تكون غزيرة العدد, ولكن سيكون في مقدوره من لحظة اكتشاف الصاروخ وحساب مساره بسرعة فإذا وجده سوف يسقط في منطقة خالية من السكان أو غير حيوية كما حدث لعدد كبير من صواريخ حزب الله في حرب لبنان فسوف يتركه وشأنه حتي يوفر صواريخه الاعتراضية المكلفة لتدمير صاروخ آخر في طريقه إلي هدف حيوي مهم. وبجانب نظام الرادار سيكون هناك صواريخ اعتراضية تنطلق في الوقت المناسب بسرعة تفوق سرعة الصاروخ المهاجم لمقابلته في منتصف الطريق وتدميره. وخلافا لعملية اعتراض الطائرات التقليدية, يطرح اعتراض الصواريخ تحديات هائلة, أهمها بجانب عملية الاكتشاف المبكر للصاروخ المهاجم ضرورة الوصول إليه مباشرة وليس بالقرب منه حتي يمكن التأكد من تدميره برغم سرعته الكبيرة. وفي الحقيقة, هناك انقسام في إسرائيل حول زمن التطوير المتوقع لنظام القبعة الحديدية الذي قد يصل إلي ثلاث سنوات تقريبا.. وبسبب الرغبة في الحصول علي حل سريع للمشكلة, توجه انتقادات كثيرة للحكومة بسبب أن إسرائيل كانت قد بدأت بالفعل تطوير نظام متطور بالتعاون مع الولاياتالمتحدة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدي باستخدام أشعة الليزر عالي الطاقة. وقد استغرق العمل في هذا المشروع مدة عشر سنوات, وأجريت عليه47 تجربة ناجحة, وأنفق عليه300 مليون دولار, لكن تقرر في النهاية وقفه في2004 بسبب انسحاب الشريك الأمريكي, وبسبب مشاكل أخري فنية وتمويلية. وأهمية نظام الليزر أنه يستخدم شعاعا وليس صاروخا اعتراضيا لتدمير الصاروخ المهاجم. وميزة الشعاع أنه ينطلق بسرعة الضوء, وليس له وزن, ولكنه يحمل طاقة عالية مركزة. وفي مثل هذه الظروف, من الممكن الاشتباك مع مئات الأهداف في زمن قصير للغاية, كما نشاهد أحيانا في أفلام الخيال العلمي.. وهناك في إسرائيل من يقترح استئناف العمل في هذا المشروع وتطويره وتمويله من مصادر ذاتية. ومن أجل أن تكمل إسرائيل الدرع تماما حول جسدها دون ثغرات, تعمل حاليا في تطوير نظام ثالث للدفاع ضد الصواريخ أطلقت عليه اسم العصا السحرية, ويغطي هذا النظام فجوة الدفاع الموجودة بين الصواريخ بعيدة المدي والمسئول عنها نظام الأرو, وبين الصواريخ قصيرة المدي, وسوف يتولاها في المستقبل نظام القبعة الحديدية. ويركز نظام العصا السحرية علي تلك النوعية من الصواريخ التي يصل مداها إلي نحو200 كيلومتر, مثل صاروخ زلزال الإيراني. وبطبيعة الحال سوف يكون هناك قدر من التداخل بين الأنظمة الثلاثة, كما كانت تتداخل ألواح الصلب فوق أجساد فرسان العصور الوسطي في أوروبا, فتشعرهم بمزيد من الأمان والحماية, لكنها كانت في فترات تاريخية معينة تثقل من حركتهم إذا واجهوا جحافل من أعداء يتحركون بخفة ومرونة ولا يهتمون كثيرا بقضية الدفاع والحياة والموت. عن صحيفة الاهرام المصرية 17/11/2007