الصحافة والصحفيون عاطف الغمري احتلت قضية حرية تداول المعلومات مساحة كبيرة من اهتمام الصحفيين في الفترة الحالية, خاصة بعد أحكام حبس الصحفيين وما اكتنفها من تفسيرات لمعني دقة المعلومة, أو بمعني أوسع لحرية توافر المعلومة. وإن كان ذلك لم يوجد الاهتمام الراهن بهذه القضية, فهي كانت لوقت طويل الشغل الشاغل للصحفيين وللباحثين والمؤرخين الذين تشقيهم صعوبة توافر المعلومة والوثائق, أو إتاحة الفرصة لاطلاعهم عليها, مما يحجب الحقائق التي من شأنها تشكيل وعي الرأي العام بأمور بلده, وما يجري فيها, وقدرته علي الحكم السليم علي الأمور. فالقضية تتجاوز كونها قضية مهنية إلي اعتبارها مسألة أبعد مدي من ذلك, فهي تخص جمهور الناس الذين يسعون بالضرورة إلي المعلومة عن طريق الصحافة. وغياب المعلومات المكتملة عن القارئ يترك جمهور الناس نهبا لفقدان العلم بما يجري حاضرا ومستقبلا, ومع تراكم مظاهر عدم توافر المعلومات توجد هالة من الضبابية الكثيفة, تتكاثر فيها مظاهر الغموض والألغاز, وتتراص طوابير من علامات الاستفهام الحائرة, تمنع الفرد من أن يفهم ويستوعب ويشارك, ويكون لنفسه رأيا وموقفا, مستندا إلي المعلومات والحقائق المجردة. وحين يتاح للصحافة إحاطة القارئ بالعلم والمعرفة بكل الحقائق, فهي تساعده علي أن يكون شريكا فاعلا فيما يجري. وإذن فإن دور الصحافة قائم علي ثلاثة أضلاع: القارئ أو الرأي العام, والصحافة كمهنة, والدولة كطرف مسئول عن توفير المعلومات وتداولها. هذه القضية تحظي هذه الأيام باهتمام مضاعف في ظل قرب موعد انتخابات نقابة الصحفيين, وكان مهما أن يتناولها في برنامجه الزميل الأستاذ مكرم محمد أحمد, بما له من تاريخ مهني متميز, في لقائه بالأهرام بتأكيده العمل علي إصدار قانون يكفل حرية تداول المعلومات, وإيجاد آلية تلزم المصدر بالإفصاح عن المعلومات في الموعد المحدد, ويعاقب من يمتنع عن الإدلاء بالمعلومات. وفي إطار مايتعلق بالمهنة من صدور هذا القانون, فإن توافر المعلومات الكاملة يرتقي بالمهنة ويكسبها المصداقية, ويوثق العلاقة أكثر وأكثر بينها وبين القارئ, باعتبارها مصدره للعلم والمعرفة, وحيث إن الصحافة وجدت واستمرت وتطورت باعتبارها جهة التخاطب مع القارئ, ودورها الأساسي هو التوجه إليه أولا وأخيرا. ثم إن حرية تداول المعلومات هي الحائل دون انزلاق أي صحف, إلي البحث عن البديل الجاذب للقارئ, في قصة مثيرة ترضي بها الشهية للإثارة, مما قد يوجد جوا من التشوش والفوضي الإعلامية, في حالة عدم استناد القصة التي اكتملت لها مقومات الإثارة علي أي سند من الواقع, أو حتي عدم القدرة علي الإحاطة بالحقيقة. مع الأخذ في الاعتبار أن الحق في تداول المعلومات هو جزء طبيعي من حرية التعبير, وهو أمر يتسع مداه ومدلوله من حدود المهنة إلي الوضع السياسي العام. وتنطبق فائدة تداول المعلومات علي الدولة أيضا, فالصحافة تكون أحيانا مصدرا لمعلومات غابت عن الأجهزة التنفيذية, وحين تقدمها الصحافة, فهي تعاون صانع القرار في تلك الجهة, علي سرعة تدارك خطأ في دائرة مسئوليته, قبل أن يستفحل الخطأ ويتحول إلي مشكلة تستعصي علي الحل, أو تنير له طريقه بتقديم معلومات قد لا تتوافر لطاقم مساعديه, فتعينه علي النظر إلي الوضع المطروح أمامه برؤية أوسع وأشمل, مما يجعله إما أن يعيد النظر في قرار يكون قد اتخذه, أو يأخذ في حساباته المعلومة التي وفرتها له الصحافة. وأذكر في أثناء فترة عملي في واشنطن, وفي أثناء المؤتمر الصحفي اليومي للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن سأله أحد المراسلين عن معلومات نشرتها في صباح اليوم نفسه صحيفة واشنطن بوست, وكان رد المتحدث أنه لا علم له بهذه المعلومات, وقد قرأتها مثلكم في الصحيفة, لكن حكومته ستتحقق منها من الواشنطن بوست, وهو ما تم بالفعل, وكانت النتيجة أن أعادت الحكومة النظر في سياسة كانت علي وشك اتخاذها, بناء علي معلومات أتيحت للصحيفة دون المسئولين. إن حجم المعلومات, أو صعوبة الوصول إليها والإحاطة بها يقطع صلة الشعب بواقعه, ويحيل نظرته لمستقبله إلي غمام لا يري أفقا من ورائه, فلا يكون متصلا بما يجري في بلده, فضلا عن كون قضية تداول المعلومات هي في الوقت نفسه قضية مهنية, يقوم عليها حل مأزق وصلت إليه الصحافة في الوقت الراهن, في علاقة الصحفيين ببعضهم, وفي علاقتهم بالدولة, وكل ذلك يرتبط بالدرجة الأولي بالحق في المعرفة عن طريق تبادل المعلومات, بما يعدل الميزان, ويصحح أوضاعا تخص حرية العمل الصحفي, والارتقاء بالمهنة, وحماية حرية الرأي والتعبير, وذلك بدوره يعزز صلة الشعب بالواقع المحيط به, ويوفر النظرة الصحيحة له, والقائمة علي أساس, وليست النظرة المكتسبة من الاجتهاد الذاتي والتخمين, وهو ما يتولد عنه مناخ من عدم الثقة, والحيرة, والتشوش. ولعل إجراء انتخابات نقابة الصحفيين في هذه الظروف يكون مدخلا إلي نقابة قوية متماسكة, تستعيد وحدة الصف الصحفي, وتصحح أخطاء مهنية شابت أداء البعض أيا كان منتميا إلي صحافة مستقلة, أو قومية, ويساعد الصحافة في تعزيز الدور الذي نشأت أصلا من أجله: مصدرا للمعلومات المكتملة, وأداة تنوير للمجتمع وللدولة, ووسيلة تطور وارتقاء بالمجتمع بأوضاعه السياسية والاجتماعية, وهو الدور الذي لعبته الصحافة في مصر منذ ظهورها تاريخيا في بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر, وذلك كله يحتاج إلي إعادة صياغة علاقة الدولة بالصحافة. عن صحيفة الاهرام المصرية 7/11/2007