مرارة سنوات بوش أحمد المرشد أسابيع ويرحل جورج بوش أسوأ رئيس في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، سيرحل غير مأسوف عليه من العوالم العربية والغربية والشرقية. قطعاً لن يترحم أحد من العرب على بوش أو الحقبة البوشية التى وصمت بنعوت كثيرة لن ننساها. فهي فترة الجدب السياسي وتوتر العلاقات ليس بين العرب والخليجيين فقط مع الولاياتالمتحدة، ولكن بين العالم أجمع من جهة وأمريكا البوشية من جهة أخرى. حتى قبل الأزمة المالية الأخيرة التى كادت أن تعصف بالنظام المالي والاقتصادي الأمريكي، لم تكن هناك حبال ود بين العرب والولاياتالمتحدة، وجاءت الأزمة لتؤكد مدى كراهية المجتمع الدولي لأمريكا. ليست أمريكا كشعب أو دولة، ولكنها أمريكا التي تحكمها مجموعة من المحافظين الجدد المتصهينين الذين خربوا العالم واقتصاده، وبعدها لجأوا إلى غيرهم لينقذهم من الإفلاس. وهنا تراجع بوش عن صلفه واستعلائه وطلب دعم الدول الصناعية الكبرى حتى لا يواجه الأزمة المالية بمفرده، بعد أن تسبب الاقتصاد الأمريكي فيها برعونته وابتعاده عن المعايير المصرفية والمالية. وهنا اتضح أن العالم قد تغيرت معالمه في عهد بوش وسنواته العجاف، ولم يعد كما كان عليه منذ عهد جورج بوش الأب كعالم أحادي القطبية. ففي أيام بوش الابن الأخيرة، تأكد الجميع أن العالم يتغير وينفرط عقده وفي طريقه إلى عالم متعدد الأقطاب، ولم يصبح عالماً تقوده الولاياتالمتحدة بمفردها وتفرض سيادتها عليه. والنتيجة،أن أمريكا أصبحت دولة ضعيفة يرتهن اقتصادها ببقية اقتصاديات العالم، وتحتاج إلى هذا العالم الخارجي الذي طالما مارست عليه الاستعلاء وحكمت بعض بقاعه واحتلت بلدانه وأشعلت حربا ودمارا فيها. وقد شهد شاهد من أهلها بفشل الرئيس الأمريكي خلال ولايتيه الرئاسيتين الأولى والثانية، فهناك تقرير لمركز كارينجي لأبحاث السلام بواشنطن، أثبت ضعف إدارة بوش، ووصف سياساته بأنها "كارثية". ثم وضع التقرير عدة تصورات للخروج من المأزق الأمريكي الحالي، ربما يكون في عهد الديمقراطيين، في دلالة بأن المرشح الديمقراطي باراك أوباما سيحسم المعركة لمصلحته. هذا الحسم ليس مرجعه تحلي باراك بمكامن قوة خارقة ضد منافسه الجمهوري ماكين، وإنما كنتيجة مباشرة لأخطاء بوش التي وصم بها الجمهوريين. والتقرير الأمريكي يعدد انتقادات شديدة لبوش بسبب سياساته الخاطئة وعلى رأسها الملف العراقي. فسياسات بوش التي قادت لتدهور الشرق الأوسط تميزت بقدر كبير من الأخطاء اللافتة للنظر، فالرئيس وإدارته لم يمتلكوا معرفة كافية بما يدور في الشرق الأوسط وبلدانه التي يسعون للتعامل معها، ما أدى لارتكابهم أخطاء جسيمة في التعامل مع دولة كالعراق. وأطلقت الإدارة الأمريكية العديد من الاستراتيجيات الضخمة ولكنها تفتقد للمضمون، أو حتى رؤية واضحة لسبل تحقيق أهدافها. كما هو الحال في استراتيجيات نشر الديمقراطية بالشرق الأوسط والتي فشلت جميعها. وإذا أمعنا النظر على العراق، فقد تبنت الإدارة الأمريكية البوشية سياسات متخبطة وقصيرة النظر حيال العراق، وبدت واشنطن فاقدة البوصلة في كثير من الأحيان، فتارة تؤيد الدولة المركزية وتارة تدعم تقسيم البلاد وتدعم تسليح بعض الجماعات، وهما هدفان متعارضان على المدى البعيد. ورأينا كيف تحول العراق إلى دولة "فاشلة" يستعصى على أهلها إصلاحها على المدى المنظور. كما أن الأمريكيين لا يمتلكون في اللحظة الراهنة خطة لإعادة العراق من حالة الانهيار التي يعيشها، ناهيك عن حالة عدم وضوح الرؤية الأمريكية في التعامل مع الجماعات العراقية المتضاربة المصالح، بسبب السياسات الأمريكية في العراق قصيرة النظر والمدى والمفعول. أما الثابت في الاستراتيجية الأمريكية خلال عهد بوش تجاه الشرق الأوسط، فهو التشدد والسعي للمواجهة والصدام وتجاهل الحوار والدبلوماسية في التعامل مع دول المنطقة. ناهيك عن خطة الصراع الامريكية حيال منطقة الشرق الأوسط، والتي تركزت على ثلاثة محاور، وهي المحور الإيراني - العراقي، والمحور السوري - اللبناني، والمحور الفلسطيني- "الإسرائيلي". فالمحور الإيراني - العراقي هو الأكثر تهديداً للأمن الأمريكي نظراً للتوغل الأمريكي الراهن في العراق، حيث إن اتفاقية وقف الحرب العراقية-الإيرانية حرصت على ضمان توازن القوى بين الطرفين، كما أن أمريكا تدخلت في الحرب لكي تضمن أن التوازن بين إيران العراق، ولكن هذا التوازن المهم انهار عندما غزت أمريكا العراق، مما أدى لانهيار التوازن الإقليمي في الخليج بشكل صارخ لمصلحة إيران والتي باتت تشكل تهديداً كبيراً لدول الخليج ولمصالح أمريكا. أما بخصوص المحور الفلسطيني- "الإسرائيلي"، فثمة شبه إجماع دولي على حل الدولتين وعلى غالبية تفاصيل الحل المنتظر، ولكن الإدارة الأمريكية وسياساتها الداعمة ل "إسرائيل" ساهمت في "تدمير قابلية نجاح" حل الدولتين. ولم تكن السياسة الأمريكية في أفغانستان أقل سوءاً، وهي السياسة التي جاءت ضمن استراتيجية الحرب على الإرهاب، فهي فشلت أيضاً في القضاء على الإرهاب هناك، وحققت طالبان وغيرها من الميليشيات عودة ملحوظة في هذا البلد المنكوب. لا شك أن رداً أمريكياً على اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، قائماً على العقل وبعد النظر كان ليحقق نتائج انسانية عالمية كبيرة. وكان التعامل مع هذه الأحداث على أساس أنها أمثلة إرهابية، سيمكن الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الراغبة في بناء تحالف عالمي ضخم لإخضاع الإرهاب للعدالة. ربما كان للحرب العالمية ضد الإرهاب أن تستمر أعواماً مع بعض الصعوبات والتعقيدات، لكنها ستكون بلا شك ذات فوائد واضحة: قطع الإمدادات عن الإرهاب وتجنب المصائب والويلات في أفغانستان والعراق ناهيك عن تكلفتها البشرية الهائلة. إلا أن بوش وقع عوضاً عن ذلك في فخ نصبه له المحافظون الجدد ولكن بإرادته، فمنذ تلك الأحداث، قتل عشرات الآلاف من الأبرياء في أفغانستان والعراق وغيرهما من مسارح "الحرب على الإرهاب"، إضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بهما. إن على من يبحث عن توازن قوى إقليمي أن يتخلى عن سياسة اليد الثقيلة والطويلة من أجل تعاون فاعل مع المنطقة حتى يتجنب رفض الشعوب العربية لتلك السياسة الخاطئة. وثمة أمر آخر مهم وهو تغليب الدبلوماسية على المواجهة، والمصالح عن الأيديولوجية والتخلي عن سياسة الصدام التي تخصصت فيها إدارة بوش. إن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط فى الوقت الراهن من تخبط يعود إلى الجهل الأمريكي بظروف المنطقة والميل الأمريكي غير المبرر للصدام. لقد سقط بوش وسقطت معه نظرية "الحرب الاستباقية" واقترب موعد رحيله بسنواته الغلاظ التي لن ننسى مراراتها. عن صحيفة الخليج الاماراتية 25/10/2008