مع تصاعد العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستانى المتمرد فى تركيا، وجه رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان أصابع الاتهام إلى دول أوروبية بدعم الحزب ذى الأيديولوجيا الماركسية. وقال أردوغان: «من المؤسف أن بعض الدول الأوروبية (لم يسمها) لم تقدم إلى تركيا الدعم اللازم فى كفاحها الطويل الأمد ضد الارهاب»، ونقلت وكالة الأناضول عن اردوغان قوله: «رغم كل المعاناة والهجمات الشديدة الدموية التى تستهدف قوات الامن (التركية) لم تقطع بعض الدول قنوات تمويل المنظمة الإرهابية وتسمح لماكينتها الدعائية بالعمل ولا تقوم بترحيل المجرمين». وفى حين أعلنت مجموعة كردية مسلحة تسمى نفسها «صقور تحرير كردستان» مسئوليتها عن هجمات دامية أخيرة، تؤكد السلطات التركية ان هذه المجموعة المسلحة تستخدم كواجهة لمسلحى حزب العمال الكردستانى حين يشن هؤلاء هجمات يمكن ان تثير استياء شعبيا خصوصا حين تسفر عن مقتل مدنيين. ويرى خبراء اتراك أن ضعف التنسيق بين حكومتى العراق وتركيا والانقسام السياسى بين حكومة بغداد المركزية وإدارة إقليم كردستان شبه المستقلة المترددة فى إجراءاتها ضد أعداء انقرة.. وغياب إرادة امريكية للمساعدة الجدية أهم مصادر قوة حزب العمال الكردستانى المحظور وقدرته على شن هجمات على الأراضى التركية انطلاقا من الأراضى العراقية. ففى تصريح ل«الشروق» عبر الهاتف من استانبول، قال المحلل السياسى التركى إبراهيم اقباب: «لا اعتقد ان هناك تعاونا نموذجيا بين حكومة العراق والحكومة التركية فى مكافحة المتمردين الأكراد»، وأرجع اقباب ذلك إلى غياب التنسيق الداخلى بين الحكومة المركزية فى بغداد وحكومة إقليم كردستان فى ظل وجود مشاكل فى الثقة بين الجانبين وتضارب فى الأهداف والطموحات». ووجه وزير الخارجية العراقى هوشيار زيبارى الأحد الماضى انتقادات إلى الهجمات التركية «الأحادية الجانب» داخل بلاده، داعيا إلى العودة لسياسة هدفها ابعاد المتمردين الأكراد عن العنف. ورأى اقباب ان الولاياتالمتحدة تتحمل المسئولية عن ذلك، حيث إنها لم تدع مجالا للحكومة المركزية للتعاون بشكل كامل مع انقرة فى مكافحة الإرهاب الكردى، وذلك على الرغم من الاتفاقيات المشتركة لنزع الغطاء عن أنشطة الحزب الإرهابية. ويأتى ذلك بينما تعانى حكومة كردستان العراق من التناقض فى تعاملها مع المتمردين الأكراد، ففى الوقت الذى تريد فيه تعزيز علاقتها بأنقرة من أجل تقوية الوضع المستقل للإقليم، لا تستطيع ان تخوض مواجهة مسلحة ضد حزب العمال الكردستانى لانه يحظى بتعاطف شعبى داخل الإقليم العراقى. وكان رئيس إقليم كردستان مسعود بارازانى قد أدان الهجمات الإرهابية التى يشنها المتمردون الأكراد على المدن التركية، متعهدا ببذل كل الجهود لدعم تركيا فى مكافحة التمرد. واتفق الخبير الاستراتيجى التركى نيهات على اوزقان مع اقباب، قائلا انه طالما يجد حزب العمال ملاذا آمنا فى العراق، فانه من الصعب ان يفقد قوته فى مواجهة الضربات الأمنية التركية، وأضاف فى مقابلة مع صحيفة زمان التركية: «استطيع فى تلك الحالة ان أضمن لك الا ينتهى هذا الحزب قبل 50 عاما». وعلى الصعيد الداخلى، حذر اوزقان من تحول الموجة الحالية من العنف الذى يشنه المتمردون الأكراد إلى اشتباكات عرقية، وقال ان حزب العمال الكردستانى كان يستهدف منذ نشأته بناء هويته الكردية باستخدام الإرهاب والعنف. والآن انتهت مرحلة بناء الهوية، ويتطلع المتمردون الأكراد إلى تعزيز تلك الهوية». وأوضح انه للوصول إلى ذلك فإنه إذا تحول الوضع الحالى إلى اشتباكات عرقية بين الأكراد والأتراك، فان ذلك سيساعد على تبلور القوميات»، وقال اوزقان إن الساحة مهيأة حاليا للتصادم العرقى، مشيرا إلى ضرورة عدم استخدام الإعلام للنبرة الانفصالية فى الوقت الذى يعانى فيه الناس الوضع الاقتصادى والبطالة. وقال إن هناك ميلا فى الشارع الكردى لقبول حزب العمال الكردستانى ممثلا وحيدا عن الأكراد وهو ما يجعل الدولة فى مواجهة انقسامات عرقية، ومن أجل تجنب ذلك، دعا اوزقان إلى إجراءات استباقية حاسمة ومنها مراعاة الحساسيات العرقية فى كل الفاعليات الاقتصادية والرياضية والفنية، كما دعا الإعلام إلى تبنى خطاب وحدوى لا يفرق بين الأتراك والأكراد. ويخوض حزب العمال الكردستانى، الذى تعتبره تركيا ودول عدة منظمة إرهابية، نزاعا مسلحا منذ 1984 فى جنوب شرق البلاد وسبق ان استهدف منتجعات صيفية ومدنا كبرى فى غرب تركيا. وتطالب تركيا بانتظام الدول الأوروبية بالتحرك ضد الشبكات الأوروبية لحزب العمال الكردستانى الذى ضاعف هجماته على القوات التركية فقتل منذ نهاية الأسبوع الماضى 17 جنديا ومدنيا فى هجمات فى جنوب شرق البلاد وفى الاعتداء بقنبلة الثلاثاء فى استانبول. وتعتبر تركيا التى تتطلع إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى ان قسما كبيرا من تمويل حزب العمال الكردستانى يأتى من نشاطات تبييض الأموال وتهريب المخدرات وتمرير المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، حيث للحزب شبكة واسعة من الانصار بين أفراد الجالية الكردية المهاجرة. وتدعو تركيا منذ سنوات الدنمارك إلى حظر قناة «روى تى.فى» التى تبث من أراضيها والتى تعتبر بوق حزب العمال الكردستانى.