كتبت صحيفة "حرريت" التركية يوم الثلاثاء الماضي استعداد أنقرة للاعتراف بإقليم كردستان العراق, وأن المبعوث الخاص للعراق السفير أوغوز جليككول حمل رسالة بهذا الشأن إلى رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني في زيارته التي قام بها الأسبوع الفارط إلى العراق. ولكن الناطق باسم وزارة الخارجية التركية نامق طان نفى الخبر. إلا أن المراقبين يرون أن أنقرة تستعد لتقديم خطوات بهذا الاتجاه. وجاء تصريح وزير الخارجية التركي عبد الله غول مؤيدا لهذا الرأي, حيث قال: "إننا نقول "نعم" للنظام الذي يختاره الشعب العراقي, ولا يمكن أن نقول "لا" للدستور الذي تم اختياره من قبلهم". المفهوم من تصريح عبد الله غول أن أنقرة ستعترف بإقليم كردستان وحكومته, لأن الدستور العراقي الجديد يسمي شمال العراق بإقليم كردستان. والقضية ما هي إلا مسألة وقت, أي أن أنقرة تنتظر الوقت المناسب للاعتراف بإقليم كردستان العراق, وترى الأمر كإقرار واقع لا فائدة من إنكاره, وخاصة بعد اعتراف العراقيين أنفسهم, بل والعالم كله. لا شك أن اعتراف أنقرةبإقليم كردستان العراق لصالحها من عدة نواحي أهمها الأمنية والاقتصادية. أما الناحية الأمنية, فستجد أنقرة في العراق مخاطبا قويا للتباحث معه بخصوص إغلاق معسكرات حزب العمال الكردستاني الموجودة في شمال العراق, وضبط الحدود بين العراق وتركيا ومنع تسلل الإرهابيين. في الوقت الحالي, إن تقدمت تركيا إلى حكومة بغداد بكل هذه المطالب فستشير بغداد إلى أربيل, حيث تدار شمال العراق, وإن توجهت إلى أربيل, فكيف ستجلس مع سلطة لم تعترف بها؟ تدرك الحكومة التركية أن الأوضاع في المنطقة تغيرت كثيرا بعد غزو العراق وإسقاط نظام صدام, وأن الظروف الراهنة لا تسمح لتتبع القوات التركية عناصر حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية كما كانت تفعل, هذا مع نجاح حكومة أردوغان في النأي بتركيا عن مستنقع العراق, ولا أعتقد أنها تقع فيه بعد الآن, فستفضل الدبلوماسية لا اللغة العسكرية في حل مشاكلها مع شمال العراق. تصعيد التوتر بين تركيا وأكراد العراق لا يخدم أبدا مصالح تركيا, لأن التوتر المتصاعد بين الطرفين من شأنه دفع أكراد تركيا إلى جهة كردستان العراق لوجود التعاطف الكبير بين جانبي الحدود. تحاول حكومة أردوغان في الآونة الأخيرة أن تعالج آلام الماضي التي عاشتها جنوب شرقي البلاد, فأي خطوة إيجابية أو سلبية تجاه أكراد العراق ستلقي بظلالها على هذه المحاولة. وأما من الناحية الاقتصادية, فإن الاعتراف بإقليم كردستان العراق وحكومته وتحسين العلاقات معها سينعش الحياة الاقتصادية في المنطقة التي دمرتها الحرب مع الانفصاليين, وسيقضي انتعاش الاقتصاد على الفقر والبطالة التي كثيرا ما يستغلها حزب العمال الكردستاني في تجنيد الشباب ضد القوات التركية. في الحقيقة, الأمن والاقتصاد بينهما ارتباط قوي, فإن توفير الأمن في المنطقة سيساعد في حل مشاكلها الاقتصادية, كما أن تحسين الظروف الاقتصادية سيساعدها في استتباب الأمن الذي تحلم به تركيا منذ سنين. المصدر : العصر