أخطاء كردية في قلب المعادلة التركية سردار عبد الله دأب الكثيرون في التركيز على دور العامل الداخلي التركي في الازمة الاخيرة مع كردستان والعراق عموما، ويشدد غالبية هؤلاء على ان تركيا تعاني ازمة صراع بين الحكومة الجديدة والجنرالات، وأنها تفتعل هذه الازمة لتصدر ازمتها الى الخارج، فما مدى صحة هذا الكلام؟ الحقيقة انني اشدد ايضا ومنذ سنوات عدة على ان هذه المشكلة ليست مشكلة كردية بقدر كونها مشكلة تركية، لكنني اختلف جملة وتفصيلا مع الطروحات السطحية والساذجة التي تنظر لدور عامل تصدير الازمة. صحيح ان هناك مشكلة كردية حقيقية في تركيا، وهذه المشكلة ليست وليدة هذه اللحظة، لكن الصحيح ايضا ان هذه المشكلة دخلت في طور مغاير تماما منذ خريف 2002 عندما فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية التركية وشكل حكومته برئاسة رجب طيب اردوغان. منذ ذلك اليوم اصبحت المشكلة الكردية جزءا من كل ما يمكن تسميته بالمشكلة التركية. وكل تنظير لها خارج هذا الوضع الجديد يبقى مجرد تصور تقليدي محكوم بالسطحية. منذ ذلك الخريف الواعد بدا ان تركيا تدخل مرحلة جديدة وحاسمة من تاريخها، عندها بدأت اطلق في كتاباتي تسمية (تركيا الجديدة) على قادة التيار الصاعد في تركيا في مقابل (تركيا القديمة) التي تمثل الكمالية بكل مؤسساتها العسكرية والفكرية القومية والعلمانية واليسارية على حد سواء، حتى انني عرضت في كتابات عدة وفي لقاءات مباشرة على العديد من القيادات الكردية سواء في كردستان العراق، ام في حزب العمال الكردستاني، طرحا بدا غريبا في حينه، وهو ان المشكلة الكردية هي في الاصل مع الايديولوجيا الكمالية وليست مع تركيا والأتراك عموما، وان على الاكراد ان ارادوا الحصول على حقوقهم ان يتحالفوا مع تركيا الجديدة، التي يبدو انها تعمل على انهاء الحقبة الكمالية، ويبحثوا عن عامل مهم يجمعهم مع تركيا الجديدة، وهذا العامل لا يمكن الا ان يكون المصالح المشتركة. فعندما تنتهي الحقبة الكمالية وتتغير تركيا عندها يصبح حل المشكلة الكردية مع تركيا تحصيل حاصل واقع جديد ومحتوم. مشكلة القيادة الكردية، خاصة العديد من قادة حزب العمال الذين ظلوا يركزون على خيار السلام ورفض العنف، انها ظلت ترفض النظر الى المشكلة داخل اطارها الواقعي، الذي تحكمه مستجدات جذرية وقوية وفاعلة للغاية، وبقيت متمسكة برؤيتها التقليدية التي ادخلتها في متاهة سلسلة اخطاء على صعيد الممارسة، كان لا بد لها ان تؤدي الى هذه النتيجة الكارثية التي وصلت الى حد تهديد أمن العراق والمنطقة، وكذلك شكلت تهديدا حقيقيا لمكتسبات الاكراد في اقليم كردستان العراق. هذا الكلام لا يعني بأي شكل من الاشكال اعفاء تركيا من حصتها في مسؤولية خلق الازمة وتصعيدها، لكن الخطأ الكبير الذي يمكن ان نرتكبه في هذا المجال هو ان ننظر للازمة على انها وليدة هذه اللحظة وحسب، وهي في الواقع تحصيل حاصل تفاعلات المعركة المصيرية التي تخوضها تركيا الجديدة مع تركيا القديمة، التي ترفض الاعتراف بالواقع التركي كما هو. من هنا كان على قادة كردستان، سواء في العراق او في تركيا ان يعملوا على الاقل على تفادي خلق اوضاع محرجة لأردوغان وحكومته، وان يعملوا في الوقت نفسه على تسهيل الامور عليهم بغية مساعدتهم للعبور بتركيا الى الغد الذي تولد فيه تركيا ديمقراطية قوية جديدة تعترف بواقعها وتقوم على العدالة بين ابنائها. المشكلة هي ان بعض قادة كردستان العراق وبعض قادة حزب العمال الكردستاني وبالضد من المصالح الكردية، وبالعكس من هذه القراءة، ظلوا يتخذون تجاه تركيا سياسات وممارسات ظلت تصب وعلى الدوام في مصلحة تركيا القديمة، خصوصا مؤسستها العسكرية، ونتيجة تراكم هذه السياسات الخاطئة تعرض اردوغان وحكومته للعديد من المواقف المحرجة التي اضعفت موقعها امام المؤسسة العسكرية التركية. ونتيجة هذه الاحراجات المتكررة استطاع العسكر وبقية الكماليين في تركيا ترسيخ صورة لقيادة حزب العدالة والتنمية تتسم بالضعف والهزال امام ما دأبوا على تسميته بالإرهاب، ولجأوا في حربهم هذه حتى الى المواطن التركي، الذي نزل الى الشارع في مظاهرات غاضبة تدعو الى شن الحرب على العراق وكردستان، وهنا يظهر خطأ التوقيت في العمليات العسكرية التي قامت بها قوات حزب العمال الكردستاني في الآونة الاخيرة. في مقابل كل ذلك ما هو موقع اردوغان وحزبه الآن وهل سينجح في عبور هذه الازمة أم سيفشل؟ المؤكد هو ان اردوغان خرج من الازمة اقوى مما كان، خصوصا حصوله على دعم امريكا، وكذلك المواقف الاخيرة لحكومة العراق وحكومة اقليم كردستان الداعية للحوار. الا انه يمر الآن بأصعب لحظاته، وإذا قرر ان يفعل الصواب فإن الازمة ستنتهي برمتها، والعكس يعني انه فشل وان الآخرين اجبروه على تبني مواقفهم الخاطئة، فإذا اختار طريق الدبلوماسية والحوار الذي هو طريقه الحقيقي يكون قد عبر بنجاح كبير، اما اذا قرر الاستمرار في التلويح بالحرب فان هذا لا يعني سوى تخليه عن وسائله العقلانية واستعارة الوسائل البالية التي ظل خصومه يستخدمونها ويفشلون في كل مرة، والمقال الاخير الذي نشره نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة اقليم كردستان أخيرا في «الواشنطن بوست» يفتح الباب على مصراعيه للقيام بالاختيار الصائب. عن صحيفة الشرق الاوسط 13/11/2007