مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    الصراع يحتدم، رد حاسم من الأزهر بشأن تشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    بالأسماء، حركة تنقلات بأوقاف المنوفية لضبط العمل الدعوي والإداري    إبراهيم عيسى يحذر من سيناريو كارثي بشأن قانون الإيجار القديم    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    إلغاء رحلة مصر للطيران المتجهة من القاهرة إلى مطار بورسودان    إسرائيل تستعد لغزة ب«عربات جدعون»    العالم بعد منتصف الليل.. سلسلة انفجارات تهز حلب.. وقصف خان يونس (فيديو)    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    انفجارات عنيفة تهز أحياء مدينة حلب السورية (فيديو)    الحوثيون يتوعدون تل أبيب برد قوي على القصف الإسرائيلي لليمن    تشمل السعودية والإمارات وقطر.. جولة لترامب بدول الخليج منتصف مايو    جوتيريش يحث الهند وباكستان على "التراجع عن حافة الهاوية" ويحذر من التصعيد العسكرى    مدرب سيمبا: تلقيت عروضًا للعمل في الدوري المصري وهذه الفرق أحلم بتدريبها    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    قابيل حكما لمباراة سموحة والطلائع.. ومصطفى عثمان ل زد والاتحاد    مواعيد أهم مباريات اليوم الثلاثاء 6- 5- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    5 أسماء مطروحة.. شوبير يكشف تطورات مدرب الأهلي الجديد    رابط النماذج الاسترشادية لامتحان الرياضيات التطبيقية لطلاب الثانوية العامة 2025    مصرع طالب في حادث مروري بقنا    اليوم.. محاكمة نقاش متهم بقتل زوجته في العمرانية    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    بحضور نجيب ساويرس، أحمد سعد يشعل أجواء العراق في حفل افتتاح أحد المشروعات المصرية    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    أصل الحكاية| ديانة المصريين القدماء.. حتحور والبقرة المقدسة بين الرمز والواقع    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    "عيون ساهرة لا تنام".. الداخلية المصرية تواجه الجريمة على السوشيال ميديا    الطب الشرعي يعيد فحص الطالبة كارما لتحديد مدى خطورة إصاباتها    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    وكيله: عقد عطية الله مع الأهلي ينتهي بنهاية المونديال.. ولدينا عروض عربية    زيزو أحد الأسباب.. الزمالك مهدد بعدم اللعب في الموسم الجديد    التموين عن شائعات غش البنزين: لم نرصد أي شكوى رسمية.. ونناشد بالإبلاغ عن المحطات    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 6 مايو في الصاغة    "المالية" تعلن عن نظام ضريبى مبسط ومتكامل لأى أنشطة لا تتجاوز إيراداتها 20 مليون جنيه سنويًا    تعرف على.. جدول الشهادة الاعدادية التيرم الثاني بمحافظة القاهرة    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    رغم هطول الأمطار.. خبير يكشف مفاجأة بشأن تأخير فتح بوابات سد النهضة    إعلام عبري: الحكومة بدأت حساب تكاليف توسيع الحرب    ضبط طفل تحرش بكلب في الشارع بالهرم    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    هل ارتداء القفازات كفاية؟.. في يومها العالمي 5 خرافات عن غسل اليدين    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    ما حكم نسيان البسملة في قراءة الفاتحة أثناء الصلاة؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بديع .. بين نسمات المنحة التي تواجهها جماعة الإخوان وعواصفها / هاني ابو القاسم
نشر في محيط يوم 30 - 05 - 2011


بديع ..
بين نسمات المنحة التي تواجهها جماعة الإخوان وعواصفها


* هاني أبو القاسم
هاني أبوالقاسم

حقيقة لم أعرفه عن قرب بل سمعت عنه من خلال العمل النقابي كأمين نقابة الأطباء البيطريين وعندما نظرت إلى صورته تذكرت صورة المرشدين التاريخيين للجماعة.. فهو ذو لحية خفيفة ووجه نحيف ونظارة وقبعة..

وقد قالوا عنه إنه ورع تقي صفي نقي صابر محتسب.. ذو صوت عذب يرتل آيات الله ليلاً ونهاراً.. ويشدو صادحاً بأناشيد الجهاد والدعوة في محيط إخوانه لا يستحي من ذلك ولا يستكبر.. تواضعه جم.. صاحب فقه ودين..

لا يأتي عليه سحر إلا وهو يتهجد ولا فجر إلا وهو يقرأ الأذكار ولا مساء إلا وهو يتلو ورد الرابطة.. كل هذا ويزيد عناصر صورة ترسم قسماتها شهادات وقناعات القطاع العريض داخل الجسد الإخواني.

وهذه هي بعض من خصال محمد بديع المرشد الثامن للجماعة، وقد ولد محمد بديع عبد المجيد سامي ونشأ في المحلة الكبرى عام 1943 لأب متدين رباه على حب العلم فالتحق بكلية الطب البيطري بالقاهرة سنة 1960.

ثم تخرج ليعمل معيداً بكلية الطب البيطري جامعة أسيوط عام 1965، لكن هذه الأعوام شهدت تحولاً في حياة ومصير ومسار "بديع".

ويُعد محمد بديع عبد المجيد سامي ثالث أصغر مرشد لجماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها عام 1928، بعد أول مرشدين وهما حسن البنا وحسن الهضيبي.

وكانت الموسوعة العلمية العربية التي أصدرتها هيئة الاستعلامات المصرية عام 1999 قد صنفته على أنه من أعظم مائة عالم عربي.

وقد ولد بديع في السابع من أغسطس عام 1943 بمدينة المحلة الكبرى التي تبعد حوالي 120 كيلومترا شمال العاصمة المصرية القاهرة، وهو عضو في مجلس إرشادها منذ عام 1993.

وألفته السجون المصرية منذ عام 1956 على عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث ألقي القبض عليه في تلك السنة مع مجموعة من أعضاء وقياديي الجماعة بينهم سيد قطب، وخضعوا لمحاكمة عسكرية أدين على إثرها بديع بالسجن 15 عاما، أمضى منها تسعة أعوام وراء القضبان.

وفي عام 1998 أُحتجز لمدة 75 يومًا فيما عرف بقضية جمعية الدعوة الإسلامية التي كان رئيس مجلس إدارتها، وفي عام 1999 حكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن خمس سنوات قضى منها ثلاث سنوات وتسعة أشهر في السجن. أما في عام 2008، فقد احتجز لمدة شهر برفقة عدد من أعضاء وقيادات الجماعة خلال انتخابات للمجالس المحلية.

ولبديع –المرشد الثامن لجماعة الإخوان المسلمين- سجل علمي حافل في مجال الطب البيطري، فقد كان أستاذا متفرغا بقسم الباثولوجيا في كلية الطب البيطري التابعة لجامعة بني سويف جنوب القاهرة.

والتحق بديع بكلية الطب البيطري في القاهرة عام 1960، وحصل على درجة الدكتوراه سنة 1989 وعمل مدرساً في جامعة الزقازيق بمحافظة الشرقية، كما انتخب أمينًا عامًا للنقابة العامة للأطباء البيطريين لدورتين، وأميناً لصندوق اتحاد نقابات المهن الطبية لدورة واحدة.

وأسس بديع المعهد البيطري العالي في اليمن وكذا المزرعة الداجنة والحيوانية الخاصة بالمعهد ومتحفه العلمي، وترجم المناهج الدراسية إلى اللغة العربية.

كما رأس هيئة مجلة البحوث الطبية البيطرية لكلية طب بيطري بني سويف لمدة 9 سنوات، ومجلس إدارة مركز خدمة البيئة بالكلية نفسها.

وفي عام 1959 تعرف بديع على أحد أعضاء الإخوان المسلمين السوريين الحمويين، وهو الدكتور محمد سليمان النجار الذي دعاه إلى الانضمام إلى جماعة الإخوان.

فاقتنع الشاب الصغير وتحمس للفكرة برغم أجواء الخوف التي كانت تثار عند ذكر كلمة الإخوان وقتئذ، وترك النجار أثره على بديع في إخلاصه لدعوته وبذله الجهد والوقت من أجلها، وقد قال بديع عنه إنه هو الذي تابعه بالتربية والتنشئة وعلاج الثغرات وسد النقائص.

وفي نفس العام بدأ الشاب الصغير في حفظ الجزء الأخير من القرآن وبعد إتمامه رتبت له تصاريف القدر موعداً مع سيد قطب، حيث أهداه داعيته سليمان النجار الجزء الأخير من "في ظلال القرآن" فشعر بديع -كما يقول- أن جسده قد دبت فيه الروح وأنه لم يذُقْ حلاوة القرآن قبل ذلك.

قبض على بديع وألقي في السجن ليرى بنفسه ما كان يسمعه من إخوانه عن جحيم سجون عبد الناصر. ولم ينس بديع مرارة التعذيب وسياط الجلاد.

فيقول: لا يمكن للإنسان أن ينسى كل ما مرَّ به من اختبارات وابتلاءات، خاصةً ونحن في السجن الحربي.. كانوا يؤذوننا بطوابير التعذيب في السجن.. وأخ لنا يصدح ويجلجل في زنزانته بقول الله تعالى? إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ?.

كان يجلجل بصوته وتتردد أصداء هذا الصوت في الزنزانة ثم في السجن الحربي وفي فضاء العباسية كلها: ?وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ?.

لقد فهم بديع معنى مقولة قطب "هذا القرآن نزل في جو ساخن، ولا يُفهم إلا في الجو الساخن الذي نزل فيه".

وقد جعل السجن من بديع شخصًا روحانيًّا مع أن السجن يخلق للأفكار أنيابا حادة، ويشحن الوجدان كراهية لمن وضعه خلف القضبان، لكن بديع انقطع إلى الله وزادت صلته به وعاش مع عالم من الملائكة كما يصف خلوة السجن.

وقضى بديع 9 سنواليمن،قضبان السجون وخرج في عام 1974 وسرعان ما اندمج في حياته العلمية حتى حصل على ماجستير الطب البيطري جامعة الزقازيق عام 77، وأصبح مدرسا مساعداً بها وتزوج من ابنة الحاج محمد الشناوي الذي سجن معه في نفس القضية وكان الشناوي الضابط الطيار عضواً في النظام الخاص القديم للإخوان ورفيقاً لمصطفى مشهور.

وسافر إلى اليمن ، ونظرا لجهوده العلمية هناك سجله اليمنيون في موسوعة عظماء العلماء العرب واعتبره الإخوان واحداً من مائة عالم عربي.

وقد انتقل بديع من المحلة الكبرى أو بالأحرى من الزقازيق موطن عمله إلى محافظة بني سويف 1987 وعين أستاذاً للطب البيطري بجامعتها بعد أن حصل على الدكتوراه من جامعة الزقازيق عام 1977.

كاد بديع أن ينسى مرارة السجون لكن السلطات المصرية أعادت الكرة واعتقلته على ذمة ما عرف وقتها بقضية "جمعية الدعوة الإسلامية" التي أنشأها حسن جودة وتولى بديع رئاسة مجلس إدارتها وظل معتقلاً لمدة 75 يوما وهو الاعتقال الثاني لبديع منذ اعتقال 65.

ولكن الاعتقال الأخطر لبديع كان على ذمة قضية عرفت ب"النقابيين" عام 1999 والتي حكمت المحكمة العسكرية عليه بالسجن لمدة 5 سنوات قضى منها ثلاث سنوات وثلاثة أرباع السنة وخرج عام 2003.

ولا يتحدث بديع إلا ويطعم كلامه بآيات القرآن والأحاديث الشريفة فعندما رصدنا الحوارات القليلة التي أجريت مع الرجل كادت أن تكون إجاباته كلها حتى عن الأسئلة السياسية أو التي تتعلق بمشكلات الجماعة آيات قرآنية وأحاديث نبوية ثم يفسرها ويسقطها على الواقع.

فالرجل يرى أن كل الإجابات موجودة في القرآن والسنة، حتى في معرض إجابته عن سؤال عن أسباب الحملات الإعلامية على الجماعة استشهد الرجل بآيات قرآنية، وعندما تحدث عن الكرة تحدث عنها وفقاً للقرآن والسنة، فيقول إن الورد الرياضي أخو ورد التسبيح.

أما عن النادي الرياضي الذي يشجعه فقال: ليس لدي تعصب لنادٍ من النوادي، فأنا أبحث عن أفضل نادٍ خلقًا وسلوكًا؛ لكي أحبه.. وأنا أرى أن لاعبي النادي الأهلي هم الأفضل بشكل عام.

كما أشجع فريق المحلة حتى يستمر في الدوري العام، بالإضافة إلى منتخب بلادي، حينها اختتم كلامه معنا بقوله "بلدي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام".

وعلى المستوى الفكري والسياسي لا يختلف بديع عن أبناء جيله كثيراً لكن البعض أكد لنا أنه أكثر هذا الجيل انفتاحاً .
ولعل بعض مقالاته والحوارات القليلة التي أجراها معه موقع الجماعة الرسمي توضح بعضاً من صفاته فهو يؤمن بدولة إسلامية وليست دينية.

ويرى أن القائد يقوم بأعباء دينية بجانب قيادته مثلما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل في الدولة الإسلامية الأولى، فكان قائد الدولة والمنفذ لأحكام القضاء وكان يقود الجيش.

ويتحدث عن الديمقراطية فيقول: إذا اختار الناس شيئا غير شرعي لا يصلح تنفيذه، فإذا كانت هناك مخالفة للشرع فلا يمكن إعمالها.

ويرفض بديع ترك العمل السياسي والتفرغ للدعوي؛ لأنه يرى أن هذا يتماهى مع خطة النظام لتجميد الإخوان والقضاء عليها نهائيا، ويرفض بديع مبدأ الصفقات مع الحكومة.

ولكنه لا يرفض التفاهم معها، ويؤكد أنه "لا توجد صفقات على حساب مبادئ وقيم بل أهداف كل طرف والحفاظ على البلد، فلا نهدف للحوار مع الحكومة وحدها التي تمثل حزبا واحدا، لكن نريد حوارا مع جميع القوى التي تشكل الخريطة السياسية في مصر وتحتاجها البلد".

ويثبت بديع أنه أشد المخلصين للتنظيم الذي يعتبره محضناً تربويًّا للجماعة كفل لها الاستمرارية طيلة هذا الوقت، وأثبت أن خطابه العام مغرق في الدعوية.

فيقول: إننا نتعبَّد لله بالالتزام بالشورى، ونظُم الجماعة، والثقة في القيادة، مع النصيحة الواجبة لأئمة المسلمين وعامَّتهم؛ بشرائطها الشرعية وآدابها، وإن وحدة القلوب وصفاءها بها نُنصر ونُؤجَر بإذن الله تعالى.

بديع مرشد المنحة الربانية

هذا جزء من معالم المرشد الثامن بديع يقود سفينة الإخوان والذي اعتبره أنا شخصيًا مرشد المنحة الربانية فنراه يجوب البلاد طولاً وعرضاً فيفتتح مقار لجماعة الإخوان المسلمين في شتى المحافظات ويقيم المؤتمرات والندوات وأعجبني شعار إحدى الندوات (سمعت كثير عننا تعالى أسمع مننا) .

وأخيراً احتفالية كبيرة في إستاد المنصورة الرياضي واستقباله لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ خالد مشعل في مقر الجماعة لمباركة اتفاق المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس.

وهذه المصالحة لا تخلو أصابع بديع من لعب دور فيها في هذا الوقت العصيب وسفره أخيراً إلى لبنان لتقديم العزاء في شيخ الحركة الإسلامية بالبنان الشيخ الجليل فيصل مولوي ومقابله رئيس الوزراء اللبناني وإقامة احتفالية حاشدة لمرشد الإخوان في لبنان دليل على الدور الذي سيلعبه مستقبلاً حتى على الصعيد السياسي اللبناني.

بديع وعواصف المنحة الخارجية والداخلية

ومنذ أن تأسست جماعة الإخوان المسلمين على يد الشيخ حسن البنا رحمه الله في 1928 وهي تتميز بالتماسك والوحدة في أحلك وأشد الظروف قسوة.

بل ربما يمكننا القول إن التضييق الذي اشتد خناقه على جماعة الإخوان المسلمين في مصر في عهد النظام السابق كان عاملاً مهماً ومساهماً في إخفاء الصراعات والانقسامات الداخلية بين افراد الجماعة التي كانت توصف في وسائل الإعلام المصرية الرسمية بالمحظورة ويزج قادتها في السجون مع كل حراك سياسي.

ولكن في ظل التغيرات السريعة التي شهدتها المنطقة بشكل عام ومصر بشكل خاص وسقوط النظام السابق وأجهزته الأمنية وما تبعه وسيتبعه من اتساع سقف الحرية السياسية والظهور الإعلامي اللا محدود وخروج كوادر من الجماعة إلى النور.

في ظل هذه المنحة ظهر الكثير من الخلافات إلى السطح بشكل واضح وغير مسبوق، فقد شهدت جماعة الإخوان المسلمين، انشقاقاً جديداً في صفوفها لمجموعة حزب الوسط، وهو الأكبر من نوعه، بعد استقالة مجموعة حزب الوسط عام 1996.

وعلى صعيد ذي صلة، أعلن الدكتور إبراهيم الزعفراني، عضو مجلس شورى الجماعة، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أحد القيادات التاريخية للجماعة، استقالتهما عن الإخوان المسلمين مع مجموعة من القيادات الوسيطة داخل التنظيم.
وقال الزعفراني في تصريحات له ''تقدمت والدكتور أبو الفتوح رسمياً باستقالتنا من الجماعة بالإضافة إلى مجموعة أخرى، ستعلن استقالتها الأسبوع الجاري في مؤتمر صحفي وندرس حالياً الانضمام إلى حزب النهضة إذا قرر أبو الفتوح أن يكون وكيلاً لمؤسسيه أو الانضمام إلى حزب الوسط''.

وأضاف الزعفراني الذي يُعد أحد أشهر قيادات الجماعة وأحد قيادات جيل الوسط في الإخوان، أن تصريح الدكتور محمد بديع، مرشد الجماعة، بعدم جواز انضمام أي عضو في الجماعة لأي حزب آخر، كان أحد الأسباب وراء هذه الاستقالة، وأكد أن ''هذا التصريح انتقده الكثيرون داخل الجماعة، لأنه يريد الانغلاق على نفسه ومنع الأعضاء من الانفتاح على الأخرين''.

وأشار إلى أن الاستقالات جاءت بعد أن أصبحت الجماعة في أوج قوتها ولم يعد لها أحد في السجون ولا تعاني من أي اضطهاد، واستطرد أن الجماعة تعانى غياب المحاسبة بداخلها، إضافة إلى أن القواعد التي كانت تحكمها قبل ثورة 25 يناير لم تعد تصلح حالياً.

وشكك الزعفراني في إمكانية فصل حزب الحرية والعدالة عن الجماعة وقال: ''أعتقد أن الحزب لن ينفصل عن الجماعة، لأن المرشد اختار وكيل المؤسسين وهو ما يعنى أنه لن يكون مستقلاً عنه''.

ومن الجدير بالذكر، أن استقالة الزعفراني وأبو الفتوح هي الثالثة مؤخراً بعد استقالة هيثم أبو خليل، أحد أعضاء الجماعة، اعتراضاً على اللوائح الداخلية للتنظيم.

ومن الواضح للعيان، أن صمود الجماعة بهيكلتها الحالية لن يدوم طويلاً لأن مناخ الحرية له ضريبته فقد بدت بوادر الانشقاق تتضح بشكل أكبر مع مرور الوقت وكانت المفاجأة في بداياتها بإعلان أبو الفتوح تأسيس حزب جديد باسم النهضة ينافس الحزب الرسمي لجماعة الإخوان والذي أعلنت عنه باسم (الحرية والعدالة).

وعلى رغم تضارب الأنباء حول استقالته من الجماعة وعودته بنفي ذلك إلا أنه يوضح مدى الارتباك والانقسام الذي تعيشه الجماعة .

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الدكتور أبو الفتوح قد طالب بانتخابات علنية بعد حل أمن الدولة وهو ما يمكن الجماعة من عقد مجلس الشورى، ولكن الجماعة رفضت هذا الاقتراح.

بل إن الأمر تجاوز ذلك ليقوم المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع بشن هجوم لاذع على عبد المنعم أبو الفتوح ومن معه ممن ينوون إنشاء أحزاب، غير حزب "الحرية والعدالة".

ومن الضروري التأكيد على أن الخطوة التي اتخذها عبد المنعم أبو الفتوح بإنشاء حزب أشعرت الكثير من الإخوان بالخطر على وحدة جماعتهم في الفترة القادمة كون أبو الفتوح قيادي صاحب صوت مسموع وله أتباع ومعجبون من أبناء الإخوان وشباب الجماعة المطالبين بالتغيير على وجه الخصوص.

كما أنه لا يستبعد أن يكون هناك رموز أخرى في الجماعة تؤيده وإن لم تعلن حتى اللحظة عن موقفها بشكل علني، كذلك استقالة الدكتور محمد حبيب نائب المرشد وإن كانت من أجل الرغبة في التجديد وإفساح المجال لضخ دماء جديدة كما أعلن عنها فإنها بلا شك لا يجب أن تمر مرور الكرام.

ومن الواضح أن هناك مؤشرات ودلالات تعكس حجم الفجوة الكبيرة بين القادة والشباب والتي يعبر عنها البعض بأزمة صراع الأجيال، فقد أكدت صفحة محبي أبو الفتوح على الفيس بوك أن هناك محاولات جادة لإقناع أبو الفتوح الأيام الماضية للترشيح للرئاسة.

وكذلك إنشاء حزب سياسي بخاصة بعد لقاءات جماهيرية تم تنظيمها الأسابيع الأخيرة، كما تم إنشاء صفحة خاصة على الفيس بوك باسم "عبد المنعم أبو الفتوح رئيسا لمصر".

وتم من خلالها إدارة نقاش حول مفاهيم وقضايا وإشكاليات متداولة بخاصة ما يتعلق بالموقف من الإخوان في حال إنشاء الحزب السياسي أو الترشيح للرئاسة والذي أعلنه أبو الفتوح نهائيا بأنه سيستقيل من الإخوان في حال الترشيح للرئاسة ليكون مستقلا.

فمن أحد العيوب الهيكلية في جماعة «الإخوان المسلمين» هو حساسيتها المفرطة في التعاطي مع مسائل الخلاف الداخلي.

وقد أثبتت أكثر من تجربة أن الجماعة، وعلى رغم قدرتها الجيدة على ضبط وإدارة الاختلافات والتوجهات الفكرية والسياسية بين أجنحتها المتصارعة، إلا أنها لا تحتمل إمكان وجود خلافات تنظيمية بين قياداتها، وغالباً ما يكون مصير المخالفين إما الانشقاق أو الاعتزال.

والملاحظ أن جماعة الإخوان لم تسع قياداتها لحل الأزمة أو سماع أصوات الشباب والإنصات لهم بدليل أن هذه المطالب السابقة التي ترددت طيلة أعوام عادت من جديد في المؤتمر الشبابي الأول الذي انعقد مؤخراً وتخلفت عنه القيادات وأبرز هذه المطالب هي:

1- مراجعة التصريحات الخاصة بعدم السماح لأفراد الإخوان بالمشاركة في أحزاب أخرى وترك الباب مفتوحا لمشاركة الأفراد في أحزاب أخرى لا تتعارض مع المبادئ الأساسية للإسلام.

2- انتخاب أفراد الهيئة التأسيسية كافة مع مراعاة وجود نسبة معتبرة من خارج الإخوان وهم بدورهم يصيغون لوائح الحزب وبرنامجه وينتخبون رئيسا.

3- أن يتكون وكلاء مؤسسي الحزب من فردين وأن يكونا من خارج مكتب الإرشاد تحقيقا لاستقلالية الحزب وأن يكون أحدهما من الشباب أقل من 35 سنة.

4- استقلالية النشاط الحزبي إرادة وإدارة عن الأنشطة الدعوية والاجتماعية والسياسية الأخرى كافة.

5- المسارعة في التقدم بأوراق إشهار مؤسسة أو جمعية الإخوان المسلمين بوزارة التضامن الاجتماعي والحصول على الترخيص القانوني والعلني لها.

6- فتح حوار مباشر ومفتوح بين أفراد الإخوان من المستويات كافة في كل المناطق والمحافظات من خلال عقد ندوات ولقاءات مفتوحة.

7- إنشاء قسم للشباب يهتم بقضايا الشباب بعد سن الجامعة لتوفير المعلومات والدراسات لدعم اتخاذ مراكز اتخاذ القرار بالجماعة.

8- تبني عقد مؤتمرات نوعية في المجالات المختلفة كالإعلامية والتربوية والدعوية من داخل الإخوان وخارجها.

9- تشكيل لجنة متابعة وتطوير للمحافظات كافة ومشاركة واسعة وجعل شباب الإخوان تتبنى ملفات آليات تطوير الجامعة وتتابع نتائج المؤتمر.

والمتأمل في المطالب السابقة يلاحظ أنها لا توحي باختلافات فكرية أو رغبة في الانشقاق والتمرد بقدر ما تعبر عن إحساس بالتهميش ورغبة في القرب من منطقة اتخاذ القرار والمساهمة الفعالة بصوت عال ومسموع في رسم مستقبل الجماعة وسياساتها.

لكن القيادات الفاعلة في الجماعة أيضاً لها مطالب تؤسس للانشقاق ولعل تأسيس حزب النهضة وتصريحات المرشد العام العنيفة تجاهه تؤكد أن المرحلة المقبلة لا بد وان تشهد انشقاقات كبرى داخل الجماعة الإسلامية الأكبر في العالم.

ومن المعروف أنه قد ظهرت بوادر الأزمة في جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 2005 إذ على الرغم من الهدوء الذي ساد العلاقة بين الطرفين خلال الفترة التي سبقت سقوط نظام مبارك ولكن شابها بعض المواقف المتوترة ويعزو لأحد شباب الإخوان هذا الاختلاف إلى سياسة الجماعة التي تتجاهل مطالب الشباب وآرائهم السياسية في بعض القضايا كقضية غزة.

ويحفل تاريخ جماعة «الإخوان المسلمين» بحالات صريحة من الخلافات والصراعات التي أثرت سلباً على صورة الجماعة وقدرتها في مواجهة خصومها السياسيين.

وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حول كفاءة الأداء التنظيمي والسياسي لجماعة «الإخوان المسلمين» وقدرتها على مواكبة التحولات التي تختمر داخل بنيتها القاعدية.

وهناك ثلاث حالات تكشف عن عمق الخلل في التركيبة البنيوية والسياسية للجماعة. أولها في الجزائر حيث لم تتحمل حركة «مجتمع السلم» المعروفة بحركة «حمس» وجود اختلاف في الرؤى والتوجهات والسياسات بين رئيسها أبو جرة سلطاني ونائبه السابق عبد المجيد مناصرة.

أما الحالة الثانية فقد كانت بين «إخوان» الأردن، حيث شهدت الأشهر القليلة الماضية ما يشبه الانشقاق العلني لما يعرفون بالتيار الإصلاحي (تيار الحمائم) .

وذلك عطفاً على تعقيدات العلاقة بين جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية وحركة «حماس» من الناحيتين التنظيمية والسياسية.

أما الحالة الثالثة، والأهم، فهي التي تحدث الآن داخل الجماعة «الأم» في مصر. فقد وصلت الأوضاع داخلها إلى مرحلة حرجة من التوتر «المكتوم» ستكون لها تداعياتها المستقبلية على كيان الحركة.

وبوجه عام، تكشف سياسات إدارة الاختلافات الداخلية في جماعة «الإخوان المسلمين» بمختلف فروعها عن ملامح أساسية تميزها عن غيرها من نظيراتها الإسلامية والسياسية.

أولها انخفاض مرونة الجماعة في التعاطي مع مخالفيها، ووقف «عدوى» انتشار الأفكار الإصلاحية بين الأجيال الشابة وتحصينها ضد محاولات الإصلاحيين استقطابها داخلياً.

ثانيها، أن الصراع بين المحافظين والإصلاحيين داخل «الإخوان» لا يختلف مطلقاً في شراسته عن أي صراع سياسي «بشري» تختلط فيه المصالح بالرغبات الفردية.

ولذا لم يحدث أن تولى الإصلاحيون داخل «الإخوان» أية مناصب تنفيذية عليا يمكنها إعادة توجيه ورسم السياسات الكلية للحركة، وذلك بسبب هيمنة المحافظين على الإدارة التنظيمية للجماعة على مستوى مجالس شورى المحافظات والمناطق ومجلس الشورى العام.

ثالث الملامح، ضعف دور القيادة في حسم الخلافات الداخلية، فمعظم الأزمات الأخيرة التي شهدتها حركة «الإخوان المسلمين» في مصر والأردن والجزائر تكشف عن عدم قدرة قيادة هذه التنظيمات على ضبط التوازن داخل الحركة.

وذلك إما بسبب ميل القيادة ذاتها لمصلحة هذا الطرف أو ذاك كما هو الحال في الأردن، أو بسبب قوة أحد الأجنحة وهيمنته على المفاصل التنظيمية للحركة كما هي الحال في مصر.

رابعها، أن الجماعة كثيراً ما تلجأ إلى إستراتيجية «ترحيل الأزمات» وذلك فيما يخص معالجة خلافاتها الداخلية، وذلك من خلال محاولة تجاهل المطالب المتكررة بالتغيير وتفعيل مبادئ الشفافية والمحاسبة.

وهو ما يؤدي إلى تأجيل الخلافات الداخلية دون حلّها، ويؤدي بالتبعية إلى وقوع أزمات وانشقاقات يصعب تلافيها لاحقاً.

خامسها، عدم وجود وزن مؤثر للأجيال الشابة داخل معادلة الصراع بين المحافظين والإصلاحيين.

وفي النهاية، لابد من التأكيد على أن جماعة الإخوان المسلمين من الضروري أن ترى أن الإصلاح يحتاج لقوة بشرية، ولا يمكن بناء تلك القوة البشرية دون التنظيم.

ولذا يصبح التنظيم هو مصدر القوة لتحقيق الأهداف النبيلة للإخوان، وهو الوسيلة التي تحقق الغاية، ودونه لن تتحقق تلك الغاية الرائعة.


*كاتب وصيدلي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.