يبدو هذا السؤال مستغرباً للوهلة الأولى ، ولكن التجربة الحوارية الفلسطينية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك الفشل المستمر حتى نكاد لولا الرجاء في الله ثم في المخلصين أن نجزم بفشل أي حوار فلسطيني قائم أو قادم ، وكأن هناك من هو معني بعرقلة الخطوات العملية على الأرض التي هي تدشينٌ للنوايا الخالصة والصادقة الدالة على صلاح سرائر النفوس وسلامة الأغراض لدى المتحاورين .
فالمرارة المرة المريرة والمتوالية للحوارات والاتفاقات في السنين السابقة والتي تجول فيها المتحاورون الفلسطينيون من فلسطين والشام إلى مصر الكنانة ثم مكة والبيت الحرام ، ولم تكن الجولة المكية الثالثة بالكافية الشافية وإن كنا نظن أنها كذلك بل فوق كل ريب ، فقد كانت في البلد الحرام وفي البيت الحرام حيث هبط جبريل عليه السلام بالوحي على قلب النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومن هناك انساحت الهداية ولا زالت إلى العالم كله ، ولكن أبت الهداية أن تصاحب المتحاورين مجتمعين من مكة إلى فلسطين ، فما إن عادوا إلى البلاد حتى فوجئنا بما سمي ب ( الحسم العسكري ) للقضاء على ما يدعى ب ( التيار الانقلابي ) ،وليس في واردنا الآن أن نُحاكِم المصطلحات والتسميات ، بل إن الآثار الكارثية المترتبة على ذلك الحسم والواقعة بنا نحن أهل غزة خاصةً والفلسطينيين عامةً هي الحُكْمُ ، كما أنها هي الحَكَمُ الذي يصرخ ليل نهار ، ونحن في هذا المقال لا نبحث في الذرائع التي يتذرع بها المتذرعون لتبرير ما فعلوا أو مالم يفعلوا على حدٍ سواء ، فالواقعةُ قد وقعتْ ، والمصيبةُ قد حلتْ ، والبليةُ قد نزلتْ ، وعم الضرر والخطر الفلسطينيين شعباً وأرضاً وسلطةً وقضية ًفي السياسة والاقتصاد والاجتماع والدين والأخلاق وفي كل مكان ، وغدا العقل والفعل والقرار الفلسطيني مترنحاً يحتاج إلى ما ومن يعمل بإخلاص على إرجاع صحته وسلامته إليه في ثبات وقفته ، ووثوق خطوته ، ووضوح فكرته ورؤيته ، ليس منا نحن الفلسطينيين فقط بل وممن حولنا من إخواننا العرب وأهلنا المسلمين ، وممن يهتم بقضيتنا من العالم أجمع ، ولذلك حظينا باهتمام المسلمين جميعاً ممثلين في السنغال حيث عقدت فيها منظمة المؤتمر الإسلامي قمتها لهذا العام، وكان للسنغال دعوتها فطار المتحاورون الفلسطينيون إلى داكار عاصمة السنغال ، وليتهم قبلوا الادكار فادكروا ، وانتهى بهم الطيران إلى أن حطوا الرحال بصنعاء اليمن ، والتي أودع رئيسها علي عبد الله صالح مبادرة بلاده اليمنية ومواقف المتحاورين منها وثيقةً كانت ظاهرة ً في قرارات القمة العربية بدمشق ، وهاهي القاهرة ضمن إخوانها العرب وفي ضوء ذلك كله تؤكد حضورها ومكانتها الفعالة على الساحة الفلسطينية والعربية تجلس إلى هؤلاء المتحاورين الفلسطينيين فتمهل وتتمهل ، وتجمع وتجتمع ، وتسمع وتستمع ، لتخرج برؤية واحدة ، ورأي وموقفٍ جامعٍٍ يجمع الكل الفلسطيني ، فمصر هي الجار اللصيق المؤثر والمتأثر بنا في عالم تتسارع فيه الخُطا ، ولا ينتظر أحدٌ هؤلاء المتكاسلين المتباطئين عن كل خير ،والمثبطين لكل عملٍ نافع ٍ ، والتاريخ تدور عجلته بوقودها من الهلكى والمتهالكين من الشعوب والأمم الضعيفة ،الذين لا يجدون إلا فتات الموائد لا ليقوموا من هلكتهم أصحاء أقوياء ؛ بل ليحفظوا رمقهم بكسرةٍ من خبز ، أو شربة ٍمن ماء ، ولنسأل أنفسنا جميعاً هل نريد أن نتحول إلى رقم ٍجديد في قائمة هؤلاء الهالكين والمتهالكين بعد إذ نجانا الله من تلك القائمة ؟!! ..
إذن .. علينا نحن الفلسطينيين عامةً ، وعلى هؤلاء المتحاورين خاصة ً بما يلى :
* - أن يحرص المجتمعون المتحاورون على الصدق مع الله أولاً ثم مع شعبنا وأمتنا فيخاطب بعضهم بعضاً بوجه واحد لا بوجهين ، وبلسان واحد لا بلسانين ، فذو الوجهين شر الناس ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
(( إن شرالناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ))
* - أن يعلم هؤلاء المتحاورون علم اليقين أن الخداع لن يطول ، وأن الكاذب على الناس منقطع به الحبل ، فحبل الكذب قصير ، وأن من أسر سريرةً ألبسه الله رداءها ، فكيف بمن كذب على الله تعالى ، وصدق زهير في قوله :
ومهما تكن عند امرئٍ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم ِ .
* - أن يقر المتحاورون بضعفهم وقلة حيلتهم ، فينصتوا إلى نصح الناصحين من شعبنا ومن أمتنا ، ومن المنصفين في العالم الذي نحن جزء منه ، وأن يعملوا بهذا النصح الخالص ، لنخرج من ورطتنا التي أوقعنا أنفسنا فيها ، فلسنا معصومين ، بل نحن معدن الخطأ ، وقد أخطأ أبونا آدم من قبل فأقر بذنبه واستغفر ربه ، فليقر المتحاورون بأخطائهم كما أقر ، لئلا يكونوا مثل إبليس الذي دفعه الاستكبار إلى الإنكار وعدم الإقرار ، فطرد من الجنة في الدنيا ومأواه النار في الآخرة .
*- أن يحذر المتحاورون من أن يصدر عليهم حكم شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية الذي سيكون حازماً لا تردد فيه هذه المرة ، فالقضية أعمق ، والأمر أخطر ، والخطب أعظم من أن يحيط به هؤلاء المتحاورون وحدهم ، إلا بعون من الله ثم من الأمة التي نحن منها ، ولا غنىً بنا عنها .
وعلى أمتنا العربية والإسلامية وخاصة مصر العروبة حيث الأزهر الشريف والقلب النابض والرأي السديد المؤيد بنور هداية التوحيد والسنة من السعودية بلاد الحجاز مهبط الوحي ومنبع الرسالة الإسلامية ، ناهيك عن دمشق الشام وأردن بني هاشم حيث ملاحم الإسلام ، أن يدركوا حجم الخطر المحدق بالجميع ، وما أصابنا نحن أهل فلسطين ويصيبنا فقد بلغ السيل الزبى ، ولم يعد البلاء يطاق ، وإننا بعد الله نستغيث بهم فالوحا الوحا ، العجل العجل ، وعليكم التسوية في الكيل وعدم التسويف والتطفيف ، ونحن والله إلى الأمان والأمن والعدل أحوج منا إلى اللقمة والرغيف ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
** الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة المجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين