هيفاء زنكنة قتل، عصر يوم الثلاثاء 29 آذار/ مارس، ببغداد، محمد حسين العلوان، عميد كلية الطب في الجامعة المستنصرية، بانفجار عبوة لاصقة وضعها ' مجهولون' في سيارته. كما قتل ' مجهولون' مفوضا في الشرطة بمدينة الموصل.
وكان ' مجهولون' يرتدون الزى العسكري قد احتلوا، في اليوم نفسه ، مبنى مجلس محافظة صلاح الدين.
واحتجزوا العشرات من الموظفين كرهائن بداخله. كانت نتيجة تحرير المبنى قتل 70 مواطنا وجرح اكثر من 95 آخرين.
في يوم الأربعاء ، قتل "مجهولون" امرأة مسنة طعناً بالسكين غرب بغداد. وأفاد مصدر في الشرطة ان 'الهجوم نفده مسلحون يرتدون الزي العسكري وأن المرأة شاهدة في إحدى القضايا الجنائية المقرر أن تعقد جلسة بشأنها يوم الخميس'.
في ذات اليوم، قتل 'مجهولون'، يرتدون زيا عسكريا، خمسة أشقاء في بيتهم، في أبو غريب، غرب بغداد. أما في يوم الخميس، فقد قتل ' مجهولون' مدنيا شرق مدينة بعقوبة. وقتل مدنيان على يد 'مجهولين' مسلحين بمنزل في منطقة الزعفرانية جنوب بغداد.
ولا تقتصر صفة المجهولية التي باتت سمة مألوفة على منفذي العمليات، بأنواعها، بل تمتد، احيانا الى الضحايا. ففي يوم الثلاثاء، مثلا، تم العثور على جثة ' مجهولة الهوية' مصابة باطلاقات نارية في منطقة الرأس والصدر، ملقاة في شرق الموصل.
وتمتد صفة المجهولية الى الأماكن والسيارات ، أيضا، حيث غالبا ما يلوذ المجهولون بالفرار الى 'جهة مجهولة'، وهم يستقلون سيارات 'مجهولة اللوحات'.
ففي يوم 11 آذار، ' قام 12 مسلحا مجهولا يستقلون سيارتين نوع (كيا وأخرى صالون) مجهولتي اللوحات، بالسطو على محل لصياغة الذهب في شرق بغداد'. وغني عن الذكر أن 'أسباب ودوافع الهجوم أو الجريمة أو الجهة التي تقف وراءه' هي مجهولة أيضا.
ويتسع سجل العمليات التي يرتكبها 'مجهولون' لتشمل مجازر وأحداثا جسام. ويكفينا أن البحث عن وقائع ارتكبها مجهولون على الانترنت، في العراق الجديد ، ستقودنا الى ما يزيد على الخمسين ألف حادثة وجريمة بعد حذف المكرر منها.
من بينها اقتحام مسلحين ' مجهولين' كنيسة سيدة النجاة ، ببغداد ، في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2010، بعد ان فشلوا في السيطرة على سوق الأوراق المالية في المنطقة. وكيف اقتحم مسلحون مجهولون مبنى مديرية السكك الحديد العراقية واختطفوا اثنين من موظفي الشركة.
واعتداء مجموعة مسلحه مجهولة على مقر نقابة الصحافيين العراقيين ومقر جريدة ميسان. وكان مسلحون 'مجهولون'، يرتدون زي القوات الحكومية وتقلهم سيارة عسكرية نوع (همر) قد هاجمت البنك المركزي العراقي، وسط بغداد.
كما قام 'مجهولون' آخرون بسرقة مصرف (الزوية) في منطقة الكرادة ببغداد وقتل حراسه. ويبدو ان ' المجهولين' لايحبذون التظاهرات السلمية.
اذ قام ' مجهولون'، يستقلون سيارات 'البيك آب' الحكومية، مساء 20 شباط/فبراير، بالهجوم على خيمة معتصمين في ساحة التحرير، ببغداد، بالسكاكين والهراوات ومزقوا اللافتات ورفعوا الخيمة من مكان الاعتصام وحطموا أجهزة الصوت التي كانوا ينوون استعمالها في التظاهرة الشعبية، وأصابوا عدداً من المعتصمين.
ولا يتسع المجال هنا لسرد ما يقوم به المجهولون ( يطلق عليهم أحيانا لقب الإرهابيين) في العراق، وان كانت مراجعة وقائع الجرائم والأحداث تدفع الى طرح بعض التساؤلات ، من بينها:
كيف يتم تنفيد هذه العمليات والعراق ' الجديد' فيه ما يزيد على النصف مليون جندي وشرطي واستخبارات ( ناهيك عن المخبرين السريين)، بالإضافة الى 50 ألف جندي احتلال أمريكي و 65 ألف من المرتزقة ( متعاقدو الشركات الأمنية) والإعداد الكبيرة من حاميات الساسة والمسئولين على اختلاف درجاتهم؟
هل من المعقول ان هذه القوات كلها باستخباراتها وأجهزة رصدها الجوية والأرضية ومعداتها الكاشفة، التي تكلفنا مليارات الدولارات، ونقاط التفتيش التي يتعثر بها المواطنون ، وجدران العزل الطائفي، عاجزة عن إلقاء القبض او تشخيص هوية 'المجهولين' المتهمين بأنهم يعيثون في البلاد فسادا واضطرابا وقتلا أم ان 'المجهولين' هم انفسهم حكام البلاد وساسته؟
ويأتينا الجواب، منسوجا بدرجات متفاوتة من الكذب والزيف، من المنظومة السياسية الرسمية المهيمنة على البلاد منذ الاحتلال، ليغطي حجم الكارثة ويبعد عنها المسؤولية من قبل البعض ويكشفها من قبل البعض الآخر.
ففيما يخص الهجوم على البنك المركزي، مثلا، صرح احد المسئولين بان الدافع لم يكن السرقة، بل كان لإتلاف مركز الوثائق في البنك الذي يشرف بشكل مباشر على كافة الأنشطة المصرفية في البلاد، بما فيها متابعة تجاوزات الوزارات والمؤسسات الحكومية على المال العام وكشفها.
وكان إتلاف الوثائق أيضا ما تسرب عن أهداف الاختطاف الجماعي من قبل ' شرطة مجهولين' بسيارات حكومية لعشرات من موظفي وزارة التعليم العالي، وما يشك بكونه مجزرة بحقهم واختفاء الأدلة عن تزوير الشهادات وقتها.
كما أشارت أصابع الاتهام الى تورط حماية عادل عبد المهدي، نائب رئيس الوزراء، في حادثة سرقة مصرف الزوية في منطقة الكرادة. خاصة وان الاقتحامات تتم باستخدام وسائل وآليات حكومية وفي وضح النهار وبكل سهولة.
ماذا عن اقتحام مبنى محافظة صلاح الدين، يوم الثلاثاء الماضي، والسيطرة عليه لعدة ساعات؟ ان المسئولين الحكوميين الذين استعانوا بالقوات العسكرية الأمريكية لا يزالون يتبادلون الاتهامات لتغطية عجزهم أو تظاهرهم بالعجز.
اذ أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عمار طعمه بأن الهجوم على مجلس محافظة صلاح الدين مؤخراً يؤشر على اختراق واضح للأجهزة الأمنية يدل عليه إدخال المتفجرات إلى مجلس المحافظة قبل تنفيد الهجوم.
مشيراً إلى الخلل في إجراءات التأمين لتلك المؤسسات. و دعا احمد الجلبي ( صاحب الميليشيا المدربة أمريكيا) المرشح ليتبوأ مركز وزير الداخلية إلى إعادة النظر في السياسات الأمنية.
فما هي الخطوات العملية التي تم اتخاذها حتى الآن؟
لاشيء خارج نطاق الرطانة الإعلامية. أقصى ما حدث هو إعلان 'مصادر نيابية عن تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الأسباب'.
ليضاف هذا الإعلان الى مئات الإعلانات عن تشكيل لجان تحقيق باتت مثل ملابس الإمبراطور، نسمع عنها ولا نراها ولا نعرف نتائجها.
ويبدو ان نوري المالكي نفسه، لم يعد يصدق نفسه فيما يخص تشكيل اللجان ، فصار يبتدع طرقا جديدة للكذب والتضليل، من بينها إصداره بيانا 'تعهد فيه بالقصاص من قتلة عميد طب المستنصرية لجلب الجناة الى قبضة العدالة لينالوا الجزاء العادل لفعلتهم الآثمة'.
وقد تعامى المالكي عن حقيقة يعرفها القاصي والداني وهي أن عميد طب المستنصرية انما هو واحد من قائمة تتألف مما يزيد على الخمسمائة أكاديمي وعالم يتحمل المالكي وحكومته وبقية حكومات الاحتلال مسؤولية تصفيتهم اغتيالا منذ عام 2003 .
وانه ببيانه الاستعراضي إنما يحاول إبعاد المسؤولية عن نفسه سواء كان مرتكبا للجرائم بيديه او لكونه في موقع يتوجب فيه عليه تحمل مسؤولية حماية المواطنين جميعا.
إن إلقاء مسؤولية الانتهاكات والجرائم المستهدفة للمواطنين على 'مجهولين' بات كذبة عارية عري الإمبراطور. ويكفينا أن نصغي الى هتافات المتظاهرين في إرجاء العراق وخارجه قائلين ' كذاب نوري المالكي كذاب'، لنعرف هوية مرتكب الجرائم ' المجهول' ، أو من يعرف تماما هويته.