أرجعت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية تدهور مكانة الولاياتالمتحدة في العالم إلى غزو الرئيس العراقى السابق صدام حسين للكويت، والذي تسبب فى إيجاد سلسلة متتالية من الأحداث التى لم تظهر عواقبها الوخيمة على صدام نفسه فقط، ولكن أيضاً على الولاياتالمتحدة وأوضحت المجلة أن انتصار العراق على إيران خلال حرب الخليج الأولى قد رتب سلسلة أخرى مؤسفة من الأحداث اللاحقة، حيث كانت الولاياتالمتحدةسعيدة بمساندة العراق فى حربها على إيران والتزمت بفرض منطقة حظر طيران على شمال العراق وجنوبها فى ثمانينيات القرن الماضى، والأسوأ من ذلك، عندما تدخلت إدارة كلينتون عام 1993 وشرعت فى تبنى إستراتيجية الاحتواء المزدوج للعراق وإيران، وساندت أمريكا قبل ذلك أيضاً شاه إيران فى أربعينيات القرن الماضى؛ مشيرة إلى أن الهدف الأمريكى من كل هذا يتمثل في منع أية قوة من الانفراد بالسيطرة على منطقة الخليج الفارسي الغنية بالنفط. وأضافت المجلة أن استراتيجية الاحتواء المزدوج التى التزمت الولاياتالمتحدة بها لاحتواء كل من العراق وإيران كانت خطأ فادحاً، حيث قامت الولاياتالمتحدة بإنفاق الكثير من المال على دورها فى إبقاء قوات عسكرية فى كل من السعودية والكويت لمنع أي منهما من الاعتداء على المصالح الأمريكية. فأدى هذا التواجد العسكري لفترة طويلة إلى ظهور تنظيم القاعدة، ولم تلعب استراتيجية الاحتواء أي دور فى التصدى لمشاكل الإرهاب، كما أنها ساعدت فى إفشال محاولات عدة لتحسين العلاقات بين الولاياتالمتحدة وبين إيران. وبعد الحادى عشر من سبتمبر، اعتمد جورج بوش الرئيس السابق لأمريكا -تحت تأثير المحافظين الجدد الذين عارضوا سياسة الاحتواء المزدوج- استراتيجية جديدة وهى "التغيير الإقليمى"، وبدلاً من الحفاظ على توازن القوى فى المنطقة، كانت الولاياتالمتحدة تسير فى اتجاه استخدام القوة فى إسقاط الأنظمة فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط وتحول هذه البلدان إلى دول ديمقراطية موالية لأمريكا. أوضحت المجلة أن إدارة بوش الأولى جمعت فى بادئ الأمر -بعد مناقشات عامة قوية حول خيارات مختلفة- تحالفاً دولياً كبيراً ومتنوعاً وحشدت قوة عسكرية معظمها أمريكية، ثم حصلت على موافقة من مجلس الأمن الدولى باستخدام القوة فى احتلال العراق وإعادة ترتيب السياسة العراقية. وعلى الرغم من تنبؤ عدد من المتشددين بأن الحرب على العراق ستستغرق وقتاً طويلاً وستكون دموية، إلا أن التحالف الذى قادته الولاياتالمتحدة ضرب برأيهم عرض الحائط وشرع فى تدمير أهداف عسكرية عراقية، ثم تدخل التحالف ودفع بنظام عقوبات داخل العراق أدى إلى تفكيك برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية وتركتها كقذيفة جوفاء لا فائدة منها. وشنت الولاياتالمتحدة حربها على العراق في مارس 2003، وتسببت فى تدمير توازن القوى فى منطقة الخليج وساعدت على تحسين الموقف الجغرافى السياسى لإيران، كما أنها قلصت الموارد العسكرية فى الحرب على أفغانستان مما سمح لحركة طالبان فى الظهور كقوة مقاتلة هائلة. وبالتالى فقد أدى قرار بوش بالحرب على العراق عام 2003 إلى خسارة حربين وليس واحدة فقط. وجاءت نفقات الولاياتالمتحدة على الحرب بجانب تخفيضات بوش الضريبية وعدم الاهتمام الأمريكى بالمسئوليات المالية الأخرى، مما تسبب في زيادة العجز فى الميزانية الفيدرالية إلى مستويات خطيرة، ووصل بالسياسة المالية إلى طريق مسدودة يجب التعامل معها لسنوات مقبلة. ومن الممكن أن تكون الولاياتالمتحدة قد ساعدت خلال حرب الخليج فى تعزيز نظام أكثر أمناً واستقراراً فى الشرق الأوسط، ولكان من الأفضل بعد ذلك أن تسحب الولاياتالمتحدة قواتها العسكرية من منطقة الخليج والعودة إلى الموازنة الخارجية الأخرى. وفى النهاية، لم يجبر قرار صدام بغزو الكويت عام 1990، الولاياتالمتحدة على اختيار استراتيجية الاحتواء المزدوج، كما أنها كان يجب عليها أن تعطى اهتماماً أكثر إلى تنظيم القاعدة، ولا يجب عليها أن تقبل على المغامرة الحمقاء من حربها على العراق. وعندما يبحث المؤرخون عن النقطة التى وصلت أمريكا عندها إلى ذروتها وبدأت فى الانحدار، سيجدون أنها الحرب التى استمرت منذ 21 عاماً في منطقة الخليج.